تعز، المدينة التي لطالما كانت ملزمة بالتضحية من أجل اليمن دون أن تنال شيئًا في المقابل، تجد نفسها اليوم في موقف مشابه مع زيارة مجلس الرئاسة، لم يحمل التاريخ لها سوى التضحيات دون تكريم يُذكر، فقدمت للثورة والحرية دون أن تُكافأ.
للذين يتفاءلون بزيارة مجلس الرئاسة إلى تعز، الذي يفتقر لصلاحيات حقيقية، هم أنفسهم الذين نسوا أن الرئيس السابق علي صالح أهمل تعز وحول ميناء تعز، أقدم ميناء في العالم، إلى ميناء لتهريب الخمور. طارق عفاش هو أحد أعضاء المجلس الرئاسي، بل هو الطرف الأقوى والمدعوم من دولة الإمارات التي تهيئ الظروف المناسبة له لإعادة أسرة عفاش للحكم، مستهترة برجالات اليمن وكأن في اليمن ليس هناك غير أسرة عفاش.
كيف تتوقعون من هؤلاء أن يكون هناك تغييرًا وتاريخهم مليء بالفشل الذريع؟ طارق الذي حول المخاء إلى مقاطعة له ولدولة الإمارات يريد منا أن نحبه ونستبشر منه خيرًا. نرجو منك يا طارق أن تحترم عقولنا. رغم أني شخص متفائل، لكن في هذه النقطة متشائم. نقول: سقف توقعاتنا معروف قبل أن يبدأ المجلس زيارته لتعز. كونوا واقعيين. لا أحد يهتم بمشاكلكم سوى أنفسكم. الزائر الذي يحمل لقب "رئيس" ليس لديه السلطة الفعلية لتحقيق أي تغيير. تساءلوا: ماذا قدم رشاد العليمي أو معين عبد الملك أو عبد العزيز عبد الغني لتعز خلال فترة حكمهم؟
الموضوع ليس في الشخصيات التي تحكم من تعز ولكن ما هو أهم: هل تسمح الهضبة والتحالف والجنوب لرجل من تعز أن ينهض بتعز واليمن قاطبة؟
تعمدت دولة الإمارات إفشال الدكتور رشاد العليمي ووجهت له ضربات موجعة إن لم تكن قاضية. أولها، إلغاء قرارات البنك المركزي، التي كشفت عجزه وعجز مجلسه الرئاسي. ثانيها، زيارته الأخيرة لحضرموت، حيث لم يُستقبل بحفاوة بل كان مثارًا للسخرية. وثالثها، اقتحام شقة موظفيه في عدن، وما تبع ذلك من إحراج علني. بعد الهزائم والتحديات، يعود إلى تعز بعد أن تلقى عدة ضربات متتالية.
بعد تلك الهزائم، تذكر العليمي جذوره في تعز، وقرر زيارتها بحثًا عن إعادة الاعتبار لنفسه لا للمدينة التي تستحق، يريد أن يقدم نفسه مقبول شعبيا بعد الصفعة التي تلقاها في حضرموت،لكن هذه الزيارة لن تقدم شيئًا لأنها شخصية أكثر منها خدمية، كيف يمكنه إذًا أن يقدم خدمات ملموسة لتعز وهو بلا صلاحيات ورئيس لا يحمل من الصلاحيات غير صفة الرئيس التي أصبحت الآن محرجة له وأصبح يفكر في تقديم استقالته.
تعز، التي كانت دومًا تقدم وتضحي، لم تحصل يومًا على مقابل يليق بتضحياتها. كانت مهداً للثورة السبتمبرية في 1962، حيث قدم أهلها كل ما لديهم لإنجاح الثورة. ومع ذلك، لم يُكرم أحد من أبنائها، ولم تُسمى الشوارع والمدارس بأسماء أبطالها. كذلك كان الحال في ثورة أكتوبر المجيدة لتحرير الجنوب اليمني، حيث قدّمت تعز الكثير، لكنها قوبلت بالجحود والنكران.
على الأرض، لا تبدو الأمور مبشرة. فعلى الرغم من الوعود المتكررة بالتغيير والإصلاح، ما زالت تعز تعاني من الفساد المستشري، والأوضاع المعيشية الصعبة، والنقص الحاد في الخدمات الأساسية. وللأسف، تبدو زيارات المسؤولين الرفيعي المستوى كأنها مجرد مناسبات لزيادة الانقسام السياسي والتربح الشخصي، بدلًا من كونها خطوات حقيقية نحو الحل ونحو انصاف تعز وتضحياتها وتاريخها.
إن التاريخ هو أستاذ الحاضر، كما يقال، وكفيل بأن يكشف الحقيقة ويُظهر من يسعى بصدق لخدمة الوطن ومن هو مجرد مجلس رئاسي قراره ليس بيده، بل بيد دولة لا تريد لليمن خيرًا وهي القوى الفاعلة. لكن حتى ذلك الحين، سيظل المواطن اليمني، وخاصة في تعز، يعيش على أمل في تغيير قد لا يأتي قريبًا، ما لم تكن هناك إرادة حقيقية وقرار شجاع بتحقيق هذا التغيير.
يا أهل تعز، عليكم أن تدركوا أنكم لن تنالوا شيئًا من هذه الزيارات سوى خيبة الأمل. واقع الحال مرير، والتغيير لن يأتي إلا بإرادة حقيقية وإصلاحات جادة تتجاوز الشكليات البروتوكولية وتصب في مصلحة المدينة وأهلها.