عن الوساطة العمانية وتحركات أبو ظبي في جزيرة ميون
الأحد, 13 يونيو, 2021 - 05:09 مساءً

الأحداث على الساحة اليمنية تتوالى وتتوازى في سياقاتها ومآلاتها محدثةً الكثير من الضجيج، لكنها تبقَى على الدوام أخفض بكثير من أصوات الصواريخ والقذائف والرصاص التي يطلقها الحوثيون على مدينتي تعز ومأرب ومناطق التماس في محافظة الحديدة.
 
ويكفي أن أشير إلى أن مدينة مأرب كان نصيبها هجومين بالصواريخ والطائرات المسيرة أوديا بحياة العشرات من المدنيين بينهم أطفال، خلال زيارة وفد البلاط السلطاني لصنعاء والتي استمرت طيلة الأسبوع المنصرم، وتركزت خلاله الأنظار على ما يقوم به الوفد العماني، ومساعيه الهادفة للحصول على إجابات واضحة ومحددة من جماعة الحوثي وقيادتها والأطراف المؤثرة والداعمة لهذه الجماعة، والتي يمثلها ضابط الحرس الثوري الايراني حسن إيران.
 
مطلب وقف إطلاق النار كما جاء في المبادرة السعودية هو الذي تصدر اهتمام وفد البلاط السلطاني العماني، وجادل بشأنه هذا الوفد منطلقا من مخاوف حقيقية مرتبطة بالتغير في الموقف الدولي الذي تعيد واشنطن توجيهه بما يفسح المجال لمراقبة أوثق لسلوك جماعة الحوثي، وهو أمر دفع بأحد المعلقين القريبين من الحكومة العمانية إلى توجيه تحذيرات غير مسبوقة للحوثيين بشأن مخاطر عدم التقاط فرصة كالتي أتيحت لهم اليوم، وبحثها معهم باستفاضة وفد البلاط السلطاني العماني.
 
لكن من الواضح أن الحوثيين لم يكونوا مستعدين للقبول بوقف إطلاق النار، حتى لو أمكن تغليف هذا القبول بترتيبات تتعلق بالاتفاق الإنساني الذي يتوسلونه لإبقاء معادلة الصراع لصالحهم، حيث تبدو الأزمة الإنسانية في اليمن محصلة للحصار العسكري الذي يفرضه التحالف على المنافذ البحرية والجوية والبرية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
 
لقد أحاط الحوثيون زيارة الوفد العماني بكم من التسريبات التي عكست رغبتهم في جعل إعادة افتتاح مطار صنعاء الدولي تحت سلطتهم ونفوذهم الكامل أحد مظاهر النصر الذي يودون إحرازه على الشرعية والتحالف معا، أو قد تم إحرازه، لكن ثمة من يريد أن يسرقه وفقاً لزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله. بل إن الحوثيين تعمدوا تصعيد العمليات العسكرية ضد مأرب، وهي بمثابة رسالة خشنة وتتسم بعدم اللياقة، فضلاً عن كونها في الأصل عملاً إرهابياً جباناً، أرادوا من خلاله أن يقولوا للعمانيين: لن نستطيع أن نلبي مطالبكم.
 
في الحقيقة ليست هناك مؤشرات واضحة رشحت عن زيارة الوفد العماني، والذي أفرغ جهده وهو يقاوم المطالب الحوثية التي لا يمكن القبول بها، وهي السيطرة الكاملة على صلاحيات السلطة الشرعية في إدارة المنافذ الجوية والبحرية، بما يسمح لهذه الجماعة بانتزاع اعتراف مجاني بسيادتها على الأراضي التي تسيطر عليها، مستغلة رغبة المجتمع الدولي في إنهاء الصراع.
 
يمكن القول إذاً إن الوفد العماني كوَّنَ صورةً واضحةً حول أفق السلام كما يراه الحوثيون، وحول سقف التنازلات التي يمكن تقديمها، وهو أمر سيقوم هذا الوفد بنقله إلى الوسيط الأمريكي وإلى الحكومتين السعودية واليمنية، وهذا هو السر في تمسك بعض المصادر العمانية بفرضية مفادها أن الوساطة العمانية على وشك الوصول إلى أهدافها.
 
الحدث الثاني الذي أود الإضاءة عليه في السياق اليمني، يتمثل في وصول سفينة نقل عسكرية إماراتية من الفجيرة إلى جزيرة ميون في باب المندب التابعين لمحافظة تعز، مرورا بمينا المكلا في محافظة حضرموت والمخا بمحافظة تعز.
 
 
هناك معلومات لا يمكن التحقق من مصداقيتها تفيد بأن السفينة أخذت معدات عسكرية من جزيرة ميون ولم تفرغ أسلحة كما توقع المراقبون، وربما تكون هذه الخطوة جزءا من تكتيك يهدف إلى إثبات أنه ما من وجود إماراتي في الجزيرة، وهي نتيجة قد تثبتها لجنة تحقيق حكومية يمنية في سياق أسئلة وجهها نواب للحكومة بشأن الوجود العسكري الإماراتي والأنشطة اللافتة لأبو ظبي في جزيرة ميون.
 
لكن ما حاجة الإمارات للإقدام على هذه الخطوة وقد سارعت القيادة السعودية للتحالف إلى ربط الأنشطة العسكرية الاماراتية في الجزيرة بمهام التحالف في دعم الشرعية والدفاع عن مدينة مأرب، في ابتزاز لا يخفى على أحد لمعسكر الشرعية؟
 
الأمر في تقديري يتوقف على فهمنا لمغزى النشاط العسكري الاماراتي في الجزر اليمنية ذات الأهمية الحيوية، وفي مقدمتها جزر أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون. فهو بالإضافة إلى أنه يشكل قيمة مضافة لدور أبو ظبي الإقليمي والدولي، فإنه، وهذا هو الأخطر، يندرج في إطار مهمة شطر اليمن مجددا وتقسيمه
 
الأمر في تقديري يتوقف على فهمنا لمغزى النشاط العسكري الاماراتي في الجزر اليمنية ذات الأهمية الحيوية، وفي مقدمتها جزر أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون. فهو بالإضافة إلى أنه يشكل قيمة مضافة لدور أبو ظبي الإقليمي والدولي، فإنه، وهذا هو الأخطر، يندرج في إطار مهمة شطر اليمن مجددا وتقسيمه، ودعم المشروع الانفصالي الذي يقوم على أعمدة نصبتها الإمارات، وحرصت على أن تكون هذه الأعمدة مهترئة وغير قادرة على الاستمرار في حمل الدولة الانفصالية خارج هيمنة ونفوذ وإرادة أبو ظبي.
 
إن إنشاء مطار بمدرج بطول كيلومترين في جزيرة ميون، يعد استثماراً جيوسياسي منفصلا عن الأهداف الحيوية للتدخل العسكري للتحالف باعتباره "دعما أخوياً" لليمن وقيادته الشرعية.
 
إنه في الحقيقة تعبيرٌ صلف عن توجه واضح لاقتسام تركة الحرب التي تكرست في خاتمة سنوات ست، كممارسة عبثية وفوضوية واحتلال يتوسل الخديعة والاحتيال.

*نقلا عن عربي21
 

التعليقات