لم يعد خافيًا الدور الذي باتت تضطلع به الإمارات العربية المتحدة في يمن ما بعد عاصفة الحزم، فقد شاركت بقوة في العاصفة و قدمت الكثير حتى على مستوى امتزاج الدم اليمني بالإماراتي على الأرض اليمنية.
هذا التلاحم اليمني الإماراتي لم يأت من فراغ وإنما من مصير مشترك يربط الطرفين ويوحدهما أمام أكبر خطر وجودي يتهدد المنطقة كلها، ممثلًا بالمشروع الإيراني المدعوم غربيًا بعد الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني، الذي أطلق اليد الإيرانية في المنطقة كلها مقابل التخلي المؤقت عن البرنامج النووي.
التقارب اليمني الخليجي بالأصح في هذه المرحلة المفصلية، ليس ترفًا وإنما قدرًا ومصيرًا وجوديًا للجميع، هذا التقارب الذي كان ينبغي أن يكون منذ مرحلة مبكرة كاستراتيجية ثابتة للمنطقة كان سيقيها ما وصلت إليه، وليس مجرد تكتيك مرحلي قد تعروه بعض الأخطاء التي ستؤدي بالجميع إلى الهاوية مرة أخرى.
باعتقادي أيضًا، مثلما تمثله الإمارات من داعم ومساند قوي لليمن في هذه المرحلة فالمملكة العربية السعودية أيضًا هي صاحبة كل هذا الفضل على الجميع حينما بادرت إلى حشد كل هذه الطاقات في بوتقة واحدة للدفاع عن المنطقة ومواجهة الخطر قبل استفحاله. فالمملكة العربية السعودية، هكذا رشحتها الأقدار في مرحلة كهذه أن تكون في المقدمة بعد الانهيارات الكبيرة التي أصابت الأمة العربية على مدى العقدين الماضيين من ضياع العراق ودمار سوريا و ليبيا واليمن، بفعل سياسات قاصرة وسطحية من أنظمة الخليج ذاتها التي وقفت بكل ثقلها أمام عجلة التغيير التي انقدحت شرارتها في تونس 2011م وتوالت إلى عدة عواصم عربية على مدى الخمس سنوات الماضية.
بالعودة إلى الدور الإماراتي في اليمن، وما يمثله من عامل حسم كبير في الأزمة اليمنية لكنه يعتريه الكثير من الجدل والضبابية أيضًا، من خلال التشويش الكبير على هذا الدور من قبل أطراف محسوبة على الإمارات ذاتها من كتاب وإعلاميين وصحفيين. فخلال الفترة الماضية، راقبت هذا التشويش الكبير على الدور الإماراتي من خلال كتابات عدة؛ على سبيل المثال لا الحصر مقال الزميل منصور النقيدان، في صحيفة البيان الإماراتية والذي عنونه “اليمن بعد التحرير، خطر التقسيم وعودة الإخوان “، وفي هذا المقال الذي يعد بمثابة النص الأصلي لكل التصريحات التي بدأت بالظهور مؤخرًا من قبل العديد من المقربين والمحسوبين على حكومة أبو ظبي كعلي النعيمي رئيس تحرير موقع العين وكذا مأمون فندي وعبد العزيز الخميس صاحبي برنامج نيران صديقة على الإسكاي نيوز العربية.
فخلال متابعتي لكل هذا الكم من التصريحات والأحاديث التي تتناقض تمامًا وكليةً مع التوجه الإماراتي المعلن رسميًا وفي أكثر من مرة من قبل حكومة الإمارات العربية المتحدة بوقوفها الواضح مع اليمن ودعمها ليمن موحد وآمن مستقر وخارج إطار الهيمنة الإيرانية. لكن الغريب في الأمر هو ذلك التوجه الكبير لعدد من أقرب المقربين لحكومة أبو ظبي، في مسار واضح ومرسوم لديهم يسعون من خلاله لتخليق رأي عام معارض للتوجه العام ليس فقط للإمارات فحسب؛ وإنما لتوجه المملكة العربية السعودية ذاتها عدا التوجه العام اليمني على وجه التحديد، وفي سبيل هذا كله ينعدم لدى كل هؤلاء أي منطق منهجي أو موضوعي أو علمي يبنى عليه موقف حقيقي يحترم. فكل ما يدندن عليه هؤلاء الكتاب والإعلاميون هو موضوع ملَّه الناس كثيرًا وبان حجم التسطيح الذي يعتري هذا الطرح، فيما يتعلق بفوبيا الإخوان والإسلاميين عمومًا أو ما يسموه الإسلام السياسي، عدا قضية انفصال جنوب اليمن عن شماله.
فمن جملة ما يطرحه هؤلاء الإخوة من تسطيح يفتقر إلى أبسط قواعد المعرفة والمنطق، على سبيل المثال تنظير كل من مأمون فندي وعبد العزيز الخميس في إحدى حلقات برنامجهما “نيران صديقة”، لقضية انفصال جنوب اليمن بمبرر أن الجنوب أرقى من الشمال وأن الجنوب مدني، ولا توجد أي روابط أو صلات بين الشمال والجنوب وأن على الإخوة الخليجيين العمل من أجل هذا التوجه. طرح كهذا يفتقر لأدني قواعد المعرفة والمنطق، طرح سطحي يستسهل الأمور بطريقة فجة ومكشوفة لا يخدم التوجه الحقيقي لإنقاذ اليمن من مأزقها الراهن؛ فليست المشكلة جغرافية في اليمن وإنما المشكلة أعمق من هذا بكثير، وأن الجغرافيا ما كانت حلًا أو مشكلة أبدًا، وإنما مشكلة اليمن وعقدتها المزمنة هي فشل قيام الدولة في اليمن عمومًا شمالًا وجنوبًا قبل هذا.
أنا لا أريد أن أناقش مثل هذا الطرح، ولكن على سبيل المثال فقط لندرك حجم الانكشاف الذي يشتغل فيه وعليه مثل هؤلاء الكتاب في مشاريع مضادة لمصالح المنطقة برمتها، وهي مشاريع التفتيت والانقسامات التي يتم الاشتغال عليها من قبل قوى وأطراف دولية بواسطة مثل هذه التنظيرات السطحية. أما فيما يتعلق بموضوع مخاوف النقيدان من الإخوان في اليمن، فأعتقد أن صديقي منصور النقيدان هو الآخر مدفوع في إطار حملة كبيرة مهمتها تخليق ما يشبه رأيًا معاكسًا ومغايرًا ليس فقط للتوجه السياسي العام للمنطقة بقيادة المملكة وإنما للواقع الشعبي والاجتماعي العام في اليمن والخليج على حد سواء. فبالنسبة إلى الموقف الإماراتي، فنحن ندرك جيدًا حجم هذا الارتباك والتناقض الذي تعيشه الحكومة الإماراتية وأنها لا يمكن أن تتخذ موقفًا معارضًا للتوجه العام للمنطقة بقيادة المملكة، وأن هناك ربما من يريد أن يورطها في توجه كهذا.
لكن باعتقادي أن حساسية الإمارات الزائدة تجاه الإخوان المسلمين وفي الحالة اليمنية تحديدًا ليس هناك ما يبررها على الإطلاق؛ ففي الحالة اليمنية، نؤكد على شيء مهم وجوهري فيما يتعلق بهذا الأمر، فإسلاميو اليمن رقم صعب وكبير في الحالة اليمنية وهو أشبه بتيار وطني وحركة وطنية راسخة الجذور في اليمن من قبل تأسيس الحركة الإخوانية في مصر بقرون. هذا الحالة الفريدة للإسلامية اليمنية، جعلتها في محطات عدة ذات خصوصية مختلفة عن غيرها من الحركات الإسلامية؛
فعلي سبيل المثال فقط حينما تصارعت مصر الناصرية مع المملكة العربية السعودية في ستينيات القرن الماضي، وقف الإسلاميون في اليمن مع جمهورية الثورة المدعومة من عبد الناصر ضد الإمامة المدعومة من قبل المملكة، رغم العداء الشديد بين عبد الناصر وإسلاميي مصر حينها. وقبل هذا كله، الخصوصية اليمنية فيما يتعلق بالتنوع المذهبي والثقافي والاجتماعي هي كفيلة بعدم تفرد أي طرف في اليمن دون آخر، وأن ما يجب في الحالة اليمنية هو الحفاظ على هذا التنوع والعمل بقوة وجد لدعم وجود قيام دولة يمنية حقيقية مدنية ديمقراطية لكل أبنائها ترعى هذا التنوع وتعمل على إثرائه،
غير هذا باعتقادي أن أي اشتغال على تخليق معادلة جديدة خارج إطار الدولة فلن تقود سوى إلى مزيد من الفوضى، التي ستجعل التدخل الخليجي في اليمن مشكلة لا حلًا. والأخطر من هذا كله، أن المشروع الإيراني الذي بات خطرًا يتهدد العالم العربي كله اليوم، لا يخدم تمدده شيء مثلما يخدمه ضرب وتحجيم تيار الإسلام السياسي النقيض الموضوعي والثقافي لمشروع ولاية الفقيه.