تدهور الري يوسّع رقعة الجوع في اليمن
- العربي الجديد - محمد راجح الاربعاء, 19 مايو, 2021 - 07:38 مساءً
تدهور الري يوسّع رقعة الجوع في اليمن

[ مصاعب عديدة تواجه المزارعين اليمنيين (فرانس برس) ]

في أحد أودية تهامة، غربيّ اليمن، توقف المزارع علوان الشاجري منذ أكثر من عام عن زراعة نصف مساحة الأرض الزراعية التي يحوزها، بسبب ما يعانيه كغيره من المزارعين، من عدم القدرة على الري وتشغيل مضخّات نقل المياه.

 

ويشكو هذا المزارع كذلك في حديثه لـ"العربي الجديد"، من عجزه عن ملاحقة التغييرات الحاصلة في المواسم الزراعية، إذ يواجه المزارعون تبعات كارثية لتساقط الأمطار في غير مواسمها، وما يرافقها من سيول وفيضانات تلحق أضراراً بالغة بمزارعهم وبنظام الري الذي تدهور خلال الفترة الأخيرة.

 

وأدى استمرار أزمة الوقود المتكررة إلى تفاقم الصعوبات في جميع قطاعات الاقتصاد اليمني، مثل الزراعية، حيث أصبحت تكلفة الري بعيدة المنال بالنسبة إلى المزارعين الريفيين، نظراً لارتفاع تكلفة النقل المتزايدة التي يجري في الغالب نقلها إلى المستهلكين، والتي بدورها ترفع من تكاليف التشغيل للشركات وتؤثر سلباً بدخل الأسرة المعيشية.

 

المُزارع في محافظة ذمار، شماليّ اليمن، مستور حميد، يشكو بدوره لـ"العربي الجديد"، ارتفاع تكاليف الري باستخدام الأدوات المساعدة، كالطاقة الشمسية، التي أصبح كثير من المزارعين يستخدمونها مضطرين، نتيجة انعدام الديزل وارتفاع أسعاره وصعوبة توفيره، في نقل المياه وريّ محاصيلهم الزراعية، وذلك بسبب المبلغ المالي الباهظ لتوفير العدد الكافي من ألواح الطاقة البديلة، وما ينجم عنها من تبعات وأضرار على الأراضي والمحاصيل المزروعة.

 

وتكالبت على اليمن مجموعة من الأزمات المركبة التي سبّبت دخول غذاء اليمنيين منذ نحو عام مرحلة الخطر الشديد، وتفاقم تبعاته الكارثية على مختلف سكان البلاد. ويُعَدّ انعدام الأمن الغذائي من القضايا التي تفاقمت بصورة غير مسبوقة في اليمن، حيث تشير آخر النتائج المرجعية التي أُجريَت، إلى ارتفاع عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في اليمن إلى نحو 13.5 مليون شخص حتى ديسمبر/ كانون الأول من عام 2020، من إجمالي عدد السكان الذي يقدَّر بنحو 29 مليون نسمة.

 

وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن إدارة الإحصاء بوزارة الزراعة، كما اطلعت عليها "العربي الجديد"، إلى معاناة القطاع الزراعي في اليمن من تعدّد نظام الري الذي يعتمد على الأمطار بنسبة كبيرة تصل إلى نحو 47%، ثم الآبار الجوفية بنحو 38%، إلى جانب السيول الناتجة من الأمطار بحوالى 10%، والنسبة الباقية للسدود وطرق أخرى.

 

ويرى الخبير الزراعي، أبو بكر المنتصر، أن هناك اختلالاً كبيراً في نظام الري واعتماد المزارعين بدرجة أساسية على مياه الأمطار والآبار الجوفية، وهو ما جعلهم عرضة بصورة مباشرة لما رافق الحرب الدائرة في البلاد من أزمات اقتصادية ومعيشية كبيرة، إلى جانب المشكلة الأبرز التي يواجهونها بسبب انخفاض المعروض من الوقود وارتفاع تكاليف توفيره بنسبة مضاعفة لا يستطيع المزارعون التعامل معها.

 

ويلفت في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى مشاكل أخرى في تكاليف الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار المدخلات الزراعية، الأمر الذي يجعل الزراعة في اليمن من أكثر القطاعات المتضررة من الحرب والأزمات الاقتصادية.

 

في الأثناء، أقرّ البنك الدولي الأسبوع الماضي منحة جديدة بقيمة 27 مليون دولار لدعم جهود استئناف أنشطة الإنتاج الزراعي وتحسين الأمن الغذائي المنهار في اليمن، الذي يُعَدّ واحداً من أكثر بلدان العالم تعرضاً لمخاطر تغير المناخ والكوارث الطبيعية، وهو ما يسهم في زيادة هشاشته وضعفه. ويوحي هذا التوجه بأهمية النشاط الزراعي ودوره في الحفاظ على حياة المواطنين ومساندة سبل كسب عيشهم في اليمن، ولا سيما خلال هذه الفترة الصعبة.

 

وسيقدم مشروع الاستجابة في مجال الأمن الغذائي والقدرة على الصمود في اليمن، المساعدة للمزارعين الذين لحقت بهم أضرار بالغة من جراء الصراع والكوارث الطبيعية وجائحة كورونا، وسيعزز قدرتهم على توفير الغذاء لعائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية. ويؤكد القائمون على المشروع أنه سيعود بالنفع على أكثر من 77 ألف مزارع، حيث سيتيح لهم استئناف الإنتاج الزراعي، ويشمل ذلك أكثر من 19 ألف امرأة تعمل في الزارعة.

 

من ناحيته، يتطرق الباحث الاقتصادي، منير القواس، إلى نقطة مهمة في هذا السياق، تتعلق بتوسع رقعة الجوع وانهيار الأمن الغذائي، وذلك بالنظر إلى طبيعة المجتمع اليمني الذي يصنف كمجتمع زراعي وباعتبار هذا القطاع من أكبر القطاعات المشغلة للأيادي العاملة في اليمن. لذا، فالأضرار التي يتعرض لها تشكل النسبة الأكبر في أسباب تردي معيشة اليمنيين وانتشار الجوع وتبعات انهيار الأمن الغذائي.

 

ويقول لـ"العربي الجديد" إن القطاع الزراعي كان أحد الملاذات التي استوعبت كثيراً من اليمنيين ممن فقدوا أعمالهم ورواتبهم ومصادر دخلهم بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد، الأمر الذي يجعله في طليعة القطاعات التي يجب التركيز عليها وإيجاد الحلول المناسبة لإيقاف تدهورها كأولوية في الجهود الرامية إلى تضييق فجوة الجوع الآخذة بالتوسع في البلاد.


التعليقات