أفتتح في دبي بالإمارات في 1 تشرين الأول أكتوبر معرض " إكسبو دبي 2020" والذي تم تأجيل افتتاحه إلى بداية هذا الشهر بسبب تفشي وباء كورونا ، وقد أفتتح المعرض بمشاركة العديد من الدول ، وتسعى الإمارات كما هو معلن من وراء تنظيم هذا المعرض إلى جذب الزوار وتعزيز فرص الاستثمار وتبادل الأفكار والابتكارات العلمية والثقافات المختلفة ، ولكن في الحقيقة فإن هناك الكثير من الأهداف الأخرى لهذا المعرض.
محاولة لتبييض وجه الإمارات الكالح
سعت الإمارات من وراء هذا المعرض إلى الترويج للإمارات كدولة مؤثرة إقليميا ودوليا ورائدة في المجال الإقتصادي ومثالاً للتعدد الثقافي والتسامح الديني وحقوق الإنسان ، وهي محاولة فاشلة لتغطية وجه الإمارات الكالح وسجلها الأسود في مجال حقوق الإنسان ، ففي حين تطلق الإمارات مثل هذه المبادرات وتطلق ما أسمته "الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان" بهدف " تعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته في الإمارات " تعج السجون الإماراتية بالمئات من الإماراتيين من الناشطين وسجناء الرأي الذي يخضعون للتعذيب والاعتقال في ظروف غير انسانية لمجرد نقدهم للسياسة العامة للدولة .
هؤلاء السجناء من الناشطين والمفكرين وأهل الرأي لفقت لهم الأجهزة الأمنية الإماراتية العديد من الباطلة ولم يحصلوا على أي من حقوق الإنسان كالرعاية الصحية مثلا أو وجود تكييف في الزنازين أو الحق في محاكمة نزيهة وشفافة وعلنية أو السماح بتوكيل محامي للدفاع عنهم ، أو زيارات لعائلاتهم ، أو حتى تواصل مع أسرهم وذويهم ، كما ترفض السلطات الإماراتية تمكين أي منظمة حقوقية من زيارتهم وتفقد أحوالهم والإطلاع على ما يدور في سجونها الرهيب من تعذيب ، فهؤلاء السجناء زجت بهم في زنزانات انفرادية ضيقة وفي أجواء خانقة حيث يخضعون للتعذيب البشع والموت البطيء ، وفي الوقت نفسه تؤسس الإمارات لما أسمتها " الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان " حيث ستكون مهمتها إصدار التقارير الحقوقية التي تبيض وجه السلطات الإماراتية وتبرر لها ممارساتها القمعية وتؤكد أن الإمارات واحة للحقوق والحريات ورائدة في التسامح والتنوع وجنة الله على أرضه .!!
ولذا فإن هذا معرض " إكسبو دبي " ومن قبله هذه الهيئة الهدف منها الترويج لصورة مثالية زائفة عن بلد لا حقوق فيها ولا حريات كما سنوضح لاحقا وقد تنبه البرلمان الأوربي لهذه الحقيقة وحث دوله الأعضاء والشركات على مقاطعة إكسبو دبي احتجاجا على سجل الإمارات في حقوق الإنسان، مؤكدا بأن هناك "اضطهاد منهجي للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين والمعلمين الذين يتحدثون علنا بشأن قضايا سياسية وحقوقية في الإمارات العربية المتحدة" وشيوع "الممارسات اللاإنسانية" بحق كثير من العمال المهاجرين.
كما دعت المئات من المنظمات الحقوقية لمقاطعة هذا المعرض نظرا لسجل الإمارات الأسوأ في مجال الحقوق والحريات.
نماذج من الانتهاكات الحقوقية في الإمارات
في الإمارات لا يوجد أي حقوق للمواطنين أو للعاملين والمقيمين حيث يحق لأي مواطن إماراتي أن يقوم بطرد العامل لديه ومنعه من دخول الإمارات مرة أخرى وبشكل تعسفي باتصال منه بالشرطة أو بشكوى من عدة أسطر وحتى لو كانت الشكوى كيدية والبلاغ تعسفي فليس لهذا العامل والمقيم غير الإماراتي أي حقوق ولا يستمع إليه أحد وهناك الالاف من القصص المرعبة من الانتهاكات البشعة التي تمت للعاملين والمقيمين في الإمارات وللأسف لا يتسع المقام لذكرها .
لا يوجد في الإمارات برلمان منتخب أو أي شكل من أشكال المشاركة الشعبية في صناعة القرار كالمجالس المحلية أو البلدية ، أو أي شكل من أشكال الرقابة والمحاسبة على أداء مؤسسات الدولة ، كما لا توجد صحف مستقلة أو إذاعات أو قنوات فضائية غير الإعلام الحكومي ، ولا يستطيع أي مواطن إماراتي ـ ناهيك عن مقيم ـ أن ينتقد أداء المؤسسات العامة أو ينتقد الأداء السياسي المحلي والخارجي للسلطات الإماراتية فهذه الأمور من الموبقات والكوارث في الإمارات ، والتي لا يجرؤ أحد على التلفظ بها ، والتي تلقي بصاحبها في غياهب السجون وتوديه خلف الشمس .!
كما لا يوجد في الإمارات أي هامش ضئيل لأحزاب معارضة أو أي وجود لمنظمات مدنية مستقلة ، وكل من تشك السلطة في ولاءه لها يتم التنكيل به واتهامه بالتآمر والخيانة وإلقاءه في قعر سجن مظلم لسنوات طويلة بلا أي محاكمة نزيهة أو تقاضي عادل .!
في الإمارات يمكن لمنشور تكتبه في الفيسبوك أو تغريدة في تويتر أن تزج بك في السجن لعشر سنوات كما حدث للناشط الحقوقي أحمد منصور الذي حُكم عليه عام 2018 بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة مليون درهم إماراتي (حوالي 270 ألف دولار أمريكي) بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي حول انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات وكما حدث لكثيرين غيره .!
سجل أسود في حقوق الإنسان
من المؤكد أن الواقع الحقوقي في بقية دول الخليج والعالم العربي عموما ليس على ما يرام ويحفل بانتهاكات جسيمة من قبل السلطات والمليشيات لحقوق الإنسان ولكن كل الانتهاكات التي تحدث في العالم العربي في كفة وما يحدث في الإمارات في كفة أخرى فقد تفوقت هذه الدولة القمعية سيئة السمعة على الكثير من دول العالم في القمع والاستبداد والتعذيب وتغييب الحقوق والحريات والتنكيل بالناشطين وأصحاب الرأي المعتقلين ، ولذا فإن الإمارات تأتي في ذيل دول العالم من ناحية الحقوق والحريات وتصنف دوما بأنها دولة قمعية لا توجد فيها حقوق ولا حريات لا في الدستور ولا في الواقع ، لا حرية للأفراد ولا حرية للصحافة والإعلام ولا حرية للمعارضة ولا توجد إلا حرية الأكل والشرب وممارسة شتى أنواع الدعارة والفجور والرذائل والشذوذ الجنسي والموبقات الغير أخلاقية ، فضلا عن كونها صارت مؤخرا الوجهة المفضلة للمهربين وللشركات الوهمية ولغسيل الأموال .
فمثلا تصنف تقارير منظمة العدل الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش ومؤسسة "فريدوم هاوس" الأميركية وغيرها من التقارير الحقوقية الدولية الإمارات بأنها " الأسوأ عالمياً " من حيث الانتهاكات التي تتعرض لها ومن حيث غياب الحريات والديمقراطية فيها .
وقد انتقدت دول ومنظمات حقوقية أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات خلال جلسات عديدة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف وعبرت عن قلقها بشأن تواصل عمليات التعذيب والإخفاء القسري والسجن في مراكز إيقاف سرية، دون محاكمات ولا ضمانات قانونية في هذا البلد الخليجي.
وطالما أن الدول الكبرى والغربية غربية عموما والمنظمات الدولية تسيس ملف حقوق الإنسان وفقا لمصالحها وأجندتها فإنها لا توجه أي نقد حاد للإمارات بسبب سجلها المخزي في مجال حقوق الإنسان ولا تتخذ أي مواقف قوية ورادعة تجاهها لهذا السبب وتتعامل ببرجماتية مقيتة مع الإمارات وهو ما شجعها وزاد من تماديها في هذا المجال.!
تبني الفوضى المضادة والمليشيا
عقب ثورات الربيع العربي تبنت الإمارات بتكليف غربي الفوضى المضادة لهذه الثورات في العديد من الدول العربية التي أدت إلى إشعال العديد من الحروب الدموية والانقلاب على أحلام وطموحات الملايين من الشعوب العربية المتطلعة نحو مستقبل جديد تتخلص فيه من الظلم والاستبداد والقمع والديكتاتوريات ، وهذه الفوضى المضادة التي تبنتها الإمارات فقامت بتمويل العديد من المليشيا المسلحة في اليمن وليبيا سوريا وغيرها قد أدت إلى دمار واسع وممنهج في البنية التحتية لهذه الدول ، كما أدت مقتل وجرح مئات الالاف من الأبرياء فضلا عن تشريد الملايين وسجن الالاف منهم وخضوعهم للتعذيب .
ففي اليمن تم تعذيب المئات على أيدي ضباط الإمارات كما حدث في عدن حيث كشف التحقيق الذي أجرته وكالة “ الأسوشييتد برس” الأمريكية في يونيو الماضي عن انتهاكات جنسية بشعة ارتكبت من قبل 15 ضابطاً إماراتياً في سجن بير أحمد في مدينة عدن، بحسب سبعة شهود تمّت مقابلتهم.
وقد نشرت الوكالة رسومات للمعتقلين الذين تعرّضوا لهذه الانتهاكات ، كما كشفت العديد من الأفلام الوثائقية والتحقيقات الاستقصائية عن انتهاكات بشعة قام بها عددا من الضباط الإماراتيين وآخرين من مليشيا الانتقالي الممولة من الإمارات في مدينة عدن التي تعيش الآن في ظل فوضى عارمة مسلحة بين مليشيا الانتقالي التي مولتها ودربتها وسلحتها واوجدتها الإمارات والتي ترتكب أبشع الانتهاكات بحق المواطنين في عدن من اقتحام للمنازل واختطاف للشباب من الشوارع وتعذيبهم واطلاق النار على المتظاهرين السلميين والتنكيل بهم واختطاف المسافرين وقتلهم أو ابتزازهم وغيرها من الجرائم والممارسات التي تتم بتوجيه وتخطيط إماراتي .
كما كانت الإمارات الداعم الرئيسي للانقلاب العسكري الذي أنهي التحول الديمقراطي في مصر وتوجت ذلك الانقلاب بدفع قادة الانقلاب لارتكاب مذبحة رابعة العدوية ، وهي المجزرة البشعة التي راح ضحيتها الآلاف قتلا وحرقاً وجرحا إضافة إلى الاعتقالات التي تبعتها وطالت أكثر من 60 ألف مصري بتهم سياسية لا يزال الكثير منهم في السجون إلى اليوم .
كما قامت الإمارات بالتمويل والتخطيط لانقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخرا على الديمقراطية في تونس وقامت بتمويل الفوضى والانقلاب في السودان ودفعتها للتطبيع مع إسرائيل والإقصاء والتنكيل بالاسلاميين وتأزيم الحياة السياسية في السودان وإدخال هذا البلد في دوامة الأزمات الشاملة .
كما وقفت الإمارات وراء أزمة حصار قطر عام 2017، حيث دفعت السعودية ومصر والبحرين لقطع العلاقات مع قطر وطرد مواطنيها والتفريق بين العديد من الأسر وإنهاء العلاقات التجارية وفرض حصار محكم على البلد ومحاولة شيطنتها في وسائل الإعلام ، إضافة إلى أن الإمارات كادت تدفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتنفيذ الانقلاب عسكري في قطر لولا التدخل التركي الذي حال دون هذه الكارثة .
لقد اغرقت الإمارات العديد من الدول العربية في فوضى عارمة وأدخلتها في أنفاق مظلمة بدعمها للمليشيا المسلحة ذات المشاريع الصغيرة على حساب أمن واستقرار تلك الدول وحاضرها ومستقبلها ، وهي جرائم لن تسقط بالتقادم ولن تغفرها تلك الشعوب للإمارات مهما طال الزمن ومهما تواطؤ أعداء الأمة معها ومهما تعامى عنها الضمير العربي والعالمي .
التطبيع مع اسرائيل في أكسبو دبي
ومن أهم أهداف الإمارات من وراء تنظيم معرض أكسبو دبي 2020 التطبيع مع اسرائيل ودعم اقتصادها حيث أفردت لإسرائيل مساحة واسعة في المعرض كخطوة جديدة ومتقدمة في العلاقات الوطيدة بين الإمارات وإسرائيل حيث ستقيم اسرائيل جناحها في المعرض تحت شعار "نحو الغد " باللغتين العبرية والعربية ، وبأرضية توحي بوجود كثبان رملية ، كإشارة على زحف التطبيع الإسرائيلي على العالم العربي ، كما ستقوم اسرائيل باستغلال هذه الفعالية في الترويج لها كدولة تقيم علاقات طبيعية مع جيرانها العرب ولم تعد في عزلة كما كانت من قبل ، إضافة إلى عرض منتجاتها والاختراعات والأبحاث العلمية التي تجريها حيث وفرت لهت الإمارات المساحة الكبيرة التي كانت تحلم بها لتسويق منتجاتها وأكاذيبها وذلك بعد أن بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من نصف مليار دولار، وفق بيانات للمكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل.
هذه هي الأهداف الأخرى لمعرض أكسبو دبي 2020 والتي تتجاوز الأهداف الاقتصادية والسياحية إلى الأهداف الترويجية للإمارات كدولة فاعلة ومؤثرة في المحيط الإقليمي والدولي وكمحاولة لتبييض وجهها الكالح في مجال حقوق الإنسان ، ولكن الجميع يعرف حقيقة هذه الدولة وواقع حقوق الإنسان فيها والكوارث التي جلبتها على دول المنطقة وشعوبها ، ولن تنطلي هذه المحاولات الفاشلة على تغطية حقيقة الإمارات كدولة قمعية بوليسية لا حقوق فيها ولا حريات ، دولة صدرت الفوضى والمليشيات وأسست للعنف والقتل والاغتيالات والانتهاكات في الكثير من الدول العربية والإسلامية .