تقول واشنطن إن الهدف النهائي من رفع العقوبات الدولية عن إيران، هو أن تعود إيران دولة طبيعية، بعيداً عن تشنجات قادة الحرس الثوري، وتهويمات خطيب جمعة طهران.
الهدف هو مساعدة إيران على التحول من مرحلة «الثورة» إلى مرحلة «الدولة». هذا هو الهدف المعلن لإدارة أوباما، مع أن هناك بالطبع من يقول إن وراء كل هدف معلن، يكمن آخر خفي.
هل ستتغير إيران؟
الجواب بنعم يقتضي تخليها عن طموحها الإمبراطوري، وسياساتها التوسعية القائمة على أسس طائفية، تلك السياسات التي استثمرت فيها طهران عقوداً طويلة، وترى أنه حان الآن موعد الحصاد، ولا يمكن بحال التخلي عنها. تغير طهران يعني تخليها عن ثوابت نظامها الطائفي ودستورها الديني، وهذا عند من يعرف طبيعة نظام طهران مستحيل. المؤشرات لا تشير بتاتاً إلى تغيرات مستقبلية في السلوك الإيراني، سواء على مستوى ملفها في حقوق الإنسان، أو على مستوى طموحها العسكري، الذي سيتحول من شقه النووي إلى شقه الصاروخي، أو على مستوى دعمها لإرهاب جماعاتها المنتشرة في البلدان العربية، للإضرار بالأمن القومي العربي، والفتك بالنسيج الاجتماعي العربي من داخله. ستزيد إيران من حدة التوترات في المنطقة خلال الفترة المقبلة، ستعمل على تفعيل سلاحها الأقوى في الجسد العربي، وهو سلاح شق الصف الاجتماعي العربي إلى سنة وشيعة، وشق الصف السياسي إلى مقاومة للغرب وتبعية له.
الرئيس الذي يوصف بالاعتدال حسن روحاني، قبل أيام يهدد السعودية برد «حاسم»، حال استمرارها في سياساتها الحالية، والسياسات الحالية تعني سياسات مكافحة التدخلات الإيرانيا في البلدان العربية، والعبث بالأمن القومي لهذه البلدان. طبعاً لروحاني أن يقول ما يشاء، لكن خطابه الذي يميل فيه إلى لغة «الحسم»، لا يعني أكثر من مرارة إيرانيا من مواقف المملكة الأخيرة للوقوف ضد سياسات طهران في المنطقة.
ومن هنا يجب على العرب دراسة كل خياراتهم. صحيح أن العقوبات أو بعضها رفع عن طهران، وصحيح أن أموالاً مجمدة يتم تحويلها لحساب طهران. لكن الصحيح كذلك أن طهران تحتاج إلى 150 مليار دولار سنوياً لكي ترمم الآثار الكارثية التي أحدثها الحصار على اقتصادها، وصحيح أن سعر النفط المتهاوي مثل ما أنه مضر باقتصاديات الدول العربية، فإنه مضر بشكل أكبر بالاقتصاد الإيراني، وبالتالي فإن إيران وإن ضخت المزيد من النفط للسوق، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من تهاوي أسعار النفط، وهو ما لا تريده طهران. وفوق ذلك، فإن نصف الإيرانيين مصنفون تحت خط الفقر، وهؤلاء ينتظرون تحسن مستواهم المعيشي، بفعل رفع الحصار عن بلادهم، وصحيح أن خيبة أمل شعبية سوف تواجه الإيرانيين قريباً، عندما لا يرون أن ظروفهم الاقتصادية تحسنت بعد رفع العقوبات عن طهران، وصحيح أن النظام الديني في طهران فقد أو بالكاد يفقد الشماعة التي يعلق عليها فشله الاقتصادي، عندما يعلل ذلك بالعقوبات المفروضة عليه من قبل «قوى الاستكبار العالمي»، وبالتالي فإن الغضب سينصب مباشرة على السلطات بدلاً من أن يقع على الأعلام الأمريكية والإسرائيلية بالحرق في ساحات طهران. وفوق ذلك فإن النسيج الاجتماعي في إيران ربما كان أكثر هشاشة من النسيج الاجتماعي العربي.
في إيران قوميات مختلفة ومهمشة، وفيها سنة وطوائف أخرى تعاني تحت نظام ولاية الفقيه من التهميش الطائفي. وإذا استمر لعب طهران بالورقة الطائفية في البلدان العربية، فإن ذلك يعطي العرب كل الحق في القيام بالسياسة ذاتها داخل طهران.
الغضب داخل العرب الأحوازيين في إيران – على سبيل المثال ـ بلغ مديات كبيرة، بفعل سياسة التهميش القومي، الأمر الذي جعل نسبة كبيرة من الأحوازيين من فئات الشباب تتحول إلى التسنن، على الرغم من أن الأحوازيين يعدون من العرب الشيعة في مجملهم. ورقة الأحواز ورقة عادلة ورابحة في يد من يمسك بها، والظروف الداخلية في إيران أنضجت واقعاً يتحتم معه الانفتاح على الأحوازيين ودعمهم بكل الوسائل الممكنة لنيل حقوقهم القومية التي حرموا منها على مدى عقود طويلة بعد أن أسقط نظام الشاه في إيران دولتهم على الضفة الشرقية من الخليج العربي في بدايات القرن المنصرم. دعم الأحواز ودعم السنة والطوائف والقوميات الأخرى في إيران، علاوة على كونه واجبا إنسانيا، فإنه يتوافق مع المصالح العربية في كبح التدخلات الإيرانيا في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، خاصة بلدان الخليج والجزيرة العربية.
جربت إيران من قبل الحرب المباشرة مع العرب، في حربها مع العراق التي استمرت لثماني سنوات، شرب بعدها الراحل الخميني كأس السم والهزيمة، وبعد ذلك فكرت إيران في وسائل أخرى للحرب، وهي وسائل «الحرب بالوكالة»، فانتزعت جزءاً مهماً من الجسد العربي، وأدلجته طائفياً ليقوم بالوكالة عنها في حربها ضد العرب، وهذا ما نراه اليوم في حروب حزب الله اللبناني في سوريا والحوثيين في اليمن والحشد الإيراني في العراق.
لا شك أن هذه الحرب أسهل على راسم السياسة الإيرانيا من الحرب المباشرة التي قضى فيها مئات آلاف الإيرانيين، ودمر الاقتصاد الإيراني بشكل كبير. لا أحد يريد مزيداً من التوتر في الإقليم غير إيران، التي يجهل حقيقة نظامها الديني الطائفي من يعول على تغير سلوك هذا النظام. وبما أن عدم تغير سلوك طهران مسلم به، فإن المعاملة بالمثل ستكون وسيلة ناجعة لشغل نظام طهران بمشاكله الداخلية، وجعله يركز على التناقضات الداخلية بدلاً من محاولاته المستمرة في الهروب منها بتصديرها إلى الدول العربية في الخليج والجزيرة.
لا تراهنوا على تغير في السلوك الإيراني، طهران لن تتغير، دستورها ينص على وجوب تصدير ثورتها الطائفية، ودستورها ينص على كونها دولة مذهبية، والأيديولوجيا الدينية التي تحكمها لن تتغير.
وبما أن ذلك صحيح، فإن المطلوب من العرب اليوم أن يحصنوا مجتمعاتهم وأمنهم القومي بكل الوسائل الممكنة. وذلك باحتضان الشيعة العرب، وإبعادهم عن القيادات الطائفية التي فرضتها طهران عليهم، ويكون ذلك بالتخاطب مع المكونات الطائفية والقومية داخل إيران، تلك المكونات المظلومة، والتي تنتظر من يمد لها يد العون.
خلاصة القول: أقوى سلاح لمواجهة إيران هو معرفتها من الداخل.