مقتل قاسم سليماني بين الواقع وضياع الحقيقة
الثلاثاء, 07 يناير, 2020 - 09:17 صباحاً

استيقظ الناس فجر يوم الجمعة الماضي على خبر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني بالعراق قاسم سليماني بين مصدق ومكذب وبين شامتٍ ومعزيٍ، كل يرى المشهد حسب مصالحه وأوجاعه. خبر مقتله كان مفاجئا ومقلقاً في نفس الوقت، لم يكن أحد يتوقع ذلك، خصوصا بعدما أصبح له نفوذ وشهرة فاقت نفوذ وشهرة المرشد الأعلى الإيراني خاميني، ليس ذلك فحسب بل أصبح أيضا يشكل مصدر قلق لإيران والولايات المتحدة معاً لامتلاكه خزينة من الأسرار التي تفضح العلاقة الخفية بينهما بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش". ولا ننسى دوره المحوري في تكوين مليشيا الحشد الشعبي وتخطيط أجندة الاغتيالات ودعم غير متناهي لنظام بشار الأسد في سوريا، كما أن دائرة نفوذه اتسعت لتشمل اليمن لدعم المنشق الحوثي الذي عاث في الارض فساداً وتدميراً.
 
ولا يخفى عليكم أن إيران أبدت قلقها في منتصف الشهر المنصرم عن احتمال تصفيته من قبل المليشيات السنية المتنامية والمعارضين على حكومة بغداد، وخصوصا الشيعة العرب، الذي بدى لهم أنه العدو الأول ضد مصالحهم الوطنية، وأن القبض عليه حياً قد يجر إيران إلى متاهات قانونية هي في غنى عناها وخصوصا تكالب الأمم المتحدة على برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم الذي أصبح حديث الساعة. وهناك أصوات تتعالى في الساحة مشككة في الدوافع من تصفيته معتقدة أن دمه هدر بين الولايات المتحدة وإيران لدفن الصندوق الأسود معه الذي يحتوى على جرائم وتجاوزات تصل إلى حد جرائم حرب في حق العراق وسوريا واليمن.
 
مقتل قاسم سليماني هو تحدٍ للمنطقة بأكملها قد يتأجج الوضع أكثر مما هو عليه. فالمنطقة لا ينقصها هرجٌ ومرجٌ، والذي يده في النار ليس كمن يده في الماء، المنطقة اكتوت من ظلم الولايات المتحدة، واكتوت من عنجهية وخبث إيران التي تحاول أن تعيد مجدها التليد أيام الجاهلية، ولكن هذه المرة تحت عباءة الإسلام. إيران ازبدت وأرعدت وتوعدت أنها ستنتقم شر انتقام، وهل ستكون عند وعدها كما وعدت أمريكا ونفذت بجعل إيران تدفع الثمن غالياً بعد الهجوم على سفارتها من قبل ثائرين عراقيين ببغداد، أمّ كل ذلك ذر الرماد في العيون حتى تبعد عنها الشبه. أمل الشعوب العربية في المنطقة التي أنهكتها وسحقتها صراعات الفيلة أن يتم تحكيم العقل والحكمة وعدم التصعيد.
 
السؤال الذي يطرح نفسه ؛ هل البنتاغون الأمريكي عزم النية لإخراج إيران من مسرح العمليات العسكرية بالعراق؟ وهل انتهى دور إيران في العراق حسبما تراه واشنطن؟، وفي المقابل نلاحظ قدوم المزيد من قواتها في الشرق الأوسط، حيث قامت بإرسال عدد 3000 جندي في منتصف عام 2019م، ثم قررت لاحقا ارسال دفعة آخرى تزيد عن 3800 جندي، فضلاً عن رسو حاملة طائرات واسطول بحري في الخليج العربي، وإضافة إلى تواجد خمسة الآف جندي بالعراق مدججين بأسلحة ثقيلة وغيرهم في القواعد الأمريكية المنتشرة في كلٍ من قطر والإمارات والسعودية وافغانستان، وكذلك استخدامها لقاعدة إنجرلنك الجوية في تركيا والتي كانت تستخدم لضرب قوات صدام في حرب الخليج الثالثة.
 
بات الأمر مريباً نوعاً ما وفيما يبدو أن الوضع قد يكون أكبر وأعمق خطورة عن مقتل قاسم سليماني، الذي كان مصدر ازعاج وتعطيل. أمريكا بات يقلقها تنامي قوة تركيا وزيادة نفوذها في المنطقة وخصوصا بعد ترسيمها الحدود البحرية مع ليبيا وإقدامها على زيارة تونس التي انتخبت مؤخراً رئيساً جديداً ذو توجهات عدوانية للكيان الصهيوني، والأكثر قلقا هو مساندتها لحكومة الوفاق اليبي عسكرياً، مبعثرةً بذلك أوراق البنتاغون وخططه في المنطقة وتضيق نفوذه في الشمال الإفريقي، والتي كانت ترى الولايات المتحدة أن ليبيا هي المدخل المناسب لبسط سطوتها.
 
كما أن أن انتشار تركيا في المناطق المحررة ودعم حكومة الوفاق ضد تحالف العدوان الثلاثي الذي يحارب بالإنابة عن الولايات المتحدة، (قوات حفتر ومصر والإمارات) سيقوض أجندتها وخططها، ولا يخفى عليكم أن الجنرال حفتر هو أحد موظفي وحدة المخابرات الأمريكية ومبتعث منها لتأمين مصالحها. وفي الجانب الآخر طلبت من التحالف في اليمن لتهدئة الوضع والدخول في مفاوضات دوبلوماسية وحل الأزمة سياسيا للحيلوة دون ترك مجال للتدخل التركي، وتصفية قاسم سليماني سيجعل الحوثيين يعيدون حساباتهم ويقبلوا بالتهدئة، فهم ليسوا بمنأى عن قناصة أمريكا.
 
إن ما يحدث حاليا في العراق إن لم أبالغ هو محاولة خنق تركيا وزيادة مخاوفها، لإشغالها والحد من تنامي نفوذها، وخصوصا أن وفداً من حكومة هادي الشبه منشق عنه قام مؤخراً بزيارة تركيا وإبرام بعض العقود لإعادة بناء أنقاض الحرب وقد يشمل اتفاقهم لاحقا دعماً عسكرياً وهذا احتمالٌ وارد. سؤالنا هنا، هل اليمن ستغدوا ساحة تتنافس عليها كلٌ من أمريكا وتركيا ؟، فطموح واشنطن في المنطقة هو تنفيذ خطة برنارد لويس المستشار اليهودي سابقا لدى البيت الأبيض في تقسيم الدول العربية من مجزء إلى مجزء أصغر ليسهل على إسرائيل بلعها عندما تقرر توسيع رقعة إحتلالها ونهب ثروات الشعوب العربية، واليمن هي الأرضية الخصبة لبدأ بتنفذ المشروع الصهيوني التقسيمي واستنساخه إلى بقية الدول العربية.
 
فمتى أنظمتنا العربية المحترمة تستيقظ من سباتها السرمدي وتدرك أن أمريكا لا ترعى سوى مصالحها وليس لها صديق، ولنا عبرة في مقولة وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق في إحدى مذكراته إذ قال: " في السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم هناك مصالح دائمة". والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
 

التعليقات