قبل يومين نشرت مقال يتحدث عن فقدان السعودية بوصله الحرب في اليمن وتلك حقيقة لا يختلف معي فيها أي قارئ، الغريب في الامر هو عدم نشر في المواقع والصحف الالكترونية والتى في العادة انشر فيها بشكل طبيعي..
تواصلت بأكثر من رئيس تحرير لكن دون فائدة، وكان رد أحدهم: "مستعد انشر لك أي مقال شرط لا يكون موجهه للسعودية لأن ذلك سيغلق الموقع"، وهو معذور، لإن فشل المملكة عسكريا في اليمن بعد ثمان سنوات من الحرب العبثية، وتدخلها باسم التحالف العربي لدعم الشرعية، دفعت باللجنة الخاصة وسفيرها لدى اليمن، بالعمل من أجل السيطرة على وسائل الإعلام عمومًا وعلى الصحافة بشكل خاص، والتي يُطلق عليها "السلطة الرابعة"، وخصصت لذلك ميزانية كبيرة، وعملت من خلالها على شراء الأصوات الإعلامية ومولت المواقع الصحفية حتى باتت أغلب وسائل الإعلام اليمنية تحت سيطرتها الكاملة.
السعودية تسعى، من خلال السيطرة على الإعلام اليمني، لتغطية فشلها عسكريا، وصناعة انتصارات إعلامية وهمية، بالإضافة إلى التبرير لجرائمها التي ارتكبتها في اليمن خلال سنوات الحرب باسم "التحالف العربي".
وللتوضيح أكثر، نحن بشكل عام عندما نتقد ونكتب عن السعودية، نكتب عن حقائق وعن واقع وعلينا أن نوضح ذلك اللبس.. لدى المملكة مخاوف عجزت الدبلوماسية اليمنية والسياسيين اليمنيين على تبديدها طول الفترات الماضية، وحان الوقت للخروج من ذلك الوحل والوهم الذي يعيشون فيه.
شعور السعوديون الدائم بأن الخطر المحدق بهم من جهه اليمن ليس صحيح، بل مجرد أوهام تولدت بفعل موروث ماضي مبنية على حزاوي تاريخية ومقولات غير مجدية في حاضرنا، والحقيقة ان السعودية تتعامل مع اليمن كقضية سياسية وملف من ملفاتها في إدراج اللجنة الخاصة لم يعود خفي؛ فالملف اليمني كان بيد الامير سلطان وهو المسئول عليه داخل ادراج اللجنة الخاصة، ويعتبر حلقة الوصل بين مؤسسة الحكم في السعودية والنخب القبلية المعروفة في اليمن.
بالعودة قليلا إلى الماضي، قبل الربيع العربي وتخلي الرئيس الراحل صالح عن الحكم، كانت عندما تتوتر العلاقات بين اليمن والمملكة تظل قناة التواصل عبر المشايخ مفتوحة، وتقريبا حصل ذلك مرة وحدة فقط بعد حرب صيف 1994، ولم تصل العلاقات الى القطيعة النهائية أبدا، وسرعان ما تم إعادتها وتلاه اتفاقية ترسيم الحدود في عام 2000، وظلت العلاقات بشكل حذر ولم تنفتح السعودية على اليمن بشكل عام، ولم تستطيع الدبلوماسية وقتها من تبديد ذلك، وازاله المخاوف أو حتى القدرة على مناقشتها .
في شهر رمضان من العام 2018 كان هناك مقابلة في برنامج "من الصفر"، مع آل جابر سفير المملكة في اليمن، تحدث فيها بشكل عميق جدا لكن القارئ اليمني لم يأخذ من المقابلة غير "حرم السفير" كنكاية بهروب على محسن، وكان ضمن حديث السفير إنه كان يتواجد مع المشايخ في مارب وكان وقتها ليس سفير بعض النظر عن نوع تلك الزيارة، لكن مضمونها معروف ان السعودية كانت تتعامل مع اليمن عبر منظومة المشائخ القلبية ولم يكون التعامل عبر المؤسسات لا يتجاوز 10%فيما يخص البروتوكولات، ومعظم اللجان التي كانت مشكلة كانت شبه مجمد عملها وهذا فشل وقتها للحكومة اليمنية، ولمؤسسة الرئاسة بشكل خاص في ذلك الوقت.
استراتجية السعودية للتعامل مع دول الجوار بشكل عام مبنية على حذر وتشعر ان الخطر من جيرانها وتلك قاعدة خاطئة ولهم في العراق تجربة ليست ببعيدة..
خلاصة الحديث؛ كان بإمكان السعودية الاستمرار في فرض السيطرة كما كانت العادة قبل عام 2015 عبر الأدوات السابقه، لكن الربيع العربي والخلافات بين أدواتها في اليمن وموت الامير سلطان الذي كان يدير الملف الخاص باليمن في "اللجنة الخاصة" بالإضافة إلى كشف الشخصيات المؤثرة والتى كانت القنوات معاهم لا تنقطع حتى في أوقات توتر العلاقات كل ذلك أفقد المملكة الكثير من تأثيرها في الملف اليمني، وخسرت الرياض لتك الأدوات أدخلت الحرب باليمن بشكل هستيري وتخبط وتسبب ذلك في فقدانها البوصله و الاستراتيجية الاساسية وجعلها تعيش حالة من التخبط حتى وان كانت لا تتظاهر بذلك، لكن القارئ يستطيع ان يستنتج ذلك وحتى على مستوى الجنوب فقدت التاثير وبشكل كامل في الملف هناك وكل ماهو حاصل مجرد ضغوط تمارسها على الفرقاء عبر الوسطاء والترغيب والترهيب لحفظ ماء الوجهه وعدم الظهور بالشكل الذي يظهرها انها عاجزة وفقدت الكثير من الوقت والجهد ولم تحقق اي نجاح لا على المستوى السياسى ولا الانساني ولا العسكري فالمركز الذي تحت رئاسة السفير السعودي لم يقدم شي يذكر في الواقع يمكن ان يشفع للسعودية للتنصل من اعادة الاعمار و مايقوم به مجرد اعادة تأهيل لمباني اساسا موجودة.
للإضافة، بعد نشر المقال السابق، كانت (زميلة) من عدن نشرته عبر موقع اخباري وشاركت الرابط في تويتر بعدها باقل من ربع ساعه تواصل بي كاتب سعودي مرموق، وهو زميل وتربطها به صداقه وكثير ما نتناقش عن اليمن والسعودية ونخوض في نقاشات لانهايه لها ولدية خلفية متكاملة عن الاحداث التى مرت بها اليمن من الثلاثينات والستينات وما تلاها في السبعينات والمصالحة اليمنية اليمنية، وحتى عن الحرب الاخيرة، وتحدثنا اكثر من ساعه عن دوافع المقال وان وجهة نظري ليست في محلها ولم نصل الى نهاية للنقاش وهذا شي طبيعي هو يريد أن يبرر لبلده ويعمل على تبديد المخاوف كم هو طبيعة كل كاتب يعمل لصالحه وطنه.
جميع المعطيات تؤكد أن النخب اليمنية المقيمة في البلاط الملكي، لم تخوض -منذ بدء إقامتها في الرياض وحتى اليوم- نقاشا مفتوحا مع الكتاب أو النخب السياسية في السعودية، لتعبير عن المخاوف التى لديهم رغم معرفتهم وإدراكهم لذلك من الجانب السعودي، وهو ما يؤكد أن النخب السياسية اليمنية لازالت أسيرة الماضية، ولم تستطيع تبديد وإزاله المخاوف أو حتى القدرة على مناقشتها.
*ملاحظة المقال السابق نشر في ثلاثه مواقع اخبارية وهي غير خاضعه : "المصادر نت" و"سماء نيوز "و "الحصيلة نت"
*من حائط الكاتب على فيسبوك