اليمني العدو لنفسه
الأحد, 06 مارس, 2022 - 10:45 مساءً

بعد حوالي شهر من انطلاق العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن قدمت المملكة تسهيلات لليمنيين الذين كانوا مستهدفين من جماعة الحوثي، شمل ذلك قيادات عسكرية وسياسية وإعلاميين وشخصيات قبلية، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية والمناطقية.
 
العملية كانت تتم عبر شخصيات يمنية مقيمة في الرياض، من خلال رفع كشوفات بأسماء اليمنيين الراغبين بدخول المملكة إلى الجهات السعودية التي كانت توافق على عملية الدخول وتمنح أرقاما بالموافقة تسهل دخول اليمنيين إلى أراضيها.
 
كانت هذه المساعدة عملا إنسانيا مميزا، خاصة مع حالة الحرب والتضييق التي تعامل بها الحوثيون وقتذاك مع المعارضين لهم، وبسبب هذا الإجراء تمكن العشرات من السياسيين والإعلاميين ومعهم أسرهم من الانتقال إلى السعودية والنجاة من سعير تلك الحرب.
 
لكن الرياح لا تمضي دائما بما تشتهي السفن، لم تمض سوى أيام معدودة وتم إغلاق هذا التعامل من قبل السطات السعودية، ولم يكن ذلك منها تعنتا لليمنيين، بل جاء بسبب عبث اليمنيين أنفسهم، إذ تحولت تلك الكشوفات والتسهيلات السعودية إلى متاجرة من قبل بعض اليمنيين، الذين عبثوا بالأسماء، وتصرفوا بمزاج، جلب الصداع للبلد المضيف، بل وتحدث البعض عن عملية متاجرة وبيع لتلك الأذونات.
 
عملت السعودية وفقا للمثل القائل: "الباب الذي يجيك منه الريح.. سده واستريح"، ولذلك أغلقت هذه الاستثناءات، وأراحت بالها، وحصرتها لاحقا بشكل محدود، بعيدا عن الصداع الذي جلبه ذلك التعاون، وللأسف كان اليمنيون وحدهم المتضررين بسبب عبث أبناء جلدتهم، فحرموا الكثير ممن يستحق النجاة بنفسه وبات عرضة للخطر من إمكانية مغادرة البلد، والفرار من شبح الهلاك الذي يترصده.
 
الأمر ذاته تكرر في سلطنة عمان، التي قدمت تسهيلات لليمنيين، سواء بالعبور من أراضيها أو البقاء المؤقت فيها، حول بعض اليمنيين لاحقا تلك التسهيلات إلى غصة للسلطات هناك، وجنوا على أنفسهم وعلى غيرهم.
 
دروس تتكرر في عدة دول تقدم تسهيلات لليمنيين، ثم تتحول لاحقا تلك التسهيلات لعبء على اليمنيين، فاليمني مسكون بعقدة الذات والحب لنفسه أولا، إنه قادم من بلد طالما كانت تتحكم به ثقافة الاستحواذ والإقصاء، وتتحكم بهذا العديد من العوامل، بدء من الولاء الحزبي، ثم المناطقي، ثم الشللية والانتفاعية، والمجاملات ومراكز النفوذ، ويتجسد في ذلك ما قاله الراحل عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) حينما قال:
 
على قدر عرض الحقو تأتي المحازم
 
وتأتي على قدر النفاق المكارم
 
تلك أمراض فتاكة، محصلتها النهائية تدمير العديد من المفاهيم الإيجابية، والعلاقات، وتكريس صورة ملوثة عن اليمني، وتصبح كما يقول المثل اليمني: "يتفلون من لقفهم لذقنهم"، فلا احترموا بعضهم البعض، وعملوا على تنمية قيم التكافل بينهم، خاصة وهم في بلدان خارج بلدانهم، ولا احترموا الدول التي نزلوا فيها، وأعطتهم تسهيلات حفاظا على كرامتهم المهدورة ببلدهم.
 
لماذا هذه الطباع؟ ولماذا هذا السلوك؟ ولماذا هذا التعامل؟ هل مؤثرات البيئة التي جاء منها اليمني جعلته بهذه العقلية؟ أم أن التأثير الحزبي والشللي هو المحرك لكل هذه الأمراض؟ بل لماذا يصبح اليمني عدو نفسه؟
 
لماذا تغيب وتنعدم قيم التكافل والتآزر بين اليمني وأخيه، وتحضر الفهلوة والشطارة والعمل من خلف الكواليس، لماذا نبدو عاجزين حتى عن مجاراة الاخرين، الذين يساندون بعض في المهجر لمجرد أنهم ينتمون لبلد واحد، ويشتركون بمعاناة واحدة.
 
على العموم هذا الكلام كله يتعلق بنماذج سابقة، أما نموذج اليوم فلايزال حديثا وطريا، ولا يختلف عن سابقيه كثيرا، بل ربما يعد الأكثر فداحة، إذ أنه يأتي من أشخاص كانوا أكثر من اكتوى بنار الإقصاء والإبعاد، لكن ذلك لم يمنعهم من تكرار ذات المعاناة لغيرهم.
 
لن أسترسل بالحديث عن هذا النموذج، أو كشف من هم أبطاله، وماذا جرى بالضبط، فيكفي التلميح لعل هؤلاء يفهمون، أو يدركون تداعيات ما يفعلوه بحق الآخرين، فالانتقاء والتهميش والاقصاء والإبعاد وخلق الأعذار مظاهر مرفوضة، أيا كان من يقترفها.
 
ولندع مجالا للمراجعة لدى هؤلاء، وننتظر ماذا سيسفر خلال الأيام القادمة، والأيام حبلى بالتفاصيل، واللبيب بالإشارة يفهم.
 
وأقولها هنا معلقا قبل أن يقولها أحدهم: بالفعل يجب أن تغضب لنفسك، ويجب ألا تكون ضحية للعقليات المريضة، ويجب ألا تنطلي عليك المغالطات الكاذبة، وألا تدع الآخرين يقررون مصيرك، فإذا لم تحركك دوافعك الذاتية فماذا سيحركك أصلا، فالذات بمجموعها هي حصيلة هذا المجتمع الكبير الذي نعيشه اليوم.
 

التعليقات