مكة وتضافر الأمومة الواهبة
الأحد, 16 يونيو, 2024 - 07:47 مساءً

هاجَرُ حاضنةُ النورِ، فرادةُ الشخصيةِ وعظمةُ الموقِفِ واليقينُ الكبير، ولحظةُ تسليمٍ استثنائيةٍ، وقد استحالتْ من شعائرِ اللهِ مستوجبةً التعظيمْ..
 
هاجَرُ مكانةٌ عاليةٌ، وحضورٌ محوريٌ متقدمٌ، ودور مركزيٌ رائد للمرأة في تاريخنا الديني والروحي، يتجاوزُ الفهومَ المجدِبَةَ، والتصوُّراتِ المتخلفة، يتجاوز الشعارات الجوفاء، يصيرُ شعيرةً ورُكناً من أركانِ الحَجّ، "إنّ الصفا والمروةَ من شعائر الله فمن حجَّ البيتَ أو اعتمرَ فلا جُناحَ عليهِ أنْ يَطَّوَّفَ بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكرٌ عليم".. هي هاجَرُ الأمُّ التي منحت من روحها أمَّ القرى، كي تتظافرَ الأمومةُ الواهبةُ، أمومةُ الإنسانِ والمكان.
 
ومعَ بعثةِ محمَّدٍ عليه الصلاةُ والسلام، تعلنُ دعوةُ إبراهيمَ وإسماعيلَ عن امتدادها الخاتَمِ: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".. تختتمُ رحلتَها النبوةُ, وتعلِنُ الرسالةُ عن الاكتمال.. تواصلُ مكةَ دورَها الحاضنَ للعقيدة.. يتابِعُ وِجْهَتَهُ النهرُ، مُواصِلاً التدفُّقَ والجريانَ باندفاعٍ ويقينٍ جارفٍ مكتسحٍ، ذاهباً في كل اتجاهٍ،ناشراً الحياة..
 
هو ذا الحبيبُ المصطفى يلتحفُ بُرْدَتَهُ وأشجانَ الغُربةِ..هو ذا يخوضُ امتحانَ البداياتِ الصعبةِ في مواجهةِ قُرونٍ من الارتدادِ والانحرافِ والجاهليةِ, قرونٍ من الوثنيةِ والكفرِ و الشركِ والضلالاتِ المؤلهة. كانت مكةُ تغرَقُ في الظلامِ الدّامسِ, وكانَتِ الكعبةُ تغصُّ بالأوهامِ وتختنقُ بالأصنامِ..
 
هو ذا في ظِل الكعبةِ, مستنداً إلى السماء ومواريثِ أبيهِ إبراهيمَ، يستصرِخُهُ خَبَّابٌ, لكن عن أي عذابٍ يحكي خَبَّاب؟..
 
ما كان جواب المختارِ, إلا قطعاً بالمنشار.. كانت لحظةً فاصلةً, وكان المنشارُ إجابةً قاطعةً تفصلُ بين زمنين:تفصِلُ بين الشكّ واليقين, بين العُتمةِ والنُّور.. بين خيارين:بين أن تكونَ أولا تكونُ.. بين أن تتحمَّلَ كُلْفَةَ الحريةَ كاملةً, أو تبقَى أسيرَ عبودِيَّتِك..
 
لاحَ الوصفُ الصادِمُ لمثالِ التضحيةِ المستَحَقَّةِ جزءاً من الدرسِ.. قطعاً للضعفِ والوهَنِ.. إعلاءً من شأن الروح وتهوينا  من جراحاتِ البَدَن.. درسُ النبُوَّةِ من قديمٍ:خوضُ الامتحان حتى منتهاه, الانقذافُ في قلبِ النارِ, على بردٍ راسخٍ من يقينِ النجاة.
 
كانوا قلةً من مهمَّشي مكةَ، مدينةَ السطوةِ والجبروت.. أراد بهمُ اللهُ كسرِ النَّسَقِ المهيمنِ في تصوّرِ القوَّةِ والمَنَعَةِ،ونسفِ كلِّ المُواضَعَاتِ القديمةِ المحدِّدَةِ للكينونةِ والمكانة..خبابُ, وصهيبٌ الروميُّ, وبلالٌ, وياسرُ القادمُ من اليمن وزوجه سُميَّةُ، امرأةٌ من موالي بني مخزومٍ, وعمَّارُالابنُ..
 
تتكررُ صورةُ الأسرةِ الإبراهيميةِ في آلِ ياسر.. تبرزُ هاجَرُ بوضوحٍ في شخصيةِ سميةَ، الشهيدةِ الأم، أولى الفاديات في طريق الفجر الوليد.. أيُّ امرأةٍ أنتِ أيتها الأم الحبيبة!!.. أتشبَّثُ بإهابِكِ كلما ارتَجَفَ القلبُ, و سَرَتْ فِيهِ رِعدَةُ جُبن..أرنُو  إلى هامَتِكِ العالية, فينبُتُ لي ألفُ جَناحٍ وجناح.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
 

التعليقات