[ يعاني الجيش اليمني من أزمة مرتبات (صالح العبيدي/فرانس برس) ]
لا يقتصر الحظر المفروض من التحالف السعودي الإماراتي في اليمن على جماعة الحوثي فحسب، فالحكومة الشرعية التي من المفترض أن هذا التحالف جاء لنجدتها، ترزح هي أيضاً تحت حصارٍ بحري خانق وتقليم أظافر، جرّداها من كل عوامل القوة في المناطق التي يفترض أنها خاضعة لسيطرتها كلياً، ليعيش جيشها الوطني للشهر الرابع من دون مرتبات.
وعقب سيطرة قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً على العاصمة المؤقتة عدن بالكامل، وجدت الشرعية نفسها في مأزق كبير في إيصال أموالها المطبوعة في روسيا إلى موانئ خاضعة لها بالكامل، وعندما لجأت إلى ميناء المكلا في أقاصي الشرق، وجدت أنه خارج أيضاً عن سيطرتها ويخضع لقوات موالية للإمارات.
على الورق، تمتلك الشرعية موانئ عدن والمكلا والمخا والشحر ونشطون وبلحاف، لكنها كلّها تخضع لسيطرة قوات موالية للإمارات، أو قوات سعودية خالصة، كما هو حاصل في موانئ محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان. ويقول مراقبون إن الموانئ اليمنية تخضع لاحتلال عملي، وأن التحالف السعودي قام بتجريد الشرعية من كل عوامل القوة، سواء السلطة، أو المال، أو الجيش الذي يبقى للشهر الرابع بلا مرتبات، وهو ما تسبّب بانهيار الروح المعنوية وخسارة مواقع مختلفة على الأرض.
وحاولت الشرعية إدخال نحو 80 مليار ريال يمني (نحو 120 مليون دولار)، من العملة المحلية المطبوعة في روسيا إلى المصرف المركزي في عدن، لكن قوات "الانتقالي" قامت بالسطو عليها أواخر يونيو/حزيران الماضي، ولا تزال تحت قبضتها حتى اللحظة. وبعد انتقادات برلمانية لها، حول إيصال الأموال إلى مناطق تخضع لسيطرة مليشيا "المجلس الانتقالي"، حاولت الشرعية تفادي الزلّة التي وقعت بها في عدن، عندما أرسلت دفعة أكبر من الأموال المطبوعة إلى ميناء المكلا المفترض أنه بعيد عن سطوة الانفصاليين، لكن 219 مليار ريال يمني أخرى (نحو 249 مليون دولار)، وقعت بقبضة قوات موالية للإمارات، قبل الإفراج عنها وإيداعها في المصرف المركزي.
وأقرّ مسؤول في الحكومة اليمنية، بعدم امتلاك الشرعية أي منفذ بحري يخضع لسيطرتها، خصوصاً بعد فقدان السيطرة على عدن، وخضوعها كلّياً لسيطرة حلفاء الإمارات. وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن اليمن يمتلك أربعة موانئ دولية فقط، اثنان منها هما ميناء الحديدة والصليف ويخضعان لسيطرة الحوثيين، أما ميناءا عدن والمكلا، فيخضعان لسيطرة القوات الموالية للإمارات. ويمتلك اليمن أيضاً موانئ نفطية مثل "الضبة" في المكلا و"بلحاف" في شبوة، وهي خاضعة لسيطرة قوات إماراتية، فيما يمتلك موانئ محلية صغيرة، مثل ميناء المخا الخاضع لسيطرة قوات طارق صالح المدعومة إماراتياً، وميناء الشحر الخاضع لسيطرة قوات "النخبة الحضرمية".
وكانت قوات "النخبة الحضرمية"، قد أبدت خلال الأيام الماضية امتعاضها من وصفها من قبل وزير الخارجية اليمني محمد الحضرمي، بأنها "مليشيا مدعومة من الإمارات". وقالت "النخبة" في رسالة احتجاج للرئيس عبد ربه منصور هادي، إنها قوات شرعية وتشكلت بموجب قرار من الرئيس مثلها مثل الجيش الوطني.
استراتيجية التحالف
يفاخر التحالف السعودي بأن عملياته في اليمن التي تدور منذ أكثر من خمس سنوات، قد نجحت في إعادة 85 في المائة من الأراضي للحكومة الشرعية، لكنه يتعمد، وفقاً لمراقبين، وضع الأطراف اليمنية المتقاتلة في أطر يتم التحكم والسيطرة فيها، بعيداً عن المنافذ البحرية، بما فيها الحكومة المعترف بها دولياً. ويرى مراقبون أن استراتيجية التحالف المعمول بها، تم الاتفاق عليها مع جهات دولية كبيرة، إذ أتيح للحوثيين البقاء ما بين صعدة والبيضاء وإب، باستثناء منفذ الحديدة الذي تُرك تحت إدارة وسلطات قوات التحالف عملياً، ولا تصل أي سفينة إلى الميناء الواقع على البحر الأحمر من دون إذن منه. وفي الضفة المقابلة، يسيطر "الانتقالي" على محافظات عدن ولحج والضالع وأبين، لكن الموانئ تخضع عملياً لسيطرة قوات التحالف التي تتحكم بكافة السفن والشحنات التي تدخل إليها.
ورأى رئيس مركز "أبعاد" للدراسات الاستراتيجية في اليمن، عبد السلام محمد، أن التحالف السعودي تعامل مع الشرعية بالاستراتيجية ذاتها التي اتّبعها مع باقي المليشيات، ومنع عنها أي منفذ بحري. وقال محمد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "المنافذ كلّها عملياً بيد التحالف في إطار استراتيجية يتم تسويقها بأنها فرصة لفرض السلام باليمن، وهذا غير صحيح"، موضحاً أن "الشرعية تمتلك ميناء النشيمة النفطي فقط، الذي أنشأه محافظ شبوة لتصدير النفط، وهو يخضع أحياناً لرؤية التحالف". واعتبر الباحث اليمني أن "استراتيجية التحالف هذه تعد احتلالاً عملياً، كون السيادة تفترض أن تكون للحكومة الشرعية، وربما أن التحالف يخطط لاستراتيجية أبعد من السيطرة على الموانئ في الظرف الحالي للحرب، وربما الوصول إلى منطقة البحر العربي وباب المندب".
تفكيك قوة الشرعية
إضافة إلى حرمانها من المنافذ البحرية، واثنين من المنافذ الجوية الدولية هما مطارا عدن والمكلا، يعمل التحالف السعودي على طمس ملامح الحكومة الشرعية وتجريدها من ملامح القوة، وذلك بحرمانها من ممارسة سلطاتها كما يجب، ومنع تصدير النفط، فضلاً عن حرمان الجيش الوطني من مرتباته. ووفقاً لمراقبين، فإن احتجاز شحنات الأموال المطبوعة في عدن والمكلا، الهدف منه منع وصول مرتبات الجيش الوطني والتسبب بانهيار جبهات القتال، بالتزامن مع هجمات غير مسبوقة يشنها الحوثيون على مواقعهم في محيط مأرب.
وقال عسكريون في المنطقة الثالثة في مأرب لـ"العربي الجديد"، إن منتسبي الجيش الوطني لم يتقاضوا مرتباتهم خلال أربعة أشهر مضت، مع دخول الشهر الخامس، وسط ظروف صعبة يعيشها الجنود بالتزامن مع معارك ضارية يدافعون فيها عن مأرب. ويصب تفكيك الجيش الوطني وحرمانه من المرتبات، في صالح المليشيات الحوثية والانفصالية التي تحاول الانقضاض على مواقعه سواء في البيضاء ومأرب شرقاً، وأبين وشبوة جنوباً.
ووفقاً للباحث عبد السلام محمد، فإن الجيش اليمني يتعرض لعملية استنزاف من قبل التحالف في جبهة الشريط الحدودي مع السعودية، ومنعه من التقدم في الجبهات الاستراتيجية، فضلاً عن منعه من التسلح منذ عام، ومن المرتبات منذ نحو نصف عام. ولفت الباحث إلى أن "خطة التحالف أدّت إلى حالة الترهل والضعف التي نتج عنها سقوط نهم والجوف"، مشيراً أيضاً إلى "تعرض الجيش لاستنزاف كبير في مأرب والبيضاء وشبوة، وقد يتجه التحالف لدعم الانتقالي في السيطرة على شبوة، وغضّ الطرف عن الضغط الحوثي على مأرب".
ورأى رئيس مركز "أبعاد"، أن التحالف السعودي يخطط لتفكيك الشرعية الحالية، وبناء شرعية جديدة موازية لا يكون فيها لهادي أو حزب "الإصلاح"، أي شرعية بالولاء الكامل للسعودية والإمارات، وتتألف من حزب "المؤتمر" وقوات طارق صالح و"الانتقالي الجنوبي"، لافتا إلى أن ما يجري من تجريف للشرعية الحالية، يصب في مصلحة إيران فقط.