ببن التفاؤل والإحباط، والأمل واليأس!
الثلاثاء, 12 يناير, 2021 - 05:36 مساءً

حكومة شراكة ومحاصصة جديدة مكونة من 24 وزيرا، مناصفة بين الشمال والجنوب، يرأسها معين عبدالملك، خمس منها مخصصة للانتقالي، أكد التحالف السعودي الإماراتي دعمه لها من أجل "تحقيق الأمن والاستقرار، ورفع المعاناه عن كاهل الشعب اليمني".
 
تساؤلات عديدة تلتف حول عنق هذه الحكومة التي لا تمتلك أدنى مقومات النجاح، وأمامها عوائق لا تحصى، ناهيك عن الوصاية عليها من التحالف، الأمر الذي يعني أن هذه الحكومة لا تملك قرارها السيادي، ولا تستطيع العمل لطالما هي رهينة دعم التحالف، وبالتالي فهي تحمل بين طياتها بذور فشلها.
 
فحينما حاول وزير الداخلية الأسبق في حكومة الشرعية محمد الميسري التحرر من الاملاءات الخارجية، والاستقلال بوطنية القرار في إدارة الوزارة والبلاد، ويشارك في صنع القرار جميع أعضاء الحكومة من منطلق المصلحة العليا للوطن، لقي حربا شرسة من كل الأطراف، وهذا أمر ليس بمستغرب فقد كان يغرد خارج سرب الدجاج، لأن كل من تعتمد عليهم دول التحالف على الساحة اليمنية من عناصر شمالية أو جنوبية، ليسوا سوى خدم تنفذ أجندة التحالف كاملة دون قيد أو شرط.
 
بشكل عام تشكيل الحكومة يعتبر خطوة مهمة، ولكن لا ينبغي عقد الكثير من الآمال عليها في تحقيق إنجازات، وربما تحقق بعض التقدم على مستوى الخدمات إذا ما قامت دول التحالف وعلى رأسها السعودية بضخ أموال للبنك المركزي لتغطية الخدمات الأساسية ومرتبات القطاع العسكري والأمني، والمدني أيضا، وربما تعيد بعض الاستقرار للعملة اليمنية.
 
وبما أن هذه الحكومة كسابقتها من الحكومات لا تزال خارج إطار رسم القرار العسكري، لأنه بيد التحالف، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء معين عبد الملك منذ سنوات حين قال "إن هذه الحكومة غير معنية سوى بالخدمات" فإن فرص النجاح لها شبه معدومة.
 
وبعيداً عن لغة العواطف، وبعيداً عن لغة التفاؤل والتشاؤم هل ستنجح الحكومة في مجال الخدمات؟
 
ماهي فرص نجاحها، وما العوائق والتحديات التي تواجهها، لا سيما ونحن نعلم أنها بالأساس حكومة مخرج سياسي كان يفترض أن يأتي تشكيلها بعد تطبيق الشق الأمني والعسكري؟
 
لكن في المقابل فإن تشكيل الحكومة بحد ذاته يعد إنجازا جيدا، وعودتها إلى عدن لا شك يشكل دفعة قوية لتحريك المشهد السياسي اليمني الراكد، وبريق أمل للشارع اليمني، رغم كل شيء. وفي نفس الوقت يمثل قوة دفع للشرعية اليمنية لتحمل مسؤولياتها تجاه شعبها ووطنها.
 
إلا أن هذا القفز فوق المسار الأمني والعسكري للاتفاق جعل الأمور مقلوبة، وصارت معه حظوظ وفرص النجاح لهذه الحكومة ضعيفة، بل ربما تكاد تكون منعدمة لأنه كما يقول المثل لا يستقيم الظل والعود أعوج، ما لم يتداركوا الأمر على وجه السرعة باستكمال المسار الأمني والعسكري، وهذا مستبعد جدا طبعا.. بل مستحيل. وما الاستهداف الإرهابي على الحكومة لحظة وصولها إلى مطار عدن إلا دليل على اعوجاج المسار.
 
فهل يعقل أن تكون الحكومة حبيسة مقر عملها في مدينة عدن المكتظة بالمليشيات العسكرية الغير نظامية؟ وهل يستقيم فيها حال حكومة مقصوصة الجناح ومجهضة ولا حول لها ولا قوة، ورهينة الحماية الأجنبية؟
 
ماذا عساها تستطيع فعله؟ بقاؤها في عدن لمجرد البقاء دون سلطات تنفيذية وقوة عسكرية نافذة سيعني وجودا كعدم، وعلى أحسن الأحوال يمكن اعتبارها دائرة موظفين في شركة خليجية.
 
لقد حظيت هذه الحكومة بالتفاف وطني وجماهيري كبير، ما يحتم عليها انتهاز هذا الدعم المعنوي لعمل شيء على الأرض، وإحداث اختراق في جدار معاناة المواطنين، وفي نجاحها تعزيز لوجودها، ودعم لوجستي لها في هذه المرحلة الهامة والمعقدة.
 
السؤال هو: لماذا كل هذا الترحيل والتراخي في تطبيق الشق الأمني والعسكري لاتفاق الرياض، بل والالتفاف على بنوده؟
 
طبعا نحن لا نتكلم عن مليشيات محلية عشوائية، وإنما عن مليشيات عسكرية منظمة ومدعومة من قبل أحد أطراف التحالف العربي، الإمارات. فبعد أن كنا نعاني من مليشيات إيران الحوثية، صارت المعاناة ثلاثية الأبعاد بإضافة مليشيات الانتقالي في عدن، ومليشيات طارق عفاش في المناطق الوسطى.
 
الأمر يجرنا للعودة لسؤال نقطة البداية الأصلية: هل الشرعية اليمنية سيدة نفسها، وما التحالف إلا شريك لها في هذه الحرب؟ أم أن التحالف ابتلع الشرعية فصارت تابعا مأمورا له؟
 
بالإجابة على هذا السؤال سنتمكن من وضع النقاط على الحروف في ما يخص عمل الحكومة اليمنية لأنه إذا ما عرف السبب بطل العجب.
وبالمجهر الفاحص بمقدورنا رؤية أن هذا التشكيل الحكومي بهذا التوزيع للحقائب يحقق أهداف دول التحالف، حيث أنه يعبر عن توزيع مصالح ومكاسب بينهما، بعيدا عن أهداف الشرعية، رغم اجتهاد الرئيس هادي في تحقيق بعض الرؤى الوطنية باختياره للأشخاص، فقد اختار على سبيل المثال لمنصب وزير الداخلية رجلا جنوبيا عسكريا مقربا منه هو اللواء إبراهيم حيدان، ولم يختر رجلا أمنيا.
لكن يظل السؤال لماذا لم يسمح للوزير محمد الميسري بالبقاء في منصبه وزيرا للداخلية؟
 
ومن المرجح حدوث احتكاكات واشكاليات بين الوزراء في الحكومة، لأنها خليط غير متجانس، ولطالما كان الممول هو المتحكم بالقرار. وبموجب هذا التشكيل للحكومة فإن الجانب الإماراتي يكون قد حصل على صك شرعي ذهبي للتحكم بحركة النقل والموانئ والسياحة من خلال استحواذ وكلائها على وزارات أبرزها النقل والعمل والثروة السمكية، وهو ما يعني استمرار إغلاق الموانئ وتعطيل الموارد، ونهب الثروة البحرية وغيرها.
 
أمريكا؟
 
الولايات المتحدة هي الطرف الأقدر على قيادة الجهود الدولية للتأثير على أطراف الصراع المختلفة في اليمن، وسيحتاج الرئيس بايدن إلى تغيير المسار السياسي الأمريكي تجاه اليمن، إن أراد حل القضية اليمنية، لكنه لن يفعل. فعلى مدى العقدين الماضيين كانت أمريكا تفرض سياساتها ولا تراعي مصالح الدولة اليمنية، وبسببه تحولت إلى بلد يعاني الحروب والكوارث الإنسانية. والمؤكد أنه لن يأتي بجديد، رغم أنه تعهّد خلال حملته الانتخابية بوقف دعم الولايات المتحدة لجهود الحرب السعودية، بل إنه سيسعى لتثبيت حالة الانقسام بسبب أنه سوف يعيد النهج الأوبامي المحابي لإيران ، وستكون النتيجة هي تكريس قيام دويلة في الجنوب يديرها الانتقالي، ودويلة في الشمال يديرها الحوثيون، على الحدود مع السعودية، ومتواجدة على البحر الأحمر عبر مدينة الحديدة ومينائها، وربما..
 
مقومات النجاح: مع كل ما سبق نستطيع أن نقل بأنه تتوفر للحكومة بعض العوامل التي يمكنها أن تلعب دورا في إنجاح مساعيها ونلخصها فيما يلي:
 
1- تشكيلها بحد ذاته عامل مهم وحاسم.

2- تواجدها في عدن يعطيها نفس ثوري ميداني.

3- سلامة طاقمها من محاولة اغتيالها لحظة وصولها إلى مطار عدن يلبسها ثوب الصمود والتحدي.

4- تشكيها مناصفة يحقق بندا من بنود الوحدة اليمنية.

5- الإلتفاف الجماهيري يمدها بزخم ثوري ونفس وطني يدعوها للعمل لأجل هذا الشعب.

6- باستقرارها في عدن تكون قد أمسكت زمام المبادرة للعمل الجاد وتحقيق إنجاز على ساحة الخدمات العامة.

7- المصالحة الخليجية ربما تخفف عنها ضغط التحالف، فترخي قبضته على الحكومة قليلا.

8- تغير الإدارة الأمريكية يعتبر فرصة ذهبية للحكومة لفرض أجندتها على الساحة المحلية والدولية.

9- وجود رجل قوي على رأس وزارة الداخلية يعطي الحكومة بعض الأمان، ويلبسها ثوب الشجاعة للتقدم في تنفيذ خططها على الأرض.

10- تلهف المواطنين لإنجازات الحكومة يجب أن يكون محفزا لها لبذل أقصى ماتستطيع لإسعاد المواطن وإخراج البلد من دوامة العبث والفوضى.

11- وجود نظرة إيجابية تركية نحو اليمن يقدم للحكومة فرصة يجب أن تستثمر في مد خطوط التعاون مع الحكومة التركية في المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية والأمنية كذلك.
 
ما ينبغي على الشرعية فعله هو الإرادة، والتحرر في القرار بالتوجه نحو صناع القرار الدولي الجدد، كما فعل سعد الحريري، وفايز السراج وغيرهم.
 

التعليقات