شخصيا، لم أشارك في الإقتراع التوافقي لتنصيب عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية في 21 فبراير.
لم أشعر بأن الأمر كان يستحق الذهاب الى الصناديق، ووضع حبر أسود في الإبهام في عملية لا تشكل فرقا من حيث الجوهر.
لكن شخصا كعلي عبدالله صالح كان يدرك مدلول وفداحة هذي المناسبة بالنسبة له ولمستقبله وعائلته، بل لاعتبارات ولافتات طائفية أخرى ظلت تحرس " الكرسي " كحق مقدس يجب أن لا يفلت من " الأيدي" .
فرغم أن صالح أصر على أن يغادر الرئاسة بواسطة عملية " سياسية" كتحصيل حاصل لإنتفاضة شعبية أجبرته على هذا الأمر، إلا أنه كان يحاول الظهور كما لو فعل شيئا جيدا ونموذحيا !
مع ذلك فقد طُرد من موقع الرئاسة، لكنه ظل متشبثا بأدوات سلطته التي بناها طيلة 33 عاما على أسس جهوية ،عشائرية أسرية، ولم يسلم لهادي سوى "خرقة" العلم !
مع كل المآخذ على إدارة هادي وأدائه، فقد إختبرنا مقولته التي ظلت قيد التداول الخاص بعد تنصيبه رئيسا : لم استلم دولة، بل خرقة !
ظهر ذلك جليا من خلال الترتيبات التي أشتغل عليها صالح، مسنودا بحلف ميليشياوي جمعهما مشترك التعصب " الطائفي " بصورته الفجة..
ظل الجيش وأجهزة الأمن يرقب أعمال التخريب والفوضى، وعندما سحبها صالح الى معركته الشخصية، أستيقظت وقاتلت باستماتة خلف عقيدته " الطائفية" وولاءاته الضيقة!
كان ذلك تعبيرا عن حالة رفض لوجود رئيس من خارج المنطقة التي ظلت تهيمن على الحكم، وتتوالى عليه سواءاً في عهد الأئمة أو ما بعد الجمهورية الأولى في سبتمبر62م!
لذلك بدا 21 فبراير حدثا فارقا ولو شكليا، ليس في الإنتقال من عهد رئيس انتفض ضده الشعب فحسب، بل أيضا فارقا في تاريخ من السيطرة على الحكم، ظلت نخبة مناطق شمال الشمال، تتداول عليه طيلة قرون، سواءا باسم الهاشمية السياسية أو العصب القبلية القحطانية.
لقد مضى مخطط العبث والتدمير الذي أداره صالح رفقة حلفه الطائفي، باتجاه إستعادة مايرونه حقا " مقدسا" وبدأت تعبيرات الرفض الضمني والصريح لرجل " مخرجي " مع أن هادي ظل فاقدا لأدوات السلطة، مكشوفا من أي غطاء باستثناء شرعيته الشعبية .
لم يخلو الأمر من مفارقة فمع أن المخلوع رفض المغادرة إلا بتسوية سياسية، تمنحه الشراكة في الحكم مع وجود انتفاضة شعبية سلمية غير مسبوقة في اليمن ضد حاكم هو الأفسد في التاريخ بقي يعبث 33 عاما، الا أن هذه الوسيلة لا يراها الرجل، تصلح لتكون بجانب رئيس شرعي فوضه 7 ملايين يمني !
ما أعتبره عفاش " حقا " له، رأى انه يجب أن يختفي من قاموس التداول الى الأبد ، لذلك لم يكن البلد لحاجة ولو شكليا الى انتخابات للمجيئ برئيس بديل ، بل يجب ان تخرج الدبابة لتعبر عن نفسها كقوة صريحة تأكيدا على أن الحكم لا يأتي من الصندوق بل من فوهة مدفع !
أطاح عفاش متخفيا خلف لافتة حلفه الطائفي بالرئيس الشرعي هادي، كما لوكان يفعل شيئا " أصيلا" يخصه وعبدالملك الحوثي، شيئا راسخا في اللاوعي، يمنحهم مشروعية التصرف وإستعادة " حق " ما من سبب يدعو للنقاش بشأنه!
هذه الغطرسة، ظهرت على ألسنة أبواق ثنائي الإجرام ومثقفيهم المزعومين، فالأمربنظرهم لم يكن أكثر من " ثورة شعبية" " لطائفة ضد مجموع الشعب " قامت بما ينبغي لها أن تفعله، كحق حصري لها !
هذا الفعل نفسه، كان مرفوضا من صالح وغير مقبول أن يصدرعن ثورة شعبية عارمة حقيقية مثلت كل طوائف الشعب وفئاته في 2011!
لم يخرج أحدا ليقول ولو من باب مراعاة الإعتبارات الشكلية التي تقتضيها المزاعم عن " الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة" التي ظلت آلة صالح وعصابته تلوكها طوال الوقت، والقول بأن ما حدث لم يكن يجب أن يحدث بتلك الصورة على الأقل..!
لم يعد التخلص من رئيس مكشوف من أي سند جهوي أو عصبوي، يحتاج الى أي "إتيكيت" " لإخراج اللعبة وفقا لمقتضيات المرحلة، فاستعادة السلطة ،التي لم تذهب أصلا، لا تحتاج غير القوة العارية المتغطرسة العصبوية، ذات الطائع الطائفي الفج، ممثلا بلافتة الميليشيات، و"جيش" سلم نفسه لها بصورة أراد الجميع من خلالها القول : انتهت المسرحية، وهذا حقنا!
ذهب بعضهم من فئة " البهائم " للمطالبة بتشكيل " معارضة سلمية" لسلطة الحكم الجديدة، التي يديرها " المرشد " ضمن فكرة استعادة ملهاة " ديمقراطية صالح القابضة على القوة، تلك التي تسمح بحرية " الضجيج " و تعيد إنتاج صالح نفسه وهذه المرة بوجهه الطائفي، وكأن ما حدث هو صعود إنتخابي خارق لجماعة سياسية، كسبت أفئدة الشعب ببرنامج إنتخابي ، أسقط جميع المنافسين أرضا ومسحهم من الخارطة!
هذا الإستعلاء، تسبب بكل هذه الكوارث التي تجري الآن وأشعل حربا مدمرة، تقدم من خلالها اليمن، قربانا من دمها وأمنها وأفتصادها ومستقبلها أيضا، لاحلام رجل مريض بالسلطة ونزعات طائفية لميليشيات إجرامية .
في النقلة الأخيرة ذهب الحلف، للعب في المناطق الحمراء، ضمن مشروع توسعي ايراني، يريد الهيمنة على المنطقة العربية كلها مثل تهديدا وجوديا لدول جوار، استيقظت على ألسنة النار في أطراف ثوبها.
لعل ذلك هو أسوأ ما حدث من جانب، لكنه من جانب آخر، قاد مشروع الهيمنة على اليمنيين الى التحلل والإنتحار. !
هل يمكن أن نقول، بالنظر الى كارثية المخطط الإيراني وذارعه الحوثي العفاشي مقارنة بمصير بلدان أخرى وتفكيك المشروع الأخطر، أن ما حدث بقدر ماكان سيئا ومدمرا، كان أيضا تعبيرا عن إبتسام الحظ لليمنيين هذه المرة؟
أيا يكن الأمر، فهذه الوقائع ان كان ثمة من يستفيد تؤكد شيئا واحدا : لا فرصة لمشاريع الهيمنة ذات النزعات العصبوية أن تسيطر على اليمن مجددا، حتى إن فعلت لبعض الوقت، فمصيرها الى زوال ...
المشروع الوحيد القادر على حمل اليمنيين الى المستقبل دولة المواطنة..
لعل هذه أفضل هدية يقدمها 21 فبراير كنصيحة ثمينة وطازجة ومازالت تتفاعل في مغطس الدم !