في ختام أسبوع المفاجآت الذي غادرناه أعلن أبومازن في رام الله أنه يعرف من قتل عرفات، حدث ذلك أثناء مشاركته في فاعلية إحياء الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد الزعيم الفلسطيني الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في ١١ نوفمبر عام ٢٠٠٤ بأحد مستشفيات باريس، ومنذ ذلك التاريخ والاتفاق منعقد على أن أبوعمار مات مسموما وأنه لم يمت ميتة طبيعية. وحتى اللحظة الراهنة فإن جريمة قتل الرجل لا يزال يكتنفها غموض مريب، فالسلطات الفرنسية التي استقبلته في أحد مستشفياتها تكتمت على أسباب الوفاة، في حين كشف تقرير استقصائي بثته قناة الجزيرة عن أن سما تسرب إلى جسد الرجل، وأن آثاره ظهرت في بعض متعلقاته، وبالأخص غطاء رأسه، إلا أن السؤال الذي ظل بلا إجابة أصبح: مسن قتل الرجل؟، وليس: كيف قُتل؟
طوال ١٢ عاما ظلت الجهات المختصة في السلطة الفلسطينية تجري تحقيقاتها بحثا عن إجابة السؤال، إلى أن وقف أبومازن متحدثا في رام الله يوم الخميس الماضي «١١/١٠» وقال إن التحقيقات في استشهاد أبوعمار مستمرة، وسوف تتواصل حتى نصل إلى معرفة القتلة، ثم أضاف: إذا سألتموني فإجابتي أنني أعرف من قتله، ولكن شهادتي لا تكفى، ثم استطرد قائلا إنه لابد للجنة التحقيق أن تنجز مهمتها، وسنصل إلى النتيجة في أقرب وقت وحينئذ ستدهشون حين تعرفون من الفاعل.
حين أطلق أبومازن قنبلته ــ أضافت وكالة صفا الفلسطينية للأنباء ــ تعالت هتافات الحضور ضد القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، في إشارة موحية بأنه أحد الضالعين في جريمة قتل أبوعمار بالسم.
هذه المعلومة الخطيرة التي احتفظ بها أبومازن طوال ١٢ عاما، ثم أعلنها على الملأ في مناسبة إحياء ذكرى وفاة الزعيم الفلسطيني تثير الحيرة والدهشة ذلك أن مصدرها هو رأس السلطة الفلسطينية، وما كان له أن يعلنها إلا إذا كان واثقا مما يقول. إذ يفترض في هذه الحالة أن الرجل مطلع على مجريات التحقيق الحالي في الموضوع، وإذا كان متأكدا مما يقول فذلك معناه أن التحقيق وصل إلى نهايته أو كاد.
وما يحير في الأمر أن السيد عباس فجر الخبر في أجواء صراعه المحتدم مع غريمه محمد دحلان الذي تعالت هتافات الحضور ضده بعدما قال أبومازن كلامه. وهو ما لا يدع مجالا للشك في أن الذين هتفوا لديهم اقتناع بأن الرئيس الفلسطيني يشير إليه في كلامه دون أن يعلن عن اسمه صراحة. وإذا صح ذلك فإنه يثير سؤالا كبيرا عن علاقة الإعلان الذي احتفظ به أبومازن طوال ١٢ عاما بمعركته الراهنة مع دحلان التي استخدم الطرفان فيها العديد من الأسلحة المشروعة وغير المشروعة.
تزداد حيرتنا حين نعلم أن أبومازن نفسه اتهمه أبواللطف «فاروق قدومى» في عام ٢٠٠٩ بالاشتراك في قتل عرفات (كان أبواللطف رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير وأمين سر حركة فتح، وقد سحب كلامه لاحقا بعد إعفائه من منصبه واسترضائه)، ثم حين نعلم أن أبومازن ومحمد دحلان كانا في السابق على خلاف وخصومة مع أبوعمار، ويقول المقربون من القائد الراحل إن الإسرائيليين كانوا وراء تحدي الرجلين له، وقد نشر في رام الله في الأسبوع الماضي الخطاب الذي قدمه أبومازن إلى أبوعمار للاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء في عام ٢٠٠٣، وفيه اعتبر أن عرفات يشكل عقبة أمام عمل حكومته، الأمر الذي فتح الباب لشن حملة تحريض أمريكية وإسرائيلية ضد القائد الراحل. ومما ذكره أبومازن في خطابه أن حكومته تعرضت لأبشع أنواع التحريض والتشويه. واتهم أبوعمار بأنه أراد الإبقاء على حكومته لتصبح مشجبا تعلق عليه الأحقاد باستخدام أسلوب التضليل وحرق الحقائق، وختم صاحبنا خطاب استقالته لعرفات بقوله ما دمتم مقتنعين بأنني كرزاي فلسطين وأنني خنت الأمانة ولم أكن على قدر المسؤولية فإنني أردها إليكم لتتصرفوا بها.
هذه الخلفية تخلط علينا الأوراق والخطوط بما يجعل أبوعمار مثيرا للجدل واللغط حيا وميتا. فضلا عن أنه يكاد يقنعنا بأن صراع الداخل الفلسطيني أصبح أكثر ضراوة من الصراع ضد العدو الإسرائيلي.
*الشرق القطرية