"فتح مأرب"
الإثنين, 11 أكتوبر, 2021 - 09:40 مساءً

اليوم، وفي طريق مشوار صباحي، جلست على طاولة مقهى صغير، وتناهى إلى سمعي صوت رجل يخطب على طريقة خطبة الجمعة. أي جمعة ونحن في الأحد! تنبّهت لتوّي أن صنعاء تشهد هذه الأيام احتفالات لكبار وصغار المؤسسات الحكومية والخاصة، بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.
 
  أصغيت السمع للخطيب المفوّه الذي كان يتحدث عن نصرة "أجدادنا اليمنيين" للنبي محمد و"إيمانهم الطوعي" به، بلا قتال ولا "وجع قلب"، لأنهم كانوا ينتظرون مجيئه "منذ مئات السنين"، حسب النبوءات التي كانت لديهم في الكتب القديمة.
 
  بعد ذلك عرّج المتحدث/ الخطيب على "الفتوحات الإسلامية"، مؤكداً على أن الاحتفال بالمولد النبوي تعقبه "فتوحات وانتصارات" منذ سبع سنوات، وأنه يتوقع أن يتبع احتفال هذه السنة "فتح مأرب"، وبعدها الرياض... وصولاً إلى القدس الشريف!
 
لنترك الرياض والقدس وأبوظبي...، جانباً، فأهداف "التحالف" الذي رفع شعار عودة جنة عدن ليبرر حربه على اليمن وفيه، باتت مكشوفة ومرئية من تحت هذا الشعار الذي ضحك على ذقون "الحكماء"، لكن لنتوقف عند "فتح مأرب".
 
هل ما زال هناك رجل أو امرأة أو طفل في مأرب لا يدين بالإسلام، أو فيها من يتحدث عن حركة ارتداد عن الدين أو ما شابه؟
 
الجواب يأتي من مآذن المدينة/ المحافَظة، الزراعية قديماً والنفطية حالياً، وهي محاطة منذ ما يقارب السنتين بترسانة من قوات ومقاتلي الحوثيين (أنصار الله)، في إصرار مستميت لاقتحامها بقوة السلاح.
 
  مطلع العام الجاري (2021) أو في نهاية العام الذي سبقه، أصدر الإعلام الحربي لأنصار الله (الحوثيين) زاملاً شعبياً مطلعه:
 
 "يا معبد الشمس بعد اليوم لن يُعبد *** في ساحتك غير وجه الخالق المعبود".
 
  وفي هذه السنة، حيث يبدأ الاحتفال بالمولد قبل حلول يوم ميلاد النبي بأكثر من شهر، ومع اقتراب حلول منتصف القرن الخامس عشر على اعتناق اليمنيين للإسلام، يأتي خطيب متحمّس للحرب ليتحدث عن "فتح مأرب"!
 
الحرب تسعّرها الألسن والأقلام المتعصبة لاستمرار سيلان الدماء. وفي الوقت الذي يتوق فيه اليمنيين للسلام، وترتفع أصوات النداء في أرجاء العالم لوقف إطلاق النار وبدء محادثات سلام لكي تضع الحرب "أوزارها"، هناك من يسعّرها لامبالياً بأي وزر، ومحاولاً إلباسها دروع وخوذات "الفتوحات الإسلامية"، دون أن تهمه النتائج.
 
  كلفة الحرب طيلة هذه السنوات لم تكن هيّنة على جميع أطرافها الذين يجيدون تعويض خسائرهم بطريقة أو بأخرى، لكن المواطنين الذين يكتوون بنارها في كل شبر من البلاد طيلة سبع سنوات، أكثر من 2500 يوم، الملايين من هؤلاء التعساء لم تعد جلودهم الضامرة وظهورهم الحدباء وعظامهم المتشققة، تقوى على حمل المزيد.
 
  سبع سنوات وأطراف النزاع المحلية يحاولون إثبات قدرتهم على كسر شوكة بعضهم، لكن ما يثبت على الأرض أن أحداً منهم لا يستطيع كسر الآخر، وأن أطراف الحرب الإقليمية والدولية لا يهمّها مستقبل أجيال اليمن القادمة كما تقول، ناهيك عن حاضرها. كل ما يريدونه ينحصر في إحراز الحد الأقصى من المصالح الآنية والمستقبلية لبلدانهم، الحد الأقصى من دفع قادة الحرب ومسعّريها نحو ارتكاب المزيد من الجرائم وممارسة الانتهاكات الإنسانية على أوسع نطاق، نحو إنتاج فائض من التعاسة لأهل البلد الذي كان سعيداً ذات زمن؛ فائض تعاسة تجثم على حياتنا وحياة أولادنا لمئة سنة قادمة أو أكثر.
 
  ليست مأرب كل اليمن، لكنها إحدى أهم أقاليمه الأكثر حيوية، وإحدى أهم رمزيات عمقه التاريخي الذي رفد "الفتوحات" بقادة عظماء ومحاربين بواسل. لذلك يتوجّب احترامه وترك غرور الإساءة إليه، فقط من أجل الحشد لمعركة استحواذ  على الثروة والسلطة واحتكار القوة.
 
  طالما ظُلمت مأرب في كل شيء، فقط لأن أرضها متجددة الثراء، ولأن إنسانها يريد أن يطور حياته بطريقته، أن ينضم لمكون الدولة الوطنية على طريقته، وهذا ما لم يحظ به من أي سلطة سياسية حكمت أو تحكمت بمصيره، وبثروات الأرض التي لم يصبها العُقم، رغم عوادي الزمن.
 
 
 

التعليقات