لعبة الجيوسياسيا في حرب اليمن
الجمعة, 26 يونيو, 2020 - 02:20 صباحاً

دعونا هنا نفهم التوازنات الجيوسياسية والديموغرافية بين ثلاث جهات يمنية مدعومة اقليميا ، لندرك عن قرب طبيعة الحرب التي تحولت من البحث عن تحقيق أهداف واضحة إلى حرب اعادة ترسيم خارطة اليمن الجغرافية والسكانية.

الثلاثة الاتجاهات كالتالي: حلفاء إيران الحوثيين في الشمال ، وحلفاء السعودية الشرعية في الشرق وحلفاء الاماراسعودية الانتقالي في الجنوب.

أولا: الحوثيون حلفاء إيران شمالا: حاول التحالف خلال الحرب مع الحوثيين أن يحاصرهم في الجغرافيا الجبلية ذات الكثافة السكانية العالية بعيدا عن الثروات النفطية وبعيدا عن البحر ومنع أي تقدم للجيش باتجاه صنعاء، فبقي الحوثيون بين صعدة وعمران وصنعاء وذمار وإب والبيضاء وجزء من تعز، لكنهم تمكنوا من البقاء مسيطرين على ميناء الحديدة، وبالأصح منع التحالف تقدم قوات العمالقة والقوات التهامية الى المدينة والسيطرة على الميناء لتبقى في يد الحوثيين.

 ورغم مراقبة ميناء الحديدة المنفذ المائي الوحيد منعا من وصول السلاح الى الحوثيين، لكنهم كانوا يحصلون على السلاح الايراني وسلاح روسي وأمريكي كانت قد اشترته بعض الدول الخليجية ، بل تمكنوا من عقد تفاهمات مع جهات في التحالف وميلشيات الانتقالي الجنوبية وهو ما ساعدهم على وصول السلاح والنفط إليهم بصورة دائمة. 

اخترق الحوثيون السجن الجيوسياسي الذي وضعهم التحالف فيه بالوصول الى محافظة الجوف ويسعون لاسقاط مأرب النفطية، وإذا تحقق لهم ذلك فسيسعون لاستعادة ميناء ميدي على الحدود مع السعودية شمالا ، والعودة الى المخاء والخوخة بالقرب من مضيق باب المندب جنوبا، والتي أنشأ التحالف فيها قوة بقيادة الخصم السابق طارق صالح الذي انضم ضد الحوثيين بعد مقتل عمه الرئيس السابق والحليف الاهم للحوثيين.

أما الكثافة السكانية فحولها الحوثيون من عامل ضغط إلى أداة لتحقيق مصالحهم ، وأصبحت هذه المحافظات مخزن تجنيد للحوثيين.

ثانيا: الشرعية المدعومة من السعودية ، وهذه حوصرت في منطقة الصحراء معدومة الخدمات بين الجوف ومارب وشبوة وحضرموت الوادي ، وهي مناطق قليلة السكان، فيما بقيت حضرموت الساحل والمهرة بيد التحالف عمليا.

اخترقت الشرعية الوضع من خلال تشغيل تصدير النفط واصلاح ميناء شبوة للتصدير ، واستقبلت حوالي ثلاثة مليون نازح من مناطق الانقلاب في الشمال والتمرد في الجنوب ، وأصبحت منطقة نمو اقتصادي سريع وكادت أن تكون نموذجا للمناطق المحررة، لكن التحالف كما لا يريد استقرار مناطق الشمال التي هي تحت الحوثيين هو لا يريد أيضا استقرار مناطق الوسط والشرق تحت الشرعية، فلديه أهداف خاصة سنوضحها عند الحديث عن ما يفعله في الجنوب.

 منع التحالف القوات الحكومية من التسلح النوعي وتم تفكيك وحدات الجيش الوطني من خلال الفساد والاستقطابات والتجنيد خارج نطاق الشرعية سواء في الحدود أو ضمن بناء ميلشيات موازية للجيش.

سهل ذلك على الحوثيين التقدم عسكريا في نهم محيط صنعاء والجوف المجاورة لمارب، كما تحرك الانتقالي جنوبا ليسيطر على جزيرة سقطرى ويحاول أن يزحف من أبين وحضرموت لاسقاط شبوة النفطية والتي فيها الميناء ، وهو ما حرم الحكومة من تصدير النفط والاستفادة من ثمنه لمواجهة تردي الاوضاع الاقتصادية والمالية التي جعلت الجيش بدون رواتب منذ ما يقارب عام وأدت إلى انهيار العملة الوطنية خاصة بعد عمليات نهب مليارات قام بها المجلس الانتقالي المدعوم من الامارات في عدن.

ثالثا : الانتقالي وحلفائه الاماراسعودية: قد يعتقد البعض هنا أن التحالف يعمل فعليا لصالح انفصال الجنوب كما يتوهم المتعاطفون مع المجلس الانتقالي وحتى خصوم الإمارات، لكن بالنظر الى آلية تشكيل هذا المجلس وظروف تشكيله فان التحالف بقيادة السعودية والامارات دعمتا انشائه لاحداث توازنات مع الشرعية ولاستمرار الضغط وهو يشبه الى حد ما عدم اتخاذ التحالف قرار دخول صنعاء أو الحديدة أي لابد من ميلشيا توازن الوضع في المناطق المحررة الجنوبية تحت هذه اللافتة ، وسلم المجلس عمليا لأبوظبي تديره ، لكن جغرافية المجلس في ثلاث محافظات هي لحج والضالع وأبين تجعل تأثيره ضعيفا فأتيح له التنفس في عدن مع بقاء المدينة تحت السيطرة الاماراتية فعليا رغم اعلان أبوظبي الانسحاب منها ودخول قوات سعودية، ومثل ذلك فعله التحالف في سقطرى لمزيد من الضغط على الرئيس هادي للقيام بتنازلات تتعلق بتشكيل حكومة انتقال حليفة للسعودية قبيل خوض حوار متوقع مع الحوثيين.

أما السيطرة على المواني والسواحل فباستثناء اختراقات الحوثيين في الحديدة والانتقالي في عدن والشرعية في شبوة فكل الساحل والجزر تحت سيطرة السعودية والامارات.

ومن خلال هذه الخارطة الجيوسياسية فان الحرب في اليمن لا تخضع لاتفاقيات مباديء كما هي معلنة بين الشرعية والتحالف لانهاء الانقلاب واستعادة الشرعية، بل وفق وهم المصلحة الخليجية والسيطرة على الحالة اليمنية باخضاع سلطتها المستقبلية وإدارتها من الرياض.

لم تحسب السعودية التي تقود التحالف حساب كثير من الأوراق التي ستربك مشهد الاقليم ، وتركت للامارات التلاعب بجغرافية اليمن وتمزيق النسيج الاجتماعي.

لقد أضحى الحضور. الايراني في الجنوب كما هو الشمال واقعا كنتيجة اختراق طبيعي للحوار الاماراتي الايراني، والتنسيق مع الحلفاء السابقين من قوات الانتقالي الذين تدربوا ضمن قوات الحراك المسلح  في إيران والضاحية الجنوبية بلبنان على يد قادة عسكريين من الحرس الثوري وحزب الله.

كما يبدو لم تحسب الرياض ثمن اسقاط الشرعية اليمنية أو بناء شرعية موازية لها ، كون ذلك يفتح الباب على مصراعيه في تناسل مشروعيات وميلشيات جديدة تستمد شريتها من الميدان، كما أن وضع اليمن لا يسمح فيه للتلاعب بالنار لأن تداخله الجغرافي والاجتماعي مع دول الخليج بالذات السعودية سيجعل من السهولة للحرائق أن تصل الى أطراف الثوب الخليجي، وكلما زاد التحالف الفاعلين المحليين ظنا منه للسيطرة أو احداث التوازن، كلما زاد الفاعلين الاقليميين والدوليين، وتضعف قدرة الرياض وحلفائها السيطرة على الوضع في اليمن.

نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك.

التعليقات