بعضهم انتهت حياة آبائهم السياسية؛ فيسعون لتعود إليهم، وبعضهم الآخر ما يزال آباؤهم في سدة الحُكم، وهم يسعون لوراثتهم، إنّهم أبناء بلدان الثورات العربية.
وعلى ما يبدو فإن وسائل هؤلاء الأبناء لتحقيق مبتغاهم غير مشروعة؛ إذ تُظهر تقارير محلية ودورية تورطهم في قضايا فساد، ومع ذلك ما يزالون في مضيهم نحو كرسي الحُكم.
خالد صالح يُمكّن والده بالمال والنفوذ
في اليمن، يبدو أن جُهدًا كبيرًا يبذله أبناء الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لإعادة تمكين والدهم من الحكم، عبر دعم وجوده العسكري في الجبهات الثلاثة المحسوبة له، وهي تعز، والحدود اليمنية السعودية، والساحل الغربي للبحر الأحمر.
ومؤخرًا، كشف التقرير النهائي للجنة العقوبات الخاصة باليمن، مسؤولية خالد، نجل علي عبدالله صالح، عن عمليات غسيل أموال، وتحويلات مالية مشبوهة، نفذها من خلال شركات. ويظهر التقرير أن أعضاء لجنة العقوبات في مجلس الأمن سيقدمون تقريرًا آخر يُثبت تورط الرجل، ودوره الرئيسي في إدارة شبكة مالية لصالح والده وشقيقه أحمد»، وذلك لمناقشته في اجتماع مغلق، اليوم الجمعة 27 يناير (كانون الثاني).
وتُشير التفاصيل التي نقلها موقع الجزيرة نت إلى أن العمليات التي نفذها خالد بن علي عبدالله صالح، كانت في إطار عمل شبكة مالية واسعة، أسسها والده بهدف التحايل على العقوبات؛ إذ إن اللجنة «تعرفت على تحويلات مالية مشبوهة وكبيرة ترتبط بست شركات، وخمسة بنوك في خمس دول، بينها شركة في الإمارات العربية المتحدة، وقد استخدمها خالد لغسيل الأموال، من ضمنها مبلغ 84 مليون دولار تم غسيلها في ثلاثة أسابيع خلال عام 2014».
وفي السابق تحدثت مصادر يمنية عن أن خالد يعمل مع والده ضمن شبكة تحالفات قبلية وسياسية وعسكرية، تهدف إلى تمكينه من اليمن، وتحقيق أهدافه بسهولة، بخاصة بالتحالف مع الحوثيين الذين قال والده ذات مرة إنه على علاقة «راسخة وقوية» بهم، لذا لم يكن غريبًا أن يبرز اسم خالد خلال 2015 في قضية شحن يخت سياحي لوالده مسجل باسمه على متن سفينة تابعة لشركة شحن، هذا ويُذكر أن أرصدة صالح قاربت على 60 مليار دولار.
ولم يتوانَّ خالد عن التواجد في الساحة السياسية اليمينية، رغم إقالته كقائد في ألوية تابعة للحرس الجمهوري عرفت بـ«ألوية مشاة جبلي« عام 2014، فقد خرج في سبتمبر (أيلول) الماضي متوعدًا التحالف العربي، وذلك عبر قناة اليمن اليوم المملوكة لشقيقه أحمد صالح، إذ قال: «نحن صامدون، وسنقدم المزيد من التضحيات للدفاع عن الجمهورية اليمنية، فلا نامت أعين الجبناء سيكون الرد مزلزلًا«.
هذا وقد سبق أن ورد اسم خالد مع شقيقه أحمد، في أكثر من قضية فساد، كما اتهم أحمد بتلقي رشوة من إحدى شركات الاتصال الأمريكية؛ لتقديم خدمات خاصة لصالحها داخل اليمن.
حافظ قائد السبسي.. نفوذ يتغلغل بـ«نداء تونس»
واحدٌ من أكثر الشخصيات جدلًا على الساحة التونسية، بعد انخراطه في العمل السياسي أثناء ثورات الربيع العربي، إنه حافظ نجل الرئيس التونسي الحالي باجي قائد السبسي، والذي سرعان ما ورث كُرسي والده في حزب نداء تونس.
برز اسم حافظ على الساحة السياسية خلال عام 2013، وتحديدًا حين أسندت له مهام منسق الهيكلة في الحزب. ثم بسعي حثيث وعجل، عمل حافظ للوصول إلى نفوذ سياسي أعمق، ليصل به طموحه لرئاسة حزب النداء، لكن سرعان ما بدت قلاقل داخل الحزب، بخلقه أزمات بين جبهتين داخل الحزب الواحد.
تضخمت الأزمة داخل الحزب في 2015، ولم تخرج أسبابها عن إصرار نجل السبسي على التفرد بزعامة الحزب، وعلى إثر ذلك استقال 32 نائبًا من الكتلة النيابية التي تضم 86 مقعدًا من أصل 217، فيما اتُهم حافظ وداعموه بـ«الوقوف وراء الاعتداءات على كوادر وقيادات في الحزب رفضوا ما أسمتها سياسة التوريث»، كما قالت النائبة بمجلس نواب الشعب (البرلمان) صابرين القوبنطيني، مؤكدةً أن حافظ «يسعى للانقلاب على مؤسسات الحزب»، بما فيها المكتب السياسي، والمكتب التنفيذي.
وتُظهر هذه الحادثة التي استمرت تبعياتها حتى قبل يومين، عندما قرر الحزب طرد ابن السبسي؛ وجود نهج تقوم عليه ما تسمى بـ«لوبيات مالية» تهدف لتوريث زعامة الحزب لحافظ، وضرب الهياكل الشرعية للحزب، إذ أُشيعت اتهامات للسبسي بأنه سعى لفرض ابنه زعيمًا للحزب.
وكانت الهيئة التسييرية لحزب نداء تونس، قد قررت يوم الاثنين الماضي أن تطرد نجل السبسي من الحركة، مُحملةً السلطات العليا البلاد مسؤولية التعامل معه، باعتباره «منتحل صفة الممثل القانوني للحزب». ووصف بيان الهيئة نجل السبسي بالمتعنّت في مواصلة تمثيل الحزب دون وجه قانوني، وبأنه كان سببًا في «الضرر الناتج عن المساس بصورة تونس في الداخل، والخارج، وإلحاق الأذى بمؤسسة رئاسة الجمهورية، ومحاولة استعمال أجهزة الدولة والحكومة للسيطرة على الحزب، وترهيب المناضلين، والاستقواء داخل الحزب».
يُذكر أن السبسي ذا التسعين عامًا، دائمًا ما ينفي تجهيزه ليلحق به ابنه في الانتخابات الرئاسية القادمة في 2019، قائلًا في أحد التصريحات الصحافية: «تونس ليست مملكة»، وفي تصريح آخر قال أيضًا: «لم أشجع أو أساند نجلي حافظ السبسى، وهو مواطن مثل جميع المواطنين، وله الحق في خوض الحياة السياسية، فابني يبلغ من العمر 55 سنة، وأنا لا أسيّره مثل الطفل، وقلت له إن شعرت أنك لم تنجح فبإمكانك أن تتخلى وتغادر، ولا أريد لاسمي أن يكون مرتبطًا بالخسارة«.
اتهامات لأبناء السيسي
«إنه ليس من الصعب الاعتقاد أن نجل السيسي كان على علم بتحركات جوليو ريجيني حتى قبل اختفائه»، هذه النتيجة التي خرجت بها المنصة التي أنشأتها صحيفة إيسبريسو الإيطالية، «ريجيني ليكس» لمتابعة تطورات قضية الباحث الإيطالي الذي قُتل في القاهرة، جوليو ريجيني، والتي لفتت بشكل واضح إلى احتمالية تورط محمود، النجل الأكبر للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، في قضية مقتل ريجيني، من خلال موقعه في جهاز المخابرات العامة.
وعادت خلال الأيام الماضية قضية مقتل ريجيني للتداول، ولم تكن هذه القضية الوحيدة التي ذكر بها اسم أحد أبناء السيسي، فقد وردت اتهامات لمصطفى السيسي باحتمالية تورطه في مقتل المستشار وائل شلبي، لعمله في جهاز الرقابة الإدارية الذي ألقى القبض على شلبي، قبل أن يُعلن عن انتحاره في محبسه بالكوفي، وهو ما لم يثبت فيه تورط نجل السيسي، أو غيره.
كما أثارت مصادر إعلامية في 2015، ظهور اسم نجل السيسي في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ«قضية الفساد الكبرى»، فـ«القضية الخاصة بحصول كثير من الوزراء السابقين والحاليين على أراضي الدولة، بغير وجه حق تورط فيها عدة وزراء حاليين لم تخلُ هذه الأسماء من وجود نجل السيسي بينهم شخصيًّا»، كما ذكر تقرير موقع «عربي 21». ومع ذلك تبقى تلك الاتهامات غير مُؤكدة.
ويمكنا هنا الانتقال إلى نفوذ جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع محمد حُسني مُبارك، الذي حلم بوراثة حكم مصر بعد والده، حيث اعتمد على نفوذ والده، وتدبير والدته سوزان مبارك، وكما تؤكد وثائق بنما، فإن نجل مبارك كان ضمن الشخصيات السياسية التي استغلت نفوذها لإخفاء ثرواتهم وتهريبها إلى الخارج، وهو متورط بالشراكة مع شقيقه علاء في العديد من جرائم الفساد، وعقب ثورة 25 يناير، حُوكم جمال مُبارك بتهمة التربح، واستغلال النفوذ.
وتقول مصادر صحافية، إنه عقب إطلاق سراح جمال مُبارك في يناير (كانون الثاني) 2015، بعد قضائه أربع سنوات في السجن، دُشّنت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، صفحة تصفه بالرئيس القادم لمصر. والمثير للاهتمام أن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، تطرقت في تقرير خاص لما وصفته بـ«شعبية جمال مبارك في الوسط الشعبي المصري»، مستشهدة بظهوره مع شقيقه علاء، خلال مباراة كرة قدم جمعت منتخب مصر مع نظيره التونسي، زاعمةً أن للرجل حظوظًا قوية لعودته بسعيه «بخطوات ثابته نحو الرئاسة»، كما لم تستبعد أن يُرشّح نفسه في انتخابات الرئاسة القادمة المزمع عقدها في يونيو (حزيران) 2018.
سيف الإسلام القذافي.. والعودة إلى المشهد السياسي
رغم أنه يقبع في سجن مدينة الزنتان غربي ليبيا، مُنتظرًا نتائج التحقيق في اتهامات ضده قد تُوصله إلى الإعدام، إلا أن سيف الإسلام نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، قد يبرز له دور رئيسي في مستقبل القرار الليبي، لما يحظى به من شعبية بين قطاعات من الليبيين أنصاره، وأنصار والده.
وأعلن أنصاره عودته بتشكيل «الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا» خلال الشهر الجاري، وهو تنظيم يضم عدة قيادات شعبية، وتشكيلات اجتماعية عريقة، وقد وجاء في بيان الجبهة: «سيسعى إلى تحرير الوطن من سيطرة التنظيمات الإرهابية المتسترة بالدين، والمرتهنة بالعمالة للأجنبي، وسيعمل على بناء دولة وطنية ذات سيادة«.
ولا ينسى سيف الإسلام أنه عمليًّا أُعد وريثًا لأبيه قبيل الثورة الليبية، وهذا ما دفعه لعدم التردد في اتخاذ مواقف حازمة ضد الثوار الليبيين حين توعدهم بالحديد والنار، ورغم وجود العديد من الليبيين الذين يحملونه مسؤولية الوضع الحالي المضطرب الذي تعيشه ليبيا، إلا أن الحديث أصبح متكررًا عن ترتيب عودته إلى المشهد السياسي بعد تسوية وضعيته القانونية مع محكمة الجنايات الدولية.