وهم السيطرة
الاربعاء, 20 نوفمبر, 2024 - 08:54 مساءً

عندما تتوهم السلطات -حكومية او دينية- بانها قادرة على فرض أفكار ونزع أخرى والسيطرة على الجميع؛ سواءًا بسن قوانين، او بإصدار فتاوى..تصتدم غالبًا بردات فعل عكسية اثبتها الواقع المعاش.
 
لأسرد لكم جملة من الأمثلة التي تؤكد فرضيتي التي لم أكن أنا أول من قال بها، وهناك الكثير ممن اشاروا لها باساليب ولغات مختلفة.
 
مؤخرا وفي مناطق سيطرة مليشيات الحوثي اصدرت تعليمات عليا - صادرة عن عبدالملك الحوثي- بمنع تناول موانع الحمل؛ بزعم ان هناك مؤامرة كونية لتقليل النسل، ونشر العقم في الأغذية الأتية من المنظمات المجتمع المدني-والتي تلقى طريقها في السوق السوداء- في الوقت الذي تزايد فيها معدل نسبة الفقر، والفاقة، والعوز.
 
الشيء الذي رفضه سكان مناطق سيطرة المليشيا، واستمروا في تداول وتناول واقتناء واللجوء – طبيًا - لموانع الحمل؛ كرفض قاطع لمثل هكذا قرارات تعسفية غير مسؤولة وغير مستندة على وعي اجتماعي، ورؤية مستقبلية استشرافية.
 
وكذلك حدث المثل في اقليم كردستان العراقي قبل أشهر عندما اعلن دار الإفتاء بفتوى تحرم لعبة البوبجي؛ ولم يؤدي التحريم سوى في ازدياد عدد لاعبي اللعبة؛ كنوع من أنواع رفض التسلط الديني من جهه، ولأن في الفتوى غباء إستراتيجية؛ حيث كان بمثابة اعلان مجاني للعبة التي لم يكن يعرفها الكثير من مواطني الإقليم.
 
الشيء ذاته حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في العشرينات والثلاثينات عندما تم سن قوانين وتشريعات نافذة تمنع الكحوليات؛ الشيء الذي وفر فرصة استثنائية ثمينة لتجار المافيا المنظمة، والتي استغلت المنع، وصنعت أكبر سوق سوداء للكحوليات، وأغرقت الولايات المتحدة والدولة المحيطة بها، وهو الشيء الذي أغنى المافيا، وصنع لهم نفوذ وأموال طائلة لم يتعافى من تبعاتها المجتمع الإمريكي حتى اللحظة؛ حيث تحول الإتجاه الإجرامي في التهريب من الكحوليات إلى المخدرات القاتلة.
 
وفي عهد صدام حسين كانت تقمع جميع القوميات ولتباع المذاهب وخصوصًا الشيعية. وكان يمنع وقتها بيع اشرطة اللطميات؛ الشيء الذي خلق لها سوق سوداء متنامية.
 
وما إن سقط نظام صدام حتى انفجرت فقاعة اللطميات، وتداولها بشكل مهول -من باب الفضول-، وقل التداول تدريجيا خلال ثلاث سنوات تلت ذلك، تمامًا كما يتوقع الكثير من النقاد، والمهتمين بأن الزوامل ظاهرة تنامت، وتطورت في ظروف الحرب، التي تحتاج إلى الحماس، والتعبئة العامة، وما إن تنتهي الحرب حتى تنتهي وتختفي ويخفت نجمها.
 
وحتى اللحظة وكأفضل مثال دال على صحة فرضيتنا هنا: هو النظام الفاشي الشمولي القمعي في كوريا الشمالية، والذي يمنع فيها أشياء كثيرة جدا، ومن أحد الأشياء الممنوعة: موانع الحمل! الشيء الذي جعل منها أشياء ثمينة، تشترى خفية بأموال طائلة، ويتبادلها الأحباب في المناسبات، والحفلات!
 
وهم السيطرة برأيي لا يؤذي الناس، بل يؤذي السلطات والأنظمة القمعية والديكتاتورية تحديدًا؛ فتمرد المواطنين ورفض اتباع القوانين والأوامر بشكل جمعي -وان كان سرًا- فهذا يؤدي إلى كراهية النظام ككل؛ مما يؤدي إلى ضعفه وتراخيه، إلى ان تنفجر ثورة شعبية عارمة، إضافة إلى أن الأشياء التي تحولت إلى "ترند" أو أشياء متداولة بكثرة؛ وصلت لذلك بسبب الدعاية القوية والناجحة، ومنع وتحريم بعضها يعد نوع من أنواع الدعاية السلبية، غير أنه يؤتي بثمار عكسية.
 

التعليقات