[ بليغ حمدي ساهم في إيصال الموسيقى والإيقاعات الشعبية بأسلوب يتناسب مع كبار المطربين (مواقع التواصل) ]
بينما الجيش المصري يقاتل في سيناء خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، كان الملحن بليغ حمدي يقف مع زوجته في ذلك الوقت المطربة وردة، والشاعر عبد الرحيم منصور أمام أبواب مبنى الإذاعة والتليفزيون، مصرا على دخول المبني الذي لم يكن مسموحا لغير العاملين به بالدخول.
كان بليغ ووردة في غاية الحماس لتسجيل الأغاني الجديدة للإذاعة التي تبث الحماس في عزيمة المصريين وجيشهم، وكانت الإذاعة تكتفي يومها ببث القديمة مثل أغنية "بلدي أحببتك يا بلدي" للفنان محمد فوزي.
اتصل بليغ -الذي تحل ذكرى وفاته اليوم 12 سبتمبر/أيلول 1993- بصديقه الإذاعي وجدي الحكيم، وهدده بتحرير محضر ضده إذا لم يسمح لهم بدخول الإذاعة، بالفعل أتيحت له الفرصة للدخول مع وردة إلى الأستوديو لتسجل أغنيتها "على الربابة بغني" كما قدم بليغ أيضا أنشودة النصر الشهيرة "الله أكبر بسم الله".
أمل في الموسيقى
ولد بليغ في حي شبرا في قلب القاهرة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 1931، كان شغوفا بالعزف على العود منذ الصغر، وحاول دخول معهد فؤاد الأول للموسيقى لكنه رُفض لصغر سنه، فواصل دراسة أصول الموسيقى في مدرسة عبد الحفيظ إمام للموسيقى الشرقية، والتحق بكلية الحقوق وفي نفس الوقت درس في معهد فؤاد الأول للموسيقى.
كانت بداية مسيرته الفنية مغنيا في الإذاعة المصرية، لكنه فضل الاتجاه للتلحين، وكان أول ألحانه أغنية "ليه لأ" وأغنية "فاتني ليه" لفايدة كامل، ثم أغنية "متحبنيش بالشكل ده" لفايزة أحمد.
انطلق بليغ بسرعة إلى عالم عمالقة الفن، تعرف على المطرب عبد الحليم حافظ، ولحن له أغنية "تخونوه" عام 1957، وقدما معا "أعز الناس، سواح، على حسب وداد قلبي، التوبة، جانا الهوى، عدى النهار، زي الهوا، حاول تفتكرني" ووصفه "العندليب الأسمر" في مقدمة أغنيته "مداح القمر" بأنه "أمل مصر في الموسيقى والمسرح الغنائي".
ساهم بليغ في إيصال الموسيقى والإيقاعات الشعبية بأسلوب يتناسب مع كبار المطربين الذين لحن لهم، وتميز ببساطة ألحانه وسهولتها بين أبناء جيله.
مع وردة وشادية
تزوج بليغ وردة عام 1972، ليقدم معا مجموعة من أهم أغانيها، منها "العيون السود، يا نخلتين في العلالي، أحبك فوق ما تتصور، حكايتي مع الزمان، ليالينا، والله يا مصر زمان" كما قدما معا أغنية الأطفال "أنا عندي بغبغان" وغيرها من أغاني مسلسل "أوراق الورد".
بعد مسيرة شديدة النجاح في التعاون بين وردة وبليغ، قدما معا آخر أغانيهما "بودعك" وتسببت الخلافات بينهما ومشاعر الغيرة إلى انفصالهما، وكان للانفصال أثره على حالة بليغ نفسيا وصحيا.
كما قدم بليغ مع الفنانة شادية أيضا بصمات خالدة مثل "والنبي وحشتنا، أنا عندي مشكلة، عالي، قولوا لعين الشمس، عطشان يا صبايا" وقدما أيضا أشهر أغانيها الوطنية "يا حبيبتي يا مصر".
فوزي يقدمه لأم كلثوم
تعرف بليغ على الفنان محمد فوزي الذي عرفه على كبار المطربين والمطربات من خلال شركة الإنتاج التي يملكها "مصر فون".
ففي بداية الستينيات قدم فوزي صديقه إلى أم كلثوم، ليتخلى عن حلم عمره بالتلحين لـ "سيدة الغناء العربي" حيث تذكر جريدة الأهرام أن فوزي اعتذر بأدب ولباقة لأم كلثوم، وقدم لها بليغ الذي أبهر أم كلثوم بتلحين المقطع الأول من الأغنية وهو جالس أرضا، لتغني من ألحانه رائعتها "حب إيه" في ديسمبر/كانون الأول 1960.
يقول بليغ إن فوزي هو الأخ الذي احتضنه وقدمه لكبار الفنانين، وإنه عندما سمع منه لحن "حب إيه" أصر فوزي على تقديمه لأم كلثوم قبل أن يقدم نفسه.
كانت هذه هي الانطلاقة ليتعاون بليغ مع أم كلثوم في كثير من روائعها، مثل: كل ليلة وكل يوم، سيرة الحب، بعيد عنك، فات الميعاد، ألف ليلة وليلة، الحب كله، حكم علينا الهوى، وهي آخر ما غنت أم كلثوم.
ويحكي بليغ -في لقاء تلفزيوني- أنه أراد اختصار المقدمة الموسيقية لأغنية "ألف ليلة وليلة" وقبل أن تخرج أم كلثوم إلى المسرح لغنائها، طلبت منه الحضور، وكان بليغ يرفض حضور حفلات أغانيه، عندما ذهب وجدها عصبية للغاية، وقالت له إن المقدمة الموسيقية تساعدها على تحمل الخوف من الجمهور "حتى أنسى البشر الذي أمامي وأستطيع الوقوف على قدمي، واصطاد واحدا من الجمهور في الصالة لأغني له وحده.. إذا لم تحترم الجمهور فسيتركونك.. ليس عندي أي استعداد لخسارة الجمهور".
أمر رئاسي
كما يحكي أن الرئيس الراحل أنور السادات طلب من الشيخ سيد النقشبندي التعاون مع بليغ خلال حفل زفاف ابنته، حيث كان الملحن موجودا أيضا، فبدا طلب التعاون كأنه "أمر رئاسي" وهو ما رفضه الشيخ في البداية.
ويحكي برنامج "حكاية أغنية" من إنتاج الجزيرة الوثائقية أن بليغ شعر أن هذه فرصة جاءته من السماء للتجديد، واختار كلمات الشاعر الصوفي عبد الفتاح مصطفى، وهو الذي كتب أغاني دينية لعبد الحليم من قبل، وقال بليغ إنه سيقدم لحنا يعيش 100 عام قادمة.
تدخل الحكيم، وطلب من النقشبندي أن يسمع اللحن الذي أعده بليغ، لأن السادات يتابع الأمر، فوافق على شرط أن يتم الاعتذار لبليغ إذا لم يعجبه اللحن، وعندما استمع للحن تهللت أساريره من الفرحة، ووصف بليغ بـ "الجن" ليقدما معا "مولاي إني ببابك".