جنيف 2... السلام الصعب والحرب المستحيلة
الثلاثاء, 15 ديسمبر, 2015 - 07:01 صباحاً

ستنطلق جلسات جنيف 2 قريبا.
وهي مفاوضات بين فرقاء تعبوا من الحرب لكنهم لا زالوا يخافون من السلام.
لن تتجاوز هذه الدوره مسألة "جس النبض" والتأكد من جدية الطرف الآخر في التفاوض.
الحرب تجمدت وآفاق السلام بعيده واجندات الأطراف المتفاوضه متباعده.
 
تجري جنيف2 و "التحالف" في اصعب حالاته بعد ان خسر كثيرا على المستوى البشري والمادي. وفي ظل تدهور سريع لأسعار النفط يضعها امام تحد مباشر مع شعوبها التي ستطرح صفقة "الرفاه مقابل الحرية" أمام الإختبار من جديد.
وتجري في ظل تباعد بين رؤى الطرفين الرئيسين (السعودية والامارات) خاصة بعد أن قررت الإمارات أن تبدأ حربها في تعز ضد "الإخوان" قبل ان تنهي حربها مع الحوثيين.
وتجري في ظل تشظ مريع في صف "الشرعية" بعد أن فشلت تماما في إدارة المناطق "المحرره"، وخرجت خلافات الرئيس والنائب الى العلن، وتباعدت رؤى الأطراف المؤيدة لمعسكر الشرعية بعد ان أحس الإصلاح ان هادي لا زال يصفي حساباته مع الإخوان بشكل غير مباشر.
هذا التهشم والتشظي في معسكر "الشرعية" جعل الإخوان وهم القوة العسكرية الابرز في الميدان يتراجعون للخلف قليلا بعد ان احسوا ان كل تضحياتهك الميدانيه لم تشفع لهم عند خصوم الأمس.
لكنها اللحظة الصعبة التي تنسد فيها الطرق بين حرب متجمدة وسلام صعب.
 
تحس السعودية أنها غير قادرة على الاستمرار في حرب مفتوحة. لكنها في نفس الوقت تعرف ان أي تسوية سياسية في ظل التوازن الحالي لن تقود على المدى المتوسط إلا الى وقوع اليمن تحت سيطرة الحوثيين وصالح مجددا.
ويحس هادي أن المفاوضات تعني رحيله عن المشهد باجماع القوى السياسة، لكنه لن يستطيع المضي في حرب بلا نهاية ليس له فيها اي تأثير حقيقي غير وضعه الرمزي كرئيس للبلاد
ويخاف الإصلاح من الحرب لانها تستهلكه وتجرف قواعده الاجتماعية، لكنه أيضا يخاف من السلم لأنه يعني إتفاق كافة الخصوم على برنامج عمل موحد ستكون مسألة إخراجه من دائرة التأثير ابرز بنوده غير المعلنه.
 
على الجانب الآخر لا يبدو تحالف الحرب الداخلية أفضل حالا.
لقد غامر المؤتمر وعلى عبدالله صالح بتسليم العاصمة والسلطة للحوثيين وهو يظن أنها لعبة صغيرة ستستمر شهورا وتنتهي بإزاحة هادي والإخوان وسيطرتهم على السلطة.
لكن هروب هادي وعاصفة الحزم المفاجئة خلطت كل الأوراق المغشوشة. كلما طالت الحرب كلما فقد صالح المزيد من قوته وانتقلت للحوثيين.
كما ان الطبيعة الانتهازية للقواعد السياسية والقبلية للمؤتمر تجعلها تنقل ولاءها الى السيد الجديد. وهاهي تنقل ولاءها سرا او علنا للزعيم المختبيء في مران.
إذا طال أمد الحرب أكثر سيصمد الحوثيون كحركة عقائدية ذات نواه سلالية صلبه لكن المؤتمر سينهار او يصبح في أفضل الأحوال جناحا تابعا للحوثيين.
يريد صالح المفاوضات حالا ليستعيد قوته وبهلوانياته لكن المفاوضات صعبه والسعودية تعتبره عدوها الأول قبل الحوثي.
يجد صالح نفسه محاصرا بين حرب تستنزفه بسرعه وحل سياسي بعيد المنال وحليف بنتظر اللحظة المناسبة للانتقام من ويلات ست حروب خاضها ضدهم.
 
أما الحوثيون فقد دفعوا ثمن أوهام القوة غاليا واستنزفوا ارواح آلاف المقاتلين في جبهات قتال عبثية لم يكن لاغلبها أي قيمة سياسية.
كما أنهم فقدوا مصداقيتهم بعد حجم الفساد الهائل لقياداتها والمحسوبين عليها والاستهتار بأقوات البسطاء.
صار الحوثيون متورطون في اقتصاد الحرب اكثر من اهتمامهم بالقتال متحولين الى أمراء حرب جدد تشكل الحرب مجالا حيويا لنموهم وبقائهم.
لكنهم بعد فقدان مصداقيتهم وخسارتهم للجنوب ومأرب واجزاء من الجوف صاروا يعرفون انهم عاجزين عن خوض حرب بلا نهاية وبأن التسوية قد تكون آخر فرصهم للبقاء او الاندحار.
لكن مشكلة الحوثيين انهم مهما حققوا من مكاسب بالتسوية السياسية لن تكون إلا قطرة بسيطة مما حققوه بالقوه. فمن سيتخلى عن دولة بأكملها كع جيشها وأموالها من أجل التحول الى مكون سياسي سيفوز بمقاعد محدوده في الحكومة.
كما أن الخوف من الإنتقام يشكل هاجسا مرعبا لهم بعد كل ما مارسوه من تفجير للبيوت وقصف للمدنيين وخطف وتعذيب.
هذا يجعل مسألة تسليم السلاح بالنسبة لهم اشبه ما يكون بخطوة أولى نحو حبل المشنقة.
كما انهم يتحالفون مع عدوهم السابق (صالح) الذي ينتظر الفرصة المناسبة لازاحتهم من المشهد ويختلف معهم في كل إجراءاتهم الداخلية وبدأ يحس بالتهميش بعد ان سيطرة النواة الهاشمية على مفاصل الدولة.
 
لكن هذه ليست كل مشاكل جنيف 2. المشكلة الاهم انها تتم في غياب كامل للسعودية والإمارات وإيران التي لن توافق على اي تسوية لا تخدم مصلحتها وتضحياتها وتعالج مخاوفها.
وما لم يكن هناك مسار واضح يتوافق فيه المحلي مع الإقليمي فلن تكون قرارت جنيف اليمنية أكثر من حبر على ورق.
هذه هي تعقيدات جنيف 2 بين حرب مستحيله وسلام صعب ومعقد تشابكه خيوطه حتى احكمت قبضتها على رقاب كل الفرقاء.

من حائط الكاتب على موقع فيس بوك

التعليقات