إلى الشمال الغربي لليمن قصة مأساة الإنسان، حيث يتجلى الظلم بكل أشكاله، بعد أن حولت ميليشيات التمرد مديرياتها التهامية، إلى ساحة حرب مفتوحة دفعت نصف مليون مواطن بمحافظة حجة إلى براثن التشرد والجوع والمرض.
(الموقع بوست) سلّط الضوء على جانب من مأساة الإنسان في هذه المحافظة المغيبة عن الرأي العام، وكيف عبثت المليشيات بالحياة فيها، وحولتها إلى مساحة يسكن الموت في كل زاوية منها.
استغاثة إنسانية
أطلقت لجنة الإغاثة بمحافظة حجة أمس الأول، حملة إعلامية تحت شعار "حجة تستغيث"، للتعريف بمأساة المحافظة التي تعيش أكبر موجة نزوح منذ بدء حرب ميليشيات الحوثي والسيطرة على مؤسسات الدولة.
ولم تكن موجة النزوح بالمحافظة وليدة الحرب الأخيرة، وإنما بدأت منذ قدوم هذه العصابات إلى بعض مديرياتها مع نهاية الحرب السادسة حين دخلت قبائل حجور في حرب معهم مطلع 2010م ، لتتوالى عمليات النزوح الجماعي، حتى وصل عدد النازحين فيها نصف مليون نسمة، وسط تغييب لدور المنظمات الإنسانية بسبب سياسات المتمردين الهمجية ، زادت من معاناتهم بشكل غير مسبوق.
الحملة التي أطلقتها لجنة الإغاثة تهدف إلى " إبراز معاناة النازحين للرأي العام المحلي والعالمي من حيث أعداد النازحين والوضع المتردي والمأساوي الذي يعيشونه".
وبحسب بيان اللجنة "فإن الحملة ستعمل على كشف حقيقة المليشيا الانقلابية التي تسببت في معاناة النازحين وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية وافتعال العوائق أمام المنظمات والمؤسسات الفاعلة في مجال الإغاثة".
تدمير مقومات الحياة
تعد المديريات الحدودية أكثر من تضرر من حروب المتمردين العبثية، حيث دمرت فيها البنية التحتية بشكل كامل.
وبحسب تقرير لائتلاف المنظمات الحقوقية بالمحافظة " فقد تم تدمير 50 منشأة طبية خاصة وعامة، و46 مدرسة ومنشأة تعليمية، و80 مطعم وكافتيريا، و30 ورشة سمكرة وحدادة وميكانيكا، و13 محل صرافة وفرع بنك 120 مزرعة وتوزعت بين تدمير كلي وجزئي.
الصحة خارج نطاق التغطية
وبين هذه المآسي عمدت الميليشيات إلى تعطيل المرافق الصحية في مختلف المديريات ، وسط انتشار للأوبئة والأمراض بين ما يقرب من مليوني مواطن هم سكان المحافظة، وفي مقدمة هذه الأوبئة المنتشرة الكوليرا وحمى الضنك وسوء التغذية.
وبحسب إحصائيات عدد من الجهات الصحية فإن حمى الضنك قد تسببت في وفاة أكثر من 30 حالة بالإضافة إلى إصابة 1369 شخص آخرين ، فيما توفي ثلاثة أشخاص بالكوليرا وأصيب 362 آخرين ، وسط انتشار لأمراض الملاريا والأمراض الجلدية والحميات ".
ويقدر نسبة من يحصلون على مياه نقية 17% من سكان المحافظة فقط والبقية يستخدمون مياه ملوثة بما فيهم النازحين ..
سوء التغذية يلاحق150 ألف طفل
وتذكر إحصائيات منظمات دولية بأن سوء التغذية انتشر بين الأطفال الذين بلغ عددهم 150 ألف طفل، مات العشرات منهم بسببها خاصة بين النازحين ، كل للأسف الشديد يجري وسط مضايقات تتعرض لها المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية من قبل سلطات الأمر الواقع بالمحافظة، التي يمكن أن تساهم في معالجة هذه الظاهرة وإنقاذ الطفولة.
وفي مشهد يعكس الوحشية التي وصلت إليها الميليشيات عمدت قيادتهم في المحافظة منتصف الشهر الجاري لإيقاف نشاط العيادات المتنقلة الممولة من منظمة دولية، والتي تعمل على معالجة سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة وكذا رعاية الأمومة، لتغلق آخر أبواب الأمل لدى أطفال المحافظة في مدهم بالدعم الصحي، الأمر الذي يضاعف من معاناتهم ويزيد من إعداد المتضررين بسوء التغذية مع الأيام القادمة بصورة كارثية.
هل من مجيب ؟
ووسط هذه المأساة الإنسانية تغرق محافظة حجة في صمت، فمن لم يمت بالحرب مات جوعاً أو فتكت به الأمراض، ليحيط بسكانها شبح الموت من كل جانب، في ظل تغييب قضاياهم الملحة عن الرأي العام المحلي والعالمي، الأمر الذي يتطلب من الأمم المتحدة سرعة التدخل في إنقاذ مئات الآلاف من البشر بصورة عاجلة، والضغط على سلطات التمرد بضرورة إتاحة المجال للمنظمات الإنسانية لمعالجة أوضاع المتضررين قبل فوات الأوان.