سعيد ثابت سعيد

سعيد ثابت سعيد

اعلامي يمني وكيل أول نقابة الصحفيين اليمنيين

كل الكتابات
ثمن التمزق.. وسر الخلود
الجمعة, 05 ديسمبر, 2025 - 10:29 صباحاً

تقدم وقائع التاريخ درسا بليغا حول أثر التماسك الداخلي في مصير الأمم، وهو ما يتجلى بوضوح في تلك المفارقة بين مأساة السقوط في الأندلس وملحمة الصمود في المشرق الإسلامي.
 
تقدم التجربة الأندلسية نموذجا صارخا لما تفعله الفُرقة حين تنخر عظام الدولة؛ إذ تفتتت البلاد بعد قوة العصر الأموي إلى إمارات متناثرة ومتناحرة، فانقلبت فيها الموازين؛ وبات الجار الشقيق هو الخصم، والعدو المتربص في الشمال هو الحليف المنشود.
 
ولم يتوانَ هؤلاء الأمراء والسلاطين عن دفع الجزية لملوك قشتالة وأراغون وليون طلبا للحماية من إخوتهم، مما سمح للعدو باختراق النسيج الداخلي ورسم (خرائط النفوذ)، فكانت النتيجة الحتمية سقوط الحواضر الكبرى مثل طليطلة، وانحسار الوجود العربي الإسلامي تدريجيا حتى زواله التام بسقوط غرناطة.
 
 
وعلى النقيض تماما من مشهد الغروب في الغرب، بزغ فجر النهوض في المشرق حين واجهت الأمة تحديات وجودية أشد قسوة، تمثلت في الحملات الصليبية والغزو المغولي، ومساعي تكريس التمزق والتفكك.
 
لقد تأسست عملية النهوض والنجاة على خطط واعية، وحشد مستمر للجهود، وتنظيم دؤوب للعمل لا يفتر، انطلاقا من إدراك عميق بأن الزمن لا يتسع للخلافات الجانبية؛ فبدأ مشروع التوحيد والإصلاح الداخلي على يد عماد الدين زنكي ونور الدين محمود، اللذين ربطا مفهوم الجهاد بإقامة العدل وبناء الدولة القوية.
 
وقد توج هذا المسار بجهود صلاح الدين الأيوبي الذي أعاد ترتيب البيت الداخلي بتوحيد مصر والشام، مما مهد الطريق لانتصار حطين، واستمر هذا النهج التوحيدي حتى تمكن المماليك من كسر شوكة المغول في عين جالوت، مسقطين أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.
 
هنا ينطق التاريخ بحكمه الفاصل: لقد دفعت الأندلس ثمن الأنانية والمصالح الضيقة خروجا قاسيا من التاريخ، بينما سطّر المشرق قصة نجاته حين ترفع عن خلافاته وتوحد، ليثبت للأجيال أن التنازع هو مقبرة الحضارات، وأن وحدة الصف هي وحدها سر البقاء ومفتاح النصر.
 

التعليقات