مواسم الشجن لأحمد الشلفي.. الغربة كتجربة مشبعة بالمرارة والألم
- الأمة برس ـ سامي الشاطبي الأحد, 19 فبراير, 2023 - 11:15 مساءً
مواسم الشجن لأحمد الشلفي.. الغربة كتجربة مشبعة بالمرارة والألم

ما بين الكلمة والأخرى مسافة.. هي المسافة التي نضعها بيننا والاخرين، وما بيننا والاخر مسافات لا نضعها نحن بإرادتنا وبكامل وعينا كما المسافة بين الكلمة والاخرى، بل تضع نفسها تلقائياً كحالة لازمة صادرة عن اللاوعي.

 

ثلاثة شعراء وحكيم خاطوا بقلب واحد قصيدة "مواسم الشجن"، وهي احدى قصائد ديوان قمر يتبعني للشاعر أحمد الشلفي والصادرة عن دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع عام 2020م.

 

تتناول القصيدة الغربة بوصفها عذابا وقهرا وموتاً.. بوصفها تجارب مشبعة بالمرارة والألم..

 

قصيدة مواسم الشجن تخللتها مقاطع للشاعر الكبير بدر شاكر السياب ومقاطع للمتنبي.. ومقولة لعلي ابن ابي طالب رضي الله عنه .. فما الذي يجمع بين السياب والمتنبي وابن ابي طالب كسيرة وغربة وليس كقصيدة ونص..؟

 

السياب ولد في قرية (جيكور) بمدينة أبي الخصيب كما المتنبي الذي ولد باحدى القرى بالكوفى  كما الشلفي ..وكلهم نشأوا في بيئة سياسية مضطربة، فالسياب نشأ في بيئة مضطربة والمتنبي نشأ وهو يشهد تفكك الدولة العباسية وتناثر الدويلات الإسلامية التي قامت على أنقاضها. والشلفي نشا في بيئة اليمن والتي شهدت خلال 1980 وحتى 1997م فترات مضطربة يطول الحديث عنها ولعل في اصداره (حرب بلا ملامح) ما يفيد القارئ.

 

تخرّج السيّاب من الجامعة عام 1948، وفي تلك الأثناء عُرف بميوله اليسارية ونضاله على المستوى الاعلامي، كما تخرج الشلفي من الجامعة وعُرف بعد تخرجه بميوله وبنضاله على المستوى الاعلامي..

 

غادر السياب بلده وتوجه الى ايران كما غادر المتنبي الكوفة  .. وتتابعا غادر الشلفي قريته وارضه ..السياب مثل المتنبي مثل الشلفي لم يأنس ولم يتكيّف في الغربة، بل ظل يحنّ إلى قريته التي ولد فيها..لقد ظلوا يبحثون في القصائد وفي المدن وفي وجوه الناس وليس في مواسم السجن، وحسب بل وفي كل المواسم عن الشيء الذي افتقدوه..!

 

رماد الكلمات:

 

ها هو الشاعر أحمد الشلفي في بحثه يرسم على رماد الكلمات وفي مواسم الشجن " لكأني بي طائر لا يدمن الهجرة ولا يستطيع احتراف الغياب" يتماهى الشاعر بدر شاكر السياب ليغني معه بصوت الغربة ولحنها الحزين"أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟/ وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟ /وكيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ ؟ /كَالْحُبِّ ، كَالأطْفَالِ ، كَالْمَوْتَى – هُوَ الْمَطَر !/كأنّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينامْ: بأنّ أمّه ـ التي أفاق منذ عامْ: فلم يجدها، ثمّ حين لجّ في السؤالْ: قالوا له: (بعد غدٍ تعودْ .لابد ان تعود ..)"

 

ويتحرر الشلفي من سطوة غربة السياب بوصفها غربة لا تروي العطش، ليتسأل كعادة الشعراء في الهرب "من ولد أو لا ...؟/أنا ..أم هذا الحزن الفاقع؟ /هل ترتبك كلمات الغريب/ربما ترتبك كلمات الغريب/هل اخترع الانسان الغربة ليواري سوءة الحياة ..هاربا من العيون واللفتات والكلمات والاسئلة المفتوحة على اللا شيء وعلى كل شيء/ياااااه...كم انني عصي على البعاد."

 

 

وينسحب من غربته عائداً إلى ماضيه ..إلى طفولته كمتلازمة -الطفل .الوطن-."كما لو أن طفلاً اكتشف فجأة انه يريد العودة الى المكان الذي وجد نفسه طفلا فيه/الجدران والارض والتراب واللعب القديمة واغاني ما قبل النوم والمطر الذي يهطل في القلب ولا ينقطع ./ وكم يحاول الانسان ان ينسى ذلك الطفل/لكن الانسان كائن طفل/يشتاق ويحب ويكره ويدمن ويغضب ويعتب وينكسر ويصفو ويشعر حينا بالنصر واحيانا كثيرة بالهزيمة../ويطوح بيديه في الهواء كالمجانين حين يحرز تقدما./لم تذكرت الان ان هناك اشياء لا يستطيع الانسان تعلمها...وان ادعى ذلك/وقد يكون الغياب ادعاء /كما الحب"

 

ويكرا منسحباً إلى شاعر من زمن قديم .. شاعر شاركه غربته ..لاحظوا بانه عاد الى شاعر من زمن حديث في السابق وإلى شاعر اقدم في المرة التالية..القديم هنا يرمز الى الماضي بمرآته التي تظهر ذلك الطفل !.

 

"لا أدري لم يحضرني المتنبي الآن قائلاً (وقفت وما في الموت شك لوافق.. كأنك في جفن الردى وهو نائم.. تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً ... وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ. ...)..مفردة كلمى هي جمع كليم!

 

ومن شاعر أقدم من السياب ينتقل دفعة واحدة الى حكيم اقدم منهما كمن  اختصر باربعة كلمات تاريخ الغربة "الفقر في الوطن غربة" ووطنك حيث ترزق.." !

 

انه علي بن ابي طالب  كرم الله وجهه والذي عبر عن معنى الوطن وقدم صوره واقعية لمعنى والغربة "الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة"

 

الشلفي يريد البقاء أسير الماضي، وكلما كان الماضي أبعد وأوغل كلما كان أروع وأبهى بالنسبة له ولقصيدته.

 

اشير إلى أن له عدداً من الاصدارات الشعرية وغيرها وهي (لا تخبر النجمة) مجموعة شعرية  صادرة عن دار عناوين بوكس. 2022وحرب بلا ملامح.. أوراق عن الحرب في اليمن 2014-2021صادر عن دار ناشرون 2021، وسيرة ذاتية تحت عنوان الرحيل عن الجنة عن  دار روزا 2020م ومجموعة شعرية تحت عنوان قمر يتبعني والتي تتضمن قصيدة مواسم الشحن عن دار كنوز المعرفة 2019م والمجموعة الشعرية (يد غافلته) 2012م، والمجموعة الشعرية (جرح آخر يشبهني) 2003م، والمجموعة الشعرية (تحولات الفتى والمساء) 2001م.

 

وأخيرا الغربة قضبان، والماضي هو الطفل الذي كان يوما ما في قريته باليمن سعيدا هانئا خالي البال..


التعليقات