الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن بال أحد هي أن دول “مجلس التعاون” الخليجي ومن معها من الدول لا تحارب في اليمن الحوثيين وجماعة علي عبدالله صالح فقط، إنما تتصدى لجزء من مشروع توسعي فارسي كبير بدأ في لبنان بـ”حزب الله” ووصل إلى العراق جراء الفراغ الذي تسبب به الاحتلال الأميركي وتفكيك الدولة، وانتقل إلى سورية بسبب الحرب الأهلية، فيما حاولت إيران مرارا وتكرارا أن تضع لها موطئ قدم في دول الخليج العربية عبر التسلل من نافذة مملكة البحرين لتجعلها رأس جسر للوصول الى المملكة العربية السعودية التي تعتبرها درة تاج مشروعها، إلا أنها لم تستطع.
لذلك يخطئ من يتصور أن مجرد عودة رئيس الجمهورية اليمنية وحكومته إلى عدن ينهي هذه الحرب، ويرتكب خطيئة وطنية كبرى من يحاول التهويل بشأن تكاليف الحرب التي مهما ارتفعت تبقى أقل بكثير من خسائر كانت ستدفعها دول “مجلس التعاون” لو كتب النجاح للمشروع التوسعي الفارسي، وهي خسائر وجودية.
هذا ما يجب أن يدركه جميع الخليجيين المطالبين اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بالنظر بواقعية إلى التهديدات الكبرى التي يشكلها السلوك السياسي والعسكري لنظام الملالي على المنطقة ككل.
صحيح، إن لكل حرب خسائرها، البشرية والمالية، وتختلف وفقا للظروف الداخلية والإقليمية والدولية، لكن ايضا للحروب اقتصادها الذي يكون أفضل في أحيان كثيرة من اقتصاد السلم، لأن الحرب تساعد على كشف مكامن الضعف في الأداء والمؤسسات، وخلالها تعمل الدول على سد الثغرات، كما أنها تساعد على التعاضد بين الناس والتخلي عن الأفكار الاجتماعية السلبية التي تنشأ أثناء السلم، وتفسح في المجال للبحث عن فرص صناعية جديدة.
وفي الحال التي نحن بصددها، كل هذا تحقق في الأشهر الماضية، فعلى المستويين السياسي والعسكري دحر المشروع الإيراني في اليمن، وجرت محاصرة القوات الموالية لطهران في مناطق معينة، وحاليا تعمل قوات التحالف على مساعدة الجيش الشرعي والمقاومة الشعبية لاستكمال تحرير كل اليمن.
أما على المستوى الاقتصادي، فقد أثبتت الحرب متانة الاقتصادات الخليجية كافة، خصوصا السعودي، الذي رغم الحرب، وهبوط أسعار النفط وتصاعد العمليات الإرهابية لـ”داعش” و”حزب الله” و”القاعدة” وغيرها من الجماعات في المنطقة، لم تتأثر حركة الاسواق الخليجية، بل زادت المشاريع التنموية، وتعززت، أكثر، الثقة الدولية باقتصاداتنا وبأنها ليست هشة تتأثر سلبا بأي حدث يحصل في العالم.
اضف إلى كل ذلك، أن القناعة الدولية تتزايد يوميا بأن المسبب الاول للارهاب الذي يضرب اليوم في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والغرب المطامع الإيرانية ولعب نظام الملالي على وتر المذهبية واثارة النعرات الطائفية، والممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وسعي تل أبيب القديم – الجديد إلى تمزيق الدول العربية المحيطة بها أو المهددة لها، وأنه لا يمكن القضاء على الإرهاب من دون معالجة الأسباب الآنفة.
هذه الحقائق ليست غائبة عن صناع القرار الدوليين الذين باركوا، منذ البداية، التحالف الخليجي العربي، بل لم يعد مستبعدا أن نرى في المرحلة المقبلة مشاركة دول غربية في التحالف ضد المشروع الايراني في اليمن، ليكون ذلك جزءا من الحرب على الإرهاب في كل المنطقة.
* السياسة