رحل إسماعيل هنيّة. الرجل الذي أعلن سقوط الحضارة الغربية وكشف زيف العالم كلّه. مؤسس الأخلاقية الجديدة في عالم بلا أخلاق. إسماعيل زعيم القوة الحرّة في شرق كله عبودية ووهن. غادر مكللًا بالمجد وكأنّه زعيم الدنيا بكاملها.
بقدر ما في الموت من وحشة ومرارة؛ إلا أنك أمام رجل يقلب المعنى بكامله. رجل تجاوز فكرة الموت منذ زمن. بل أظنّه كان يعيش على أمل الموت في أيّ لحظة.
رجل مثله، للكلمات عنده دلالات مغايرة عمّا نفهمه. لا أظنه كان متمسكًا بهذه الحياة، هو رسول جاء لينجز وعده في الأرض، يقطع مسافة لتحرير أمته. وقد فعل وغادر.
ليس في هذا تبرير لخس.اسة المح.تل، ولا تهوين من الحدث القاهر. هو حديث عابر في لحظة حزن. تذكير بما كان يحيا عليه الرجل. أتدرون. لا معنى للعيش في عالم محكوم بالقوة القاهرة. قبول حياة محكومة بقوانين مختلة كهذه؛ هو تعبير عن تواطؤ مهين ضدّ الحياة وتخريب لنفس الإنسان.
نحن نعيش حالة من العمى الكلي عن حقيقة هذا العالم. نتصرف وكأننا أمام وجود عادل وموثوق. لقد قبلنا الخديعة وتواطئنا معها. لهذا نحن خائفون من الموت. ولهذا السبب أيضًا، تشوهت كل مفاهيمنا عن العيش الحر.
وحده البطل ظلّ محتفظًا ببصيرته حتى النهاية. رافضًا بشكل جذري، لهذه الصيغة السالبة لحقك الكامل في الوجود.
قاتلهم بجسارة وثقة وغادر محاطًا بالإجلال والشرف.
الحياة تُباد في كلّ مكان ونحن متمسكون بها كأننا أمام غنيمة كبرى. الغرب يستبيح فكرة الحياة ويعلن نفسه كعدو صريح ضد حياة الأخر. هذا هو الإنقلاب المرعب في قيم العالم. لمواجهة أمر كهذا كانت الحياة تحتاج رجل خبير بها، لم ينخدع عن حقيقتها. وكان إسماعيل ورفاقه أكثر البشر وعيًا بجوهر هذا العالم. وحده إسماعيل هنية، عاش حرًا خفيفًا، تصرّف بحريّة. تصدّى للمهزلة وغادر وقد أوصل صوت شعبه نحو كل بقاع العالم. وفي ذلك مجده الكبير.
نم بسلام يا تمثال حريتنا الكبير. نم تحفّك الأنوار من كل جهات العالم.