مديرية جحاف بالضالع .. عقود من المعاناة تنتهي بكارثة تهدد بنزوح ثلاثين ألف مواطن (استطلاع)
- علي الأسمر الثلاثاء, 12 ديسمبر, 2017 - 08:31 مساءً
مديرية جحاف بالضالع .. عقود من المعاناة تنتهي بكارثة تهدد بنزوح ثلاثين ألف مواطن (استطلاع)

[ جفاف المياه يهدد سكان مديرية جحاف بالضالع ]

"لم يعد هنا متسعا للسكن ولا مفرا من النزوح الإجباري نحو مديرية الضالع، ومفارقة الديار التي باتت تشكل قطعة من أجسامنا"، بهذه الكلمات رد المواطن محمد الجحافي على تساؤل مراسل "الموقع بوست" عن الوضع في مديرية جحاف.

لم يكن محمد وحده من غادر مسقط الرأس في مديرية جحاف شمال الضالع، فأكثر من ثلاثين ألفا من الأهالي هم تعداد سكان مديرية جحاف باتوا مهددين بالنزوح الإجباري، جراء نضوب المياه واشتداد موجة الجفاف التي تعاني منها مديرية جحاف.

يعتمد غالبية الأهالي في مديرية جحاف على مياه الآبار السطحية، التي تعتمد هي الأخرى على مياه الأمطار، والتي كانت شحيحة هذا الموسم وهو الأمر الذي أدى لنضوبها في وقت مبكر.

جحاف معاناة منذ عقود

 طبيعة المديرية التي تقع غرب مدينة الضالع، ضاعفت من معاناة المواطنين فمنذ قرون تشكو جحاف التي يقطنها ثلاثين ألف مواطن بحسب آخر تعداد للسكان، ويتفرق سكانها في أكثر من مئة قرية على جبل جحاف، تشكو من انعدام المقومات الأساسية للحياة.

 الخدمات الطبية في المديرية غائبة بشكل تام، عدا مركز صحي وحيد في السرير عاصمة المديرية، هو الآخر أصبح أشبه بخرابة.

وينسحب الحال على بقية الخدمات المنعدمة في المديرية عدا الكهرباء التي بات واقع الحال أن وجودها يشبه انعدامها.

 سلطة غائبة 

 د. فضل محسن ناجي الأمين العام للمجلس الأهلي محافظة الضالع، قال لـ "الموقع بوست " إن معاناة جحاف قد بلغت حد الكارثة الإنسانية.

 وأوضح أن معاناة مديرية جحاف من شحة مياه الشرب ليست وليدة اليوم، بل منذ سنوات وتحديداً منذ مطلع الثمانينيات.

 ويؤكد أن الجفاف أدى الى نزوح الأسر المقتدرة من مديرية جحاف إلى الضالع وعدن، فيما بقية الأسر الغير مقتدرة فتعاني من مشقة جلب المياه من مسافات بعيدة، والحصول على كمية ماء أقل من عشرين لترا في اليوم لكل أسرة.

 وأشار أمين المجلس الأهلي بالضالع إلى أن السلطات المتعاقبة حاولت معالجة مشكلة المياه في جحاف لكن لا حل جذري حتى الآن.

وتابع محسن بالقول وضعت الحكومات السابقة مشاريع بملايين الريالات لم تكن مجدية في معالجة المشكلة، نتيجة للفساد المستشري في السلطات المحلية والمركزية.

ويختتم محسن تصريحه لـ"الموقع بوست " بالقول "غياب السلطة المحلية في المديرية والتي تمارس أعمالها من مدينة الضالع تسبب في تدهور كل شيء وضاعف من معاناة المواطنين الذين يضطرون للنزول إلى مدينة الضالع والبحث عن مسؤولي المديرية لإتمام معاملاتهم".

يضيف "كنا نأمل بعد تحرير الضالع من مليشيات المخلوع صالح والحوثي أن تعود السلطات المحلية لممارسة مهامها من عاصمة المديرية، ومحاسبة من عبث بالممتلكات العامة، إلا أن الوضع لم يتغير وكل مرافق الدولة والمؤسسات والمركز الصحي الوحيد مدمر".

 مياه الشرب أبرز المشكلات

علاوة على المعاناة وانعدام مقومات الحياة، طرأت على سكن المديرية مشكلة أخرى لم تكن في الحسبان، الأسر في معظم قرى المديرية في حالة استنفار قصوى، والهم الوحيد توفير مياه الشرب.

الحاج قاسم الجحافي ثلاث من بناته اضطر لإيقافهن عن الدراسة، ليقمن كل صباح بالذهاب إلى مناطق بعيدة في المديرية، لجلب المياه كل صباح.

تقطع بنات الحاج قاسم مسافات شاسعة تصل لأكثر من ثلاثة كيلومترات، ليقمن بجلب بضعة عبوات من الماء بالكاد تكفي للشرب وإعداد الطعام ليوم واحد.

جفاف دائم

الطبيعة الجغرافية الجبلية لمديرية جحاف وصخورها الصلبة، جعلها من أكثر المناطق جفافا، إذ يعتمد الأهالي على الآبار السطحية التي تتغذى على مياه الأمطار لكنها سرعان ما تتسرب إلى مناطق أخرى.

فيما تنعدم الآبار الجوفية كما لم تجرَ أي دراسات جيولوجية حتى اللحظة، فيما يتحدث آخرون عن وجودها في بعض المناطق بجحاف.

بيع المواشي ووعورة الطريق

مع اشتداد موجة الجفاف اضطر الكثير من الأهالي في مديرية جحاف لبيع الحيوانات مع الحاجة إليها، فالحمير هي الوسيلة الوحيدة لنقل المياه لكن الكثير من الأهالي اضطروا لبيعها لاستهلاكها الكثير من المياه.

 ثمة مشكلة هي الأخرى فاقمت من حدة المشكلة، وعورة الطريق الجبلية الواصلة بين مديرية جحاف والضالع، والتي لم تقم السلطات بشقها حتى اللحظة ـ عدا كيلو متر من أسفل الطريق ـ فاقم من حدة المشكلة، إذ لا تستطيع إلا الناقلات ذات الدفع الرباع صعود النقيل الوعر وبصعوبة بالغة، الأمر الذي ضاعف من أجرة وأسعار المياه إذ يصل سعر الناقلة إلى أكثر من ستين ألفا.
 
ستون ألفا هي دخل غالبية الأسر في مديرية جحاف إذ تشكل الرواتب مصدر الدخل الوحيد للأهالي هنا في مديرية جحاف،وهو ما ضاعف من حدة معاناة الأهالي، فهذا المبلغ الزهيد بالكاد يكفي لتموين احتياجات الأسر من الغذاء شهريا، علاوة على انقطاع الرواتب على الكثير من الموظفين جراء الحرب المستمرة وتأخرها على آخرين.

نزوح

الناشط الإعلامي صادق الجحافي قال لـ"الموقع بوست " إن مديرية جحاف تشهد جفافا شديدا غير مسبوق بمياه الشرب ولأول مره في تاريخها تعاني من هذه الموجه نتيجة قلة وشحة الأمطار ونضوب مياه الآبار، وأكد الجحافي نزوح عشرات الأسر بسبب عدم حصولها على مياه الشرب.

ويرى أن الحل لهذه المشكلة هو استكمال مشروع مياه حجر جحاف، الذي بحسبه قطع شوطا كبيرا وبحاجه إلى استكمال. ووجه الجحافي في ختام حديثه لـ "الموقع بوست" مناشدة للصناديق والمنظمات الإنسانية والدولية ورجال المال والأعمال مد يد العون وإنقاذ هذه المديرية مما تعانيه.
 
مبادرات مجتمعية

تفاقم المشكلة دفع الكثير من الناشطين وبعض أعضاء السلطة المحلية للدعوة لتشكيل لجنة إغاثية مجتمعة، تأخذ على عاتقها إغاثة أهالي مديرية جحاف.

وكيل محافظة الضالع محمد الوداد كان أبرز المتفاعلين مع القضية، إذ بادر بالدعوة لتشكيل لجنة إغاثة وأعلن تبرعه بمليون ريال يمني.

الدعوات تكللت بتشكيل لجنة إغاثية برئاسة الوكيل الوداد وعضوية رائد الجحافي ومازن شعفل وعبدالله الحسام وآخرون.

وبادرت اللجنة بدورها بجمع التبرعات وأعلنت فتح حساب في البنك الأهلي.

مشروع مياه محلك سر

 قبيل أعوام كانت السلطات المحلية في الضالع قد شرعت بالعمل في مشروع مد مديرية جحاف بالمياه، من منطقة حجر غير أن المشروع تعثر ولم يرَ النور حتى اللحظة.

 في العام ٢٠٠٥م أقرت السلطات تنفيذ مشروع مياه (حجر - جحاف) عبر سلسلة جبلية بمسافة تزيد عن ١٣ كيلومترا وتم حفر بئرين في حقل "حجر" على أن ينفذ المشروع على مرحلتين، المرحلة الأولى نقل المياه من المصدر "حجر" إلى مديرية جحاف من خلال خمس محطات إعادة ضخ وخط ضخ بطول ١٣٠٠٠ متر، فيما المرحلة الثانية تكون بإنشاء شبكة التوزيع في المناطق المستهدفة في مديرية جحاف.

وتم تنفيذ جزء من المرحلة الأولى إذ تم التعاقد مع مقاول مؤسسة الصباح على تنفيذ خط الضخ وتشييد غرف الضخ والخزانات وذلك قبل العام ٢٠٠٧م بقيمة إجمالية للعقد 257 مليونا و442 ألفا و600 ريال يمني، إلا أن المقاول أوقف العمل بعد مد أنابيب الضخ وإقامة الخزانات، وبدأ بالتهرب وفق ما ورد في تقرير الهيئة العامة لمشاريع مياه الريف والمرفوعة في ١١ يونيو عام ٢٠١٦م إلى الهيئة المركزية بصنعاء.

ومنذ ذلك الحين تعثر المشروع، فيما جرفت مياه السيول أنابيب المشروع، وبحاجة إلى إعادة صيانة.

الشرعية والانقلاب من يسبق الآخر

  ومؤخرا تحركت السلطة الشرعية فقد وجه رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر وزارة المالية باعتماد 60 مليون ريال، لشراء خمسة صهاريج مياه لمديرية جحاف بمحافظة الضالع بصورة عاجلة.

  كما وجه باتخاذ عدد من الإجراءات لتخفيف معاناة المواطنين في جحاف، منها اعتماد 20 مليون ريال لإسعاف أهالي جحاف وإغاثتهم بمياه الشرب، موجها محافظ الضالع ومؤسسة المياه بسرعة رفع تكاليف استكمال مشروع مياه حجر جحاف واعتماد تنفيذه.

 كما وجه وزير الأشغال العامة والطرق بتكليف فريق هندسي للنزول لمحافظة الضالع، والرفع بتكلفة الإجمالية لاستكمال مشروع طريق جحاف الضالع المتعثر، واعتماد تنفيذه بصورة عاجلة.
 
تحرك انقلابي

وكان لافتا تحرك سلطات الانقلاب وإعلانها الاستعداد بحل المشكلة عبر استكمال مشروع مد المديرية بالمياه من منطقة حجر وهو المشروع المتعثر منذ سنوات.

فقد أعلن الوزير في حكومة الانقلابيين بصنعاء الشيخ غالب مطلق وهو من أهالي المديرية استعداده بدفع مئة مليون ريال لاستكمال المشروع.

وقال مطلق في رسالة وجهها لأبناء المديرية حصل "الموقع بوست" على نسخة منها إن مشروع مياه جحاف من حجر يحتاج إلى 150 مليون لكي يصل الماء من حجر إلى جحاف.

 وأوضح أن المعدات والمكائن محجوزات في وزارة المياه على ذمة مبالغ مالية للشركة المنفذة تقدر بخمسة وثمانين مليون ريال.

وأبدى مطلق استعداه توفير المئة المليون واستلام المكائن وإرسالهن إلى الضالع.

 ولاحقا نقلت وكالة سبأ التي يسيطر عليها الانقلابيون لقاءً لوزير المياه والبيئة في حكومة الانقلابيين بصنعاء الغير معترف بها المهندس نبيل عبدالله الوزير مع وزير الأشغال العامة والطرق غالب مطلق، ناقشا خلاله استكمال تنفيذ مشروع مياه جحاف بمحافظة الضالع، والذي تبلغ تكلفة استكمال التنفيذ 393 مليون ريال ويستفيد منه 25 ألف نسمة.

 ونقلت الوكالة أنه تم الاتفاق على تكليف فريق من المهندسين للنزول الميداني، لإعداد تقرير متكامل بالاحتياجات والمتطلبات المطلوب توفيرها لاستكمال المشروع على أن يتم رفعه خلال عشرة أيام.

وبين وعد من الانقلابيين وصمت مطبق من السلطة الشرعية تبقى كارثة نضوب المياه تهدد أهالي مديرية جحاف بانتظار فرج من السماء عله يكون قريبا.


التعليقات