ككل عام، كانت مناسبة الإعلان عن جائزة نوبل للأدب فرصة للسؤال عن غيابها المستمر وعدم التفاتها إلى الأدباء العرب، وإن كان السؤال هذه المرة أعلى صوتًا وحضورًا كون الحاصل عليها هو التنزاني عبد الرزاق قرنح، وذلك يعني أنّ الجائزة كانت قريبة بما يكفي لكن دون أن تصل أيضا كالعادة.
هذا الإحباط من الحدث الكوني المتكرر ليس إلا جانبًا من إحباط آخر يكاد يعمّ الأدباء في المنطقة العربية، وللسبب ذاته بظني؛ فما الحاجة إلى أن تحط نوبل هنا إلا بحثًا عن اعتراف عالمي بمكانة الأدب العربي على الخريطة، وهذا الغياب الطويل لا يكاد يشير إلا إلى معنى وحيد ومؤسف. بالمثل، يمثّل الحصول على الاعتراف هاجسًا لدى معظم الروائيين العرب، إنه الأمر الذي يُخبر الكاتب أنه موجود ومرئي وملاحظ، ومن دونه تبدو التجربة منقوصة ومحبطة أو هكذا قد يُنظر إليها.
هناك المكتبات العريقة التي ما إن تستضيف كاتبًا للقاء أو لتوقيع إصداره، حتى يعرّف ذلك الناس أن هنالك حدثًا لا يمكن تفويته، والحال نفسه في أقسام الأدب بالجامعات التي إن التفتت إلى منتج منحته ما يكفي من الضوء.
قد لا يكفي النشر وتعدد الإصدارات كي ينال الكاتب الاعتراف بشكل تلقائي، وهذا أمر على طرافته فهو راسخ في الواقع، بل يزداد وضوحًا وبروزًا ليفاقم المشكلة؛ فما الذي يحتاج إليه الواحد كي ينال ذلك الاعتراف ويعبر العتمة إلى حيث تمكن رؤيته؟
في أماكن كثيرة من العالم، تتعدد أشكال الاعتراف بالكاتب وتزداد كمًّا ونوعًا؛ فثمة دور نشر كبيرة يغدو مجرد التعاقد معها فرصة لبروز الاسم أو لخلقه من العدم، ذلك لأنّ القارئ يعلم أنّ تلك الدور لن تنشر إلا عملًا لافتًا.
ثم هناك المكتبات العريقة التي ما إن تستضيف كاتبًا للقاء أو لتوقيع إصداره، حتى يعرّف ذلك الناس أن هنالك حدثًا لا يمكن تفويته، والحال نفسه في أقسام الأدب بالجامعات التي إن التفتت إلى منتج منحته ما يكفي من الضوء، كما لا يمكن إغفال الملاحق الصحفية الأدبية ودورها المعروف في الإضاءة على الكتب الجيدة وتجارب أصحابها. وأخيرًا هناك الناقد الذي تُشكّل قراءاته علامات تقود وتُعرّف بالأعمال التي تستحق.
لكن لو تركنا كل ذلك ونظرنا إلى الحال في العالم العربي سنجد الأمر مختلفًا للغاية؛ فلا تملك دور النشر تلك السطوة الهائلة لدى القرّاء بحيث تمنح كتّابها اعترافًا مباشرًا بمجرد النشر، وليست ثمة مكتبات ضاربة في العراقة، بل هي آخذة في التحوّل شيئًا فشيئًا صوب الانكفاء والاكتفاء ببيع القرطاسية والمستلزمات المكتبية. ولا يُشكّل حضور أقسام الأدب شيئاً يُذكر خارج أسوار الجامعات والمجتمع الأكاديمي، والملاحق الأدبية في غالبيتها فاترة وتحتضر أسوة بمجمل الصحافة الورقية. أما النقد فأكثره يبحث عن الضوء عوض القدرة على منحه، لذلك نرى الناقد، بدل أن يكون كشّافًا عن الأعمال الجديدة الجيدة، يلهث خلف العمل الرائج على أمل اقتسام تلك الهالة مع صاحبه، أو يتعمّد الضجيج حتى يلفت انتباه من يستطيع وضعه في لجنة تحكيم.
في ضوء كل ذلك لا يتبقى أمام الروائي العربي من وسيلة لنيل الاعتراف إلا الحصول على جائزة، وهذا ما يُفسّر حجم الجدل والإرباك والتوتر الذي يصاحب الجوائز العربية؛ إنها المصباح السحري للانتقال من العتمة إلى الضوء. صحيح أنّ الجوائز مؤثرة في كل العالم، لكن أثرها في المنطقة العربية مبالغ فيه بشكل غير صحي، أصبحت الجوائز ونتائجها وما يحيط بها تُسمّم حالة الأدب وتُضعفه من حيث يراد منها خلاف ذلك.
إذن ما الحل؟ بالتأكيد لستُ ضد الجوائز الأدبية بل على العكس من ذلك، أنا مع ازديادها وتنوعها، لكن في ظل بقائها كوسيلة اعتراف وحيدة ستبقى المشكلة على حالها، إذ دائمًا ستكون الأكثرية خارج دائرتها.
هناك من سيقول إنه ليس بحاجة إلى الاعتراف، وإنّ مجرد الكتابة يُشعره بالرضا الكافي ليواصل رحلته الإبداعية، وهذا أمر عظيم بالطبع لكنه يستدعي ذلك الرد القديم الجاهز الذي لم يفقد وجاهته بعد، حيث إنه يصعب تبرير الرغبة في نشر الكتاب خارج دائرة البحث عن الاعتراف، عدا ذلك، ما زالت الأدراج قادرة على أداء دورها في الاحتفاظ بكل ما لا يراد له أن يُرى!