حقوق الأمة بين رياح التغيير وبقاء السلاطين
الخميس, 18 أبريل, 2019 - 08:16 مساءً

{ عندما تقود الحكومة الشعب إلى الخراب بشتى الوسائل و الإمكانات يصبح عصيان كل فرد من أفراد الشعب حقًا من حقوقه، بل واجبًا وطنيًا }.
 
استهل مقالتي هذه بكلمة الزعيم النازي هتلر، والتي تمثل لسان حالنا للاسف الشديد، وأنا هنا بطبيعة الحال لست مع سياسته وما خلفه من دمار وقتل.
 
لا يخفى عليكم أن الربيع العربي الذي انطلقت شرارته في تونس في أواخر 2010م وكانت نهايتها بتنحي الرئيس زين العابدين بن علي، ثم تلتها ثورة مصر في بدايات 2011م وبالتحديد 25 يناير، التي أدت كذلك إلى تنحي الرئيس حسني مبارك، فالثورات قامت في هذين البلدين لا لشيء إلا بسبب الظلم الذي طغى على شعبيهما مما ولد انفجاراً مدوياً اطاحت بهما، ولم يتوقف الامر على ذلك، بل زادت الأوضاع مأساوية عندما قامت ايضا ثورات في اليمن و ليبيا وسوريا، قُتل على إثرها مئات الآلاف وشُرد الملاين خارج بلدانهم، ولا زال الوضع في معناة مستمرة حتى اللحظة.
 
خلال الاسبوع المنصرم سقط الرئيسان بوتفليقة والبشير اللذين لم تفصل بينهما سوى ايامٌ قلائل، ولا زالت الشعوب حتى اللحظة مستمرة في إعتصامها وثورتها السلمية حتى يجتثوا شأفة الفساد من جذوره، و الذي بسببه عان الكثير من شدة الفقر والعوز وسوء الخدمات وإستشراءه حتى نخر بكل زوايا البلاد. والأسوء من ذلك زيادة الهوة بين الفقراء والأغنياء وإضمحلال الطبقة الوسطة، مع غياب وصمت حكومي لسنوات طويلة عصفت بموارد البلاد، دون ايجاد حلول تذكر لرأب الاوضاع الاقتصادية المتدهورة، حتى غدت دول كرتونية آيلة للسقوط، و هذا ما يتمناه المتربصين بالامة. فكان لابد من هذه الهبة لهز عروش الطغاة وازاحتهم، فأوروبا ليست ببعيدة منا فلم يكن حالها باحسن مما نحن عليه منذ قرنيين من الزمن، فقد عانت الشعوب هناك من ويلات الفقر والعوز والظلم، فما كان منها إلا وإنتفضت وكسرت حاجز الذل و خلعت ابواب الطغاة و رمت بهم في مزابل التاريخ. هذا يؤكد لنا أن الحقوق لا تأتي على طبقٍ من ذهب، بل تُنتزع بالقوة، والسكوت على ظُلمنا هو بحد ذاته جرم وذنب يُحسب علينا.
 
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أحد خطبه : { إن رأيتم في إعوجاجا فقومه }، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي يُِضرب به المثل في عدله بين الناس، لم ينزه نفسه، بل طلب من الرعية أن يذكّروه إن حاد عن طريق الحق. فالثورات هي أساس من أسس التشريع للمطالبة في الحقوق المهدورة، فليس هناك فئة فوق القانون و منأى عن الحساب، الكل تحت مسطرة التساوي حتى الحاكم نفسه، فليس هناك حُكم مطلق، بل هناك حساب مستمر ومراقبة من أهل الحسبة وإن عجزوا في حينها، يأتي دور الشعوب لتصحيح المسار.
 
الثورات السلمية المطالبة بالحق تُعتبر أخر خيار يُتخذ عند فشل كل الأدوات، ولكن ما يحبطنا في عالمنا العربي أن الثورات لم يكتمل لها النجاح بعكس ما حدث ويحدث حتى الان في أوروبا، وما ذلك إلا لتدخلات خارجية محاولة دون نيل الشعوب مطالبها. ليس ذلك فقط، بل يصل الامر إلى دعم أجهزة الطغاة لبقاءها حتى وإن تطلب الامر سحق جمام الثائرين، كما أفتى بعض الناعرين لهم من شيوخ الجامية في بدايات الربيع العربي.
 
سؤالنا، من هم وما مصلحتهم في ثني الشعوب عن مطالبها وإفشال ثوراتها؟ . فالاموال تبدد والهمم تستنهض ضد الحق، وتستمر الفوضة ويستمر غرس الفتن بين الأخوة، وكأن ذلك هو المبتغى و عدم إرساء السلام. والغريب في الامر أن الامم المتحدة تشمر عن ساعديها عندما توشك الامور أن تُستتب، فتبدأ ببث تدليساتها وتصريحاتها التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والهدف منه تعقيد الوضع وزرع الخلاف. ويأتي دور حامي الحماة الجيش لانهاء السيناريو عندما يشتد حمى الوطيس ولا مفرإلا بعزل الرئيس، في محاولة بائسة لخطف الثورة ووأدها للحيلولة من إستلام زمام الحكم من هم أهلٌ لها. ولكن ما نلحظه حتى اللحظة أن الشعب الجزائري والسوداني مادين حتى يقتلعوا كل رموز الفساد والخيانة من جميع اجهزة واركان الدولة حتى الجيش نفسه. فالحيلة لم تعد تنطلي عليهم فهم مدركون أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. أما المتطفلون الذي دأبوا في تجيش الخونة في ظل صمت أممي واضح، فإننا نؤكد لكم سيأتي دوركم حينما تنتهي الثورة وتدرك شعوبكم كم هم كانوا قابعون في الوهن و الاستعباد والذل الذي زينها لهم شيوخ الجامية.
 
فثورة يناير 25 بمصر نجحت مع وقف التنفيذ، وكانت بها ولادة أول إنتقال سلمي من الجيش الى الحكومة المدنية عبر عملية تصويت نزيهة لاختيار الرئيس المناسب، والذي نجح فيها الاخوان بنسب متفاوتة كادت أن تقترب من المرشح الثاني. ولكن بسبب غياب الحنكة السياسية لديهم وعدم السيطرة على مفاصل الحكم كما ينبغي تم استمالت الشارع ضددهم مما شجع الجيش للانقلاب وخلع مرسي ضمن سيناريو مفضوح يخدم اجندة خارجية، هدفها ابقاء مصر هزيلة وتحت السيطرة. فالامر لازال فيها سجالٌ بين كرٍ وفر، بين الحق والباطل ويستمر الوضع في مصر تحت صفيحٍ ساخن، لا يعلم نهايتها غير الله.
 
أما الثورة في سوريا كانت مأساوية إتفقت الامم على عدم التنازل عن الاسد ونظامه الذي يعتبر صمام الامان لابنتهم المدللة إسرائيل، مستخدمين ذراعهم في المنطقة الغير معلن الدولة المجوسية إيران، ودخول وريثة الشوعية روسيا على الخط، محاولين جر تركيا بشتى الوسائل إلى ميدان الاقتتال لاستنزافها إقتصاديا، ولكن حنكة القيادة بها حالت دون ذلك.
 
أما في الاردن كادت الثورة تندلع على نطاق واسع لولا دهاء القيادة لديهم بلفت إنتباه الشعب نحو القدس وتوظيف الدين لإستعطافهم، لكانت الان في خبر كان و أخواتها. وفي الختام نؤكد لكم يأولي الالباب، أن رياح التغيير قادمةٌ لا محالة على نطاق واسع في الوطن العربي، ودوام الحال من المحال. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 

التعليقات