[ تفاعل الأطراف اليمنية مع سقوط نظام بشار الأسد ]
لم يكن اليمن بعيدا عن ردود الفعل التي ولدها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ذلك أن الحالة اليمنية لها اتصال بالنموذج السوري، ولكن من مستويات مختلفة، ويشتركان في العديد من الخصائص، والسمات، والدور الخارجي المؤثر.
يشترك اليمن مع سوريا بكون البلدين من الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي في العام 2011م، وخرج الشعب إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس السابق في اليمن علي عبدالله صالح (حكم اليمن 1978 - 2012) مثلما خرج في سوريا ضد نظام بشار الأسد، وانتهى الأول برحيله عن السلطة، ثم تحالفه مع الحوثيين لاحقا، بينما ظل الثاني في رأس السلطة، وأدخل سوريا في تطورات وتعقيدات واسعة.
وكانت المرحلة الانتقالية التي شهدها اليمن ممثلة بمؤتمر الحوار الوطني خلال العام 2013، والتي انبثقت عن المبادرة الخليجية، محل دراسة لتطبيقها على الوضع في سوريا، لكن التآمر على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ودخول البلاد في حرب محلية قادتها جماعة الحوثي بالتحالف مع الرئيس السابق "صالح" جعل تنفيذها في سوريا غير ممكنا.
لذلك تبدو مظاهر الاشتراك بين البلدين والثورتين والنظامين والتداعيات فيهما قريبة من بعض، مع فارق الحالة الدموية العميقة التي اتصف بها نظام بشار الأسد مقارنة بنظيره في اليمن "صالح"، بالإضافة أيضا، لاشتراك البلدين في طرف دولي متصل، وهي إيران التي أعلنت البلدين أحد أربع دول سقطت بيدها، وباتت تتحكم بهما، عبر التدخل المباشر، أو أذرعها المحلية.
الدور الخارجي في طبيعة الحال كان حاضرا في البلدين، بكل قوة، فاليمن الذي تعرض للتشظي، تعددت فيه الولاءات بشكل كبير، فهناك جانب يتبع إيران ممثلا بجماعة الحوثي، وهناك الحكومة اليمنية التي تتبع في تحالفها الممكلة العربية السعودية والإمارات، والوضع نفسه في سوريا، حيث تحضر إيران كطرف رئيسي، بينما تحظى المعارضة المسلحة بارتباط خارجي مماثل.
الحكومة اليمنية
سارعت الحكومة اليمنية عبر مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم ثمانية أعضاء برئاسة رشاد العليمي، لتوضيح موقفها من سقوط الأسد، وذلك من خلال تهنئة المجلس للثوار في سوريا، مباركا ما وصفها بعودة دمشق إلى الحاضنة العربية، ومجددا موقف اليمن الداعم لوحدة الأراضي السورية، واحترام استقلال وإرادة سوريا، لكنه أيضا ربط الأمر بالموقف من إيران، التي اعتبرها خاضعة للوصاية الإيرانية.
الأحزاب السياسية الموالية للحكومة اليمنية كان لها أيضا موقفا من التطورات في سوريا، وذلك عبر بيان صادر عن التكتل الوطني للأحزاب والمكونات السياسية، وهي تحالف سياسي نشأ مؤخرا في عدن، بارك التغييرات في سوريا، واعتبرها فرصة لتحقيق الاستقرار في سوريا، ودعما لإرادة الشعب السوري.
لكن الأحزاب ذهبت هي الأخرى لنفس الزاوية باعتبار ما جرى هو عقابا لإيران، ورفضا لوصايتها على سوريا، وهي نظرة تتسق مع التوجه السعودي الداعم للأحزاب، على الرغم من التحسن الذي طرأ مؤخرا على العلاقة بين السعودية وإيران.
ونظرت الأحزاب في بيانها لاعتبار سقوط نظام الأسد فرصة لمواجهة جماعة الحوثي، وإنهاء انقلابها في اليمن، وهي رغبة لا تخفيها الأحزاب، لكنها ظلت في دائرة البيانات السياسية، وبعيدة عن أي ديناميكيات ممكنة لإحداث اختراق ممكن في هذا الجانب، بسبب الطبيعية الشائكة للملف في اليمن، وتعدد التيارات القائمة، محليا وخارجيا.
تيارات وشوارع
وثمة تيارات أخرى سارعت لكشف موقفها من سقوط نظام الأسد، فهناك المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، وهو كيان يتبع الشيخ حمود المخلافي، الذي كان من أوائل الشخصيات الميدانية التي قادت العمل المسلح ضد جماعة الحوثي وحليفها السابق "صالح" في محافظة تعز جنوب اليمن، ودعا في بيان له تعليقا على الأحداث في سوريا إلى إطلاق إرادة الشعب اليمني لاستعادة دولته، وهو تلميح لتكرار نموذج المعارضة السورية ضد جماعة الحوثي في اليمن.
وفي مدينة تعز التي شهدت حصارا من جماعة الحوثي، ومواجهات دامية خلال الأعوام الماضية خرج العشرات إلى الشوارع احتفاء بما تحقق في سوريا من انتصارات، وكان لافتا العبارات التي رفعها المشاركين، والتي اعتبرت مدينة صنعاء التي تسيطر عليها جماعة الحوثي هي الهدف التالي، للتحرر من هيمنة ما وصوفه بالنفوذ الإيراني في اليمن.
مدينة الحديدة الساحلية بشقها الواقع تحت سيطرة الحكومة اليمنية في عدن احتلفت هي الأخرى بهذه المناسبة، وشهدت مدينة الخوخة التي تسيطر عليها قوات تابعة لعضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح مظاهر احتفال عابرة، تزامنت مع ذكرى تحرير المدينة من جماعة الحوثي.
الحوثيون صامتون
بالنسبة لجماعة الحوثي فلم يصدر عنها موقفا واضحا تجاه التطورات في سوريا، على الرغم من تأييدها المباشر للرئيس السوري السابق بشار الأسد، وسبق لإعلامها اعتبار ما يجري في البدايات الأولى للثورة ضد الأسد مؤخرا بأنها مؤامرة من تركيا ودول أخرى ضد محور المقاومة، وهو المحور الذي يتبع إيران، وتعد جماعة الحوثي أحد أطرافه الفاعلة.
الحوثيون واصلوا إطلاق طائراتهم المسيرة باتجاه إسرائيل بعد يوم واحد من سقوط نظام بشار الأسد، وهي ربما إشارة من الجماعة بأن الأمر لا يعنيها، وأنها لاتزال قادرة على توجيه الرسائل، ولم تتضرر أو تتضايق مما جرى.
الصمت الذي ظهرت به صنعاء كان واضحا، وانحصر الموقف فقط في التنديد بتقدم إسرائيل نحو الحدود السورية في منطقة القنطيرة، بعد يوم من سقوط الأسد، وهو النظام الذي ارتبطت معه صنعاء بعلاقات في وقت سابق، وكانت دمشق العاصمة العربية الوحيدة التي استقبلت سفيرا من الحوثيين، وظل يعمل لصالحهم، قبل أن يتوقف ذلك لاحقا.
وهذا التوقف كشفته صحيفة الأخبار اللبنانية مؤخرا بقولها نقلا عن قيادات في جماعة الحوثي إن طاقم سفارة صنعاء في دمشق غادر سوريا أواخر العام الماضي، بطلب من النظام السوري السابق، تنفيذاً لطلب سعودي – إماراتي.
المجلس الانتقالي
المجلس الانتقالي الجنوبي وهو كيان يحظى بدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة، ويشارك في مجلس القيادة الرئاسي، ويطالب بانفصال اليمن ظل هو الآخر صامتا تجاه التطورات في سوريا، ولعل ذلك يعود لتبعية المجلس لدولة الإمارات، التي أعلنت موقفها المؤيد للأسد قبيل أيام فقط من سقوطه، وهو ما دفع المجلس للتحفظ، وعدم إبداء موقفه تجاه ما جرى في سوريا.
خلاصة الوضع
ويمكن القول أن المشهد في سوريا دفع لتعزيز الانقسام بين القوى اليمنية، لكن ذلك لم يخف رغبة يمنية من استلهام الدرس السوري، سواء أكان ذلك على المستوى الحكومي أم الشعبي، باستثناء جماعة الحوثي، التي يبدو أنها تدرك جيدا انعكاس ذلك على بقائها ومشروعها، وهو ما دفعها للصمت، وربما يدفعها أيضا نحو التحرك، مما قد يسهم في تحرك ملف اليمن، الذي يشهد مؤخرا اهتماما دوليا متصاعدا بسبب الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على في البحرين الأحمر والعربي، وكذلك تلك التي توجهها نحو إسرائيل.
لقراءة المادة باللغة الإنجليزية انقر هنا