رغم الحرب.. سوق النحاس بصنعاء ينتعش خلال رمضان
- الجزيرة نت - حفصة عوبل الجمعة, 17 مايو, 2019 - 09:23 مساءً
رغم الحرب.. سوق النحاس بصنعاء ينتعش خلال رمضان

[ إبراهيم الأنسي أحد البائعين بالأسواق الحرفية في صنعاء القديمة فرح بشهر رمضان، لتحسن بيع الأدوات النحاسية (الجزيرة) ]

"صوروا المحل فرمضان هذه السنة أقبل علينا بالخير، الله يبارك بأيامه"، بهذه الكلمات استقبلنا رجل في الأربعينيات من عمره، وهو مبتسم وتظهر على وجهه ملامح الفرح، وكأنه وجد أخيرا من يشاركه فرحته في أثناء دخولنا إلى سوق النحاس بصنعاء القديمة "باب اليمن".

 

إبراهيم الأنسي هو أحد البائعين بالأسواق الحرفية في صنعاء القديمة، رجل يعيل أسرته حيث يذهب كل صباح طيلة أيام السنة إلى محل النحاس الذي يعتبر مصدر رزقه الوحيد محله، لينتظر بفارغ الصبر من يشتري منه قطعة واحدة أو قطعتين ليعود إلى منزله وهو يحمل بيديه شيئا لعائلته الصغيرة.

 

انتعاش سوق النحاس الموسمي

 

وأخيرا ابتسم إبراهيم لزبائنه، هكذا قال أحد زملائه الذي يجاوره في محل لبيع الفضة، يقول محمد: "يعرف إبراهيم بأنه رجل لا يتحدث إليه أحد بموضوع عمله، بسبب ركود سوق النحاس بشكل مستمر عقب اندلاع الحرب على اليمن في 2015.

 

يذهب ليلا للعمل في أحد المحلات التجارية، فهو يبحث عن رزقه طوال العام بعمل آخر خاص بالمواد الغذائية خارج سوق باب اليمن، حتى تبدأ المواسم التي ينتعش فيها سوق النحاس مثل شهر رمضان والأعياد، حينها يركز كل اهتمامه على تجارته الخاصة.

 

السوق الحرفية أسماء ودلالات

 

أسواق صنعاء القديمة هي عبارة عن حوانيت في الطابق الأرضي، مفتوحة على الشارع، ولكل نوع من التجارة أو الصناعة سوق، ففيها سوق للمصنوعات الفضية والذهبية والنحاسية وغيرها، لكل سوق مختص له اسمه ودلالته وخصوصياته التي تميزه عن غيره.

 

ويشرح إبراهيم أهمية النحاس فيقول: "هو معدن يدخل في صناعة الأدوات المنزلية مثل المباخر والمواقد وأدوات تستخدم في المطبخ (القِدْرات والملاعق والأواني)، وكذلك الأباريق المطعمة بالعقيق اليماني والمزينة بالكتابات الشعرية والمحابر الحافظة للحبر الجاف".

 

كما يستخدم النحاس في صناعة المزهريات المزخرفة التي تستخدم لحفظ باقات الزهور والفوانيس التي توضع في رمضان -إضافة لأدوات الزينة والتجميل مثل المكاحل، والنباتات العطرية- بها الشموع ومرشات العطور المزخرفة.

 

لكن النحاس مرتفع السعر قليلا عن المعادن الأخرى -باستثناء الذهب والفضة- وهذا ما يدفع السكان المحليين للابتعاد عن شراء الأدوات المصنوعة منه، على الرغم من جمال صناعتها والنقوش الإسلامية الجميلة التي تتزين بها، كما يقول إبراهيم شارحا سبب عزوف السكان المحليين عن شراء الأدوات النحاسية.

 

رمضان شهر الخير

 

لم يشعر إبراهيم باليأس طيلة السنوات الماضية بسبب قلة زبائنه، ولم يحول محله لشيء آخر، كما فعل زملاؤه، حيث تحول حوالي عشرين محلا كانت تبيع الأواني النحاسية إلى الصرافة، حتى سمي سوق النحاس باسم "سوق الصرافين"، وذلك بعد تدهور سوق النحاس.

 

ولكنه يصر على فتح محل النحاس بشكل يومي وهو ينتظر بأمل أن يكون هناك من يحب أن يزين منزله بتلك الاشياء الذهبية الجميلة، حيث كان موقنا أن عز النحاس سيعود يوما، كما كان في السابق.

 

يبدأ إبراهيم بتنظيف الأتربة من فوق أدواته ويقوم بترتيبها على باب محله وهو يقول: "جميعها صناعة محلية ومن المفترض أن صناعاتنا المحلية هي التي يجب أن تستخدم أكثر من الصناعات المستوردة، لإنعاش الاقتصاد اليمني، فليس هناك فرق بينهما خاصة في النحاس".

 

ويستدرك "لكنني مسرور هذه الأيام لأني -وبعد ركود طويل ولسنوات في سوق النحاس- بعت بعض الأدوات بحلول شهر رمضان، وأكثر ما يباع هو الموقد لاستخدامه في الطبخ، والفوانيس التي توضع بها الشموع، صحيح أنني لم أحصل على المبلغ المطلوب، غير أنني سعدت ببيع بعضها".

 

ارتفاع أسعار النحاس يمنع السكان المحليين من شراء الأدوات المصنوعة منه رغم جمال صناعتها والنقوش الإسلامية الجميلة (الجزيرة)

 

الحرب غيّبت عشاق النحاس

 

على خلاف غيرها من الأسواق مثل الذهب والفضة، حيث لا تزال أسواق صنعاء القديمة هي الرئة الوحيدة التي تتنفس من خلالها عاصمة اليمن الحريصة على طابعها التقليدي، إلا أن زبائنها بدأوا بالاتجاه إلى المنتجات الخارجية الصينية والمقلدة.

 

صناعة الأواني النحاسية مكلف، إذ إنها غير مطلوبة محليا مع أنها محلية الصنع، فضلا عن غياب الزبائن الحقيقيين من عشاق النحاس، وهم السياح الأجانب الذين انقطعوا عن زيارة اليمن نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة.

 

وتعد أسواق صنعاء من أقدم الأسواق في شبه الجزيرة العربية، إذ بلغ عمرها أكثر من 2500 سنة، فقد اشتهرت بالصناعات المختلفة مثل صناعة السيوف والنقود وأدوات الحراثة (بالزراعة) في عهد التجارة مع الدولتين "السبئية" و"المعينية".

 

ويوضح المتعاون لدى وزارة السياحة بصنعاء عبد الرزاق الكبسي أن أعداد السياح الذين كانوا قبل عقد من الزمن يزورون هذه الأسواق، وصلت إلى أكثر من مليون سائح سنويا.

 

لكن هذا الرقم تقلص عام 2011 إلى ألف سائح فقط، وبعد اندلاع الثورة الشبابية في اليمن أصبح الرقم "صفر" بفعل الأحداث الأمنية الأخيرة التي جعلت الدول تمنع مواطنيها من السفر إلى اليمن.

 

جمال الأزقة العتيقة في "باب اليمن"

 

ولا يزال إبراهيم يؤمن بأن الصناعة المحلية ستنتعش رغما عن كل شيء "يكفيني فخرا رغم ما تمر به بلادنا، فسوقنا يتميز بأشياء كثيرة منها الأسعار المناسبة، والصناعات الأصيلة، وجذب الزبائن". 

 

التواء الأزقة العتيقة ومنحنياتها في "باب اليمن" وطريقة توزيع المحلات وعرض السلع فيها بأساليب بسيطة ومميزة، تجعل من التسوق في هذا المكان العتيق متعة كبيرة لا تضاهيها متعة التسوق في أي مكان آخر.


التعليقات