نُشرت رواية الخيميائي- The Alchemist للمرة الأولى عام 1988، إلا أنها ما زالت تُصنف من أكثر الروايات مبيعاً، لمؤلفها البرازيلي باولو كويلو، الذي نال جوائز عالمية؛ كَون أعماله تُرجمت لأكثر من 67 لغة، وبيع منها 65 مليون نسخة؛ ما جعلها تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأكثر كتاب مترجم لمؤلف على قيد الحياة.
باولو كويلو، الكاتب الذي أدخله والِداه فى سنوات مراهقته إلى مشفى للأمراض العقلية؛ بسبب تصرفاته الغريبة، خرج منها ليعمل ممثلاً ثم مخرجاً سينيمائياً، وانتقل بعدها إلى تأليف الأغاني، كان هذا قبل تحقيق حلمه وتفرغه التام للكتابة، ليصبح روائياً عالمياً، ويُعين فيما بعد سفيراً للتنوع الثقافي في اليونسكو.
وقد ظهرت باكورة أعماله في روايته الأولى، التي أسماها الحاج-The Pilgrimage، وقدمها في عام 1987، لكنها لم تحقق نجاحاً مثل روايته الثانية الخيميائي، التي أصدرها في العام التالي مباشرةً، قائلاً: "كنت أفكر دائماً أن أكون أشهر كاتب في العالم، لكن لا يكفي أن تعلم ما تريد".
الراعي بطل الرواية الشهيرة
تتدفق أحداث الرواية فتثير أفكاراً في قلبك وعقلك، تجعلك مندمجاً كلياً مع أحداثها الشيقة، التي بدأت بالحديث عن "سانتياغو" راعي الأغنام، الذي ذُكر اسمه مرتين فقط في بداية الرواية ونهايتها، واكتفى برمزية التعبير عنه بعد ذلك طوال الرواية بكلمات مثل: "الراعي، الفتى، الغلام"؛ ما يجعل القارئ يندفع مع القصة، وكأنه هو الذي يعيش أسطورته الشخصية، التي يتحدث عنها طوال الرواية، فمع أنها خيالية، إلا أن واقعيتها تكمن في تذكر القارئ لمواقف حياته الخاصة خلال قراءتها.
وتأتي البداية مع راعي الأغنام ذلك الفتى في جنوب إسبانيا، الذي كان يهتم بأغنامه اهتماماً بالغاً، وكذلك كتابه، الذي يصحبه دوماً، وينتهي منه ويستبدله بآخر طوال رحلته.
إذ تعلّم الراعي في مدرسة دينية برغبة أسرته، لكن رغبته كانت مختلفة عنهم؛ فكان يحب السفر والترحال، واختار طريقه، لذلك ساعده والده حين رأى إصراره على ذلك، فأعطاه ثلاث قطع ذهبية ليبدأ بها حياته.
وفي تلك اللحظة، علم الفتى أن والده كان يتمنى يوماً ما أن يكون رَحّالة، لكنه لم يقرر ذلك واختار حياته الحالية.
وفي رحلته، يتعرف إلى ابنة أحد تجار المنسوجات، وينبهر بجمالها الأندلسي، وتتعجب من قدرته على القراءة، وهو راع للأغنام. كان ينتظر رؤياها مرة أخرى، فمَّرَ عام؛ ليذهب لبيع صوف أغنامه، ويستبدل كتابه ويقابل ابنة التاجر، ويقص عليها مما قرأ وما رأى من مغامراته المختلفة.
الكنز العجيب
كان الغلام يجعل، بين الحين والآخر، كتابه الضخم وسادة تحت رأسه؛ لينام قليلاً في الطريق من أجل إكمال مسيرته، لكن يأتيه حلم يتكرر أكثر من مرة، يجعله يفكر فيه ويشغله عن القراءة أحياناً؛ لعدم فهم ذلك الحلم.
فالتقى بعرّافة؛ لتقرأ ما يخفيه الفتى، فيقص عليها حلمه بأنه يرى كنزاً مدفوناً في صحراء أهرام الجيزة بمصر، ويدله عليه طفل صغير، ومع أنها لأول مرة تسمع عن تلك الأهرامات، إلا أنها طلبت منه عشر الكنز، قبل أن تفسر هذا الحلم للفتى.
وافق الفتى، فقالت له أن يكمل طريقه لهذا الكنز، وحينما سألها ماذا سيفعل حتى يذهب إلى مصر، أجابته بأن مهمتها تفسير الأحلام، وليس تحويلها إلى حقيقة.
الشيخ العجوز الثرثار
يستمر الراعي في طريقه ليقابل شيخاً يدعى "سالم"، كان ثرثاراً بالنسبة للفتى، الذي كان يقرأ كتابه الجديد؛ ففكر هذا الأخير أن يُشعره بالإحراج، فأعطاه الكتاب ظناً منه أنه لا يستطيع القراءة، فكان أكثر ما أدهشه أن هذا الشيخ كان قد قرأ هذا الكتاب الضخم من قبل، وأدهشه أكثر بقوله: "أنا لا أستطيع مساعدتك"، مع أن الفتى لم يطلب أي مساعدة منه.
وقبل أن يسأل، وقف هذا الشيخ وتناول عوداً، وأخذ يكتب على الأرض وقرأ الفتى ما يكتب فكان اسم أبيه وأمه ومسيرة حياته وأموراً لا يعلم عنها أحد إلا هو.
وهنا تبدأ الرواية بمسار جديد، تجعلك تفكر ما سر هذا الشيخ العجوز، الذي أعطاه حجرين، أحدهما أبيض والآخر أسود باسميهما "أوريم، وتوميم"، واشترط عليه استخدامهما بموضوعية؛ ليتمكن من اتخاذ القرار الصائب، وأن عليه الاختيار بنفسه، واشترط عليه الشيخ أن يأخذ عشر ما يملك من الأغنام، وليس مثل العرّافة، التي تنتظر نصيبها من الكنز ليعلمه الدرس الأول: "أن لا يعد بما لا يملك". كان هذا الشيخ ملكاً، فكيف تمكّن من معرفة أمر الكنز وتفاصيله؟
هنا ينخرط القارئ في أحداث شيقة ومغامرات، فيتخذ الفتى من حواره مع هذا العجوز تَذكِرَة ودلالات طوال طريق رحلته.
استكمل الفتى طريقه عبر المضيق بين الجبال، ثم عمل بمتجر للبلورات، حيث جعل منه مكاناً غنياً ثرياً يتوافد عليه السائحون بعدما كان حانة صغيرة يملؤها التراب، بفكرة بسيطة قام بها، فعمل هناك لعام كامل، ثم تذكر حلمه من جديد وأسطورته الشخصية، خاصةً بعد أن قص عليه صاحب هذا المتجر البسيط رغبته فى السفر إلى مكة، لكن بعد سنوات كثيرة، لم يحققها ولم يتحرك.
يبقى مع حبه أم يستكمل رحلته؟
بعدها، قرر الفتى أن يستكمل رحلته مرة أخرى بعد عام، فقابل أميركياً يبحث عن خيميائي؛ لمساعدته في معرفة ما استصعب فهمه في دراسته. وتدور الأحداث من هنا فى رحلة عبر الصحراء مع الجمّال، الذي ساعده في معرفة الطريق، والأميركي، الذي استعار منه بعض الكتب للقراءة في الكيمياء وتحويل المعادن إلى ذهب وتعقيدات كثيرة لم يفهمها سريعاً حين بدأ القراءة في كتبه الكبيرة.
فقرر أن يترقب في الصحراء خلال طريقه الدلالات والإشارات، ويتعلم قراءة العالم من حوله، لكن واجهته عوائق في الصحراء، وهي الحروب بين القبائل، وهنا يقابل حُبه الحقيقي، فاطمة، التي كان يظنها أسطورته الحقيقية؛ فيبدأ صراع جديد.
هل يتركها ويذهب إلى استكمال رحلته أم يبقى معها؟ ويدور الصراع، إلى أن يقرر استئناف رحلته، ويقابل الخيميائي، الذي يحسم حواره الذاتي مع نفسه ويوجه إليه تساؤلات، يجيب من خلالها على حقائق، ترشده إلى استكمال الطريق، لتحقيق أسطورته الحقيقية.
ما هو الكنز؟!
وتأتي اللحظة الأخيرة، التي يحسم فيها هذا الصراع، ويتذكر أنه لم يستخدم فيها "توميم وأوريم"، وأنهما مجرد رموز وأحجار؛ فلن ينظر للأمور وفق ما يشتهي بهواه، وقرر أن يراها مثلما هي في الواقع، ليكتَشف حقائق ودلالات في طريقه.
في النهاية، يعثر الراعي على كنزه الحقيقي، ليكتشف أنه بموطنه في إسبانيا، وإن كان عليه قطع تلك المسافة كلها، ويقابل بعض الرجال الهاربين من الحرب؛ فتَدور أحداث النهاية في اللحظة الأخيرة باكتشاف سر الكنز، فيُخبره أحدهم بحلم رآه، إلا أنه ليس بهذا الغباء لكي يُصدق أحلامه، لكن بعد أن أكمل هذا الرجل وقصّ عليه حلمه، اكتشف الراعي مكان الكنز في بيته الذي كان يسكن فيه، لكنه لم ينسَ فاطمة، قائلاً في الختام: "ها أنا ذا يا فاطمة إنني قادم".
وهنا يعيش القارئ لحظات من الحقيقة، فهل سيتخذ قراراً خاصاً بتحقيق أُسطورته الشخصية، مثل الراعي سانتياغو، أم سيقرر التوقف دون البحث.
امتازت الرواية بالأبعاد الفلسفية وجمال الأسلوب وسلاسة الأحداث، لتخبر القارئ في النهاية بأن "الساعة الأكثر ظلمة هي الساعة التي تسبق شروق الشمس".
كانت أوبرا وينفري، المذيعة الأميركية الشهيرة، ناقشت تلك الرواية فى أحد اللقاءات، التي امتازت بالسهل الممتنع؛ فجمعت بين بساطة التعبير، وسلاسة الحكمة.