هذه المرة جاء خطاب عبد الملك الحوثي بجديد يستحق الإشارة، لكن الصعوبة تكمن في أن هذا الجديد، تناثر بين ركام من الكلام والمفردات المكررة والنبرة المتوترة، والحشرجات والنفخ من الأنف، على نحو يدل على الوضع الصعب الذي يعيشه زعيم الميلشيا بعد عام من الحرب.
نبرة عبد الملك الحوثي تشابه إلى حد ما مع نبرة حليفه المخلوع صالح الذي ألقى خطاباً سابقاً لكنه كان أكثر منه وضوحاً في الكشف عن حقيقة الخلاف الناشئ بينهما.
حاول عبد الملك الحوثي قبل أن يكشف عما نعتقد أنها أمور جديرة بالاهتمام، أن يسوق فكرة تورط أمريكا وبريطانيا وإسرائيل في قيادة ما يعتبره "العدوان على اليمن".
وقديماً قيل التاريخ لا يعيد نفسه، وإذا أعاد المشاهد نفسها فإنها تأتي هزلية ومثيرة للشفقة.. هذا الحلف اجتمع بهذه الأطراف في نهاية الستينات، ولكن لدعم الإمام المخلوع محمد البدر، حينها كانت بريطانيا تستعمر عدن، وكانت أمريكا تريد الإحاطة بجمال عبد الناصر وتورطه في مستنقع، وكان الكيان الصهيوني يريد إنهاك الجيش المصري في اليمن.
اليوم معظم الإسناد الإعلامي والإغاثي والمجهود الحربي للميلشيا ولقوى التمرد غير المنظور وغير المنظور يأتي من القوى الناعمة التي تنشط في هذه الدول، بل أن أهم صفقة لتهجير اليهود ومعهم أهم مخطوطة تاريخية للتوراة تم في ظل سيطرة ميلشيا عبد الملك الحوثي على صنعاء، وقد كشف الإعلام الصهيوني عن حقيقة الصفقة التي أبرمتها الوكالة اليهودية مع الحوثيين.
أراد ببساطة أن يقول إن التحالف العربي الذي ألحق بنا الهزيمة ليس عربياً بل عبرياً، والحقيقة أنه حلف عربي احتشد دفاعاً عن دولة عربية، أرادت إيران أن تختطفها وأن تحولها إلى طوائف متناحرة.
وبعد أن اجتهد في إظهار البعد الكوني لهذه الحرب، بدأ يتحدث عن التطورات المهمة، ومنها أن ما يشاع عن خلاف بين ميلشياته وبين صالح وأنصاره هو حقيقة.
وهذا الخلاف جاء على خلفية تقدير شريكا الانقلاب لأولوياتهما المنفردة والمنعزلة.. الضربة القاصمة لهذا التحالف هو ذهاب الحوثيين إلى تهدئة في الحدود مع السعودية، وصفها عبد الملك الحوثي بأنها جاءت لتحقيق غايات إنسانية أولاً ومحاولة لإيقاف الحرب أو "العدوان".
السيئ في هذه الصفقة أنها تمت في معزل عن التشاور مع المخلوع صالح، الذي اندفع لحشد أنصاره ليقول للحوثيين وللخارج هذا أنا وهذا حجمي في سوق السياسة بصنعاء.
يوم غد السبت السادس والعشرين من مارس/آذار 2016، سنكون أمام حشدين أحدهما صباحي والآخر مسائي، أحدهما يخص صالح والآخر يخص الحوثيين.. ثمة من يقول إن كلا الحشدين حشد واحد فالذين سيذهبون للسبعين، سيذهبون أيضاً بد تعاطي القات، ولدوافع الارتزاق أو لحسابات خاصة بهم إلى ساحة الحوثيين.
اللافت أن الحوثي لم يسم الساحة التي سيحتشد فيها أنصاره فهي لا تزال حتى كتابة هذا الخبر سرية ، في مؤشر قوي على أن الأجهزة الأمنية والعسكرية لصالح رفعت الغطاء عن الحوثيين فيما يخص هذه الفعالية على وجه الخصوص، ولأن الحوثيين يعلمون جيداً أن بوسع حليفهم أن يبعث لهم بعبوة شديدة الانفجار، من السهولة بمكان أن يتبناه تفجيرها كيان وهمي اسمه "داعش".
أقر عبد الملك الحوثي بوجود الخلاف، وبوجود أطراف لم يسمها تغذي هذا الخلاف، ودعا إلى الوحدة على قاعدة مواجهة ما أسماه "العدوان" دون عداه من الأولويات..لا يعدو الامر إذا عن كونه ترحيل لأولويات شريكي الانقلاب.
على صنعاء أن تتهيأ لجولة سيئة من الصراع بين شريكين لا يتمتعان بأية قيم أخلاقية، ولا يتقيدان بأخلاق الحرب.. وحينها سيبدو تدخل التحالف العربي برداً وسلاماً قياساً بالجحيم الذي قد يخلفه الصراع بين الحوثيين وصالح إذا ما أخذ شكلاً عسكرياً في عاصمة حساسة جداً للحرب والعنف.
لم ينتظر عبد الملك الحوثي كثيراً قبل أن ينكشف زيفه، كما فعل نموذجه الأعلى "حسن نصر الله" فقد تورط بصورة فجة في الكذب، وقال "لسنا بغاة ولا مفسدين في الأرض".. يا إلهي، بل أنه اتهم التحالف بسحل "أبناء تعز الشرفاء" وقتلهم ولم يقل محاصرتهم بطبيعة الحال.. وهذا النوع من الكذب المفضوح لا يحتاج إلى تعليق..
وأخيراً لم يتطرق عبد الملك الحوثي أبداً إلى مسألة قبوله بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216، وهو نقطة تشابه أخرى بين خطابه وخطاب المخلوع صالح.
هذا الأمر يقلل من مصداقية المبعوث الأممي ويحرجه كثيراً، قد يكون الحوثي وصالح قبلا فعلاً بتنفيذ القرار ولكنهما تجنبا تبني تصريح المبعوث الأممي.
فأي مصداقية يمكن أن تراهن عليها سلطة الرئيس هادي والتحالف، وهل حقاً سيذهب الطرفان إلى جولة مشاورات في ظل هذه الأجواء من الضبابية والتناقض في المواقف؟