بكل ألم، وبحسرة لا تُوصف، نكتب اليوم عن طيّار كان من المفترض أن تُرفع له القبعات، لا أن يُلقى به إلى قعر النسيان والإقصاء، حتى اختار الموت على حياة الذل والإهمال. إن رحيل العميد الطيّار أشرف أسعد ليس حادثة عابرة، بل جريمة ترتكبها شرعية مأزومة ضد أبنائها المخلصين، ووصمة عارٍ على جبين قيادة باتت لا تميّز بين العدو والصديق، بين الفاسد والمخلص، بين اللص والجندي الذي باع عمره من أجل وطن يبادله النكران بالجحود.
مأساة الطيّار.. عنوان لفصل جديد من خيانة الشرفاء
العميد شرف أسعد، القائد النزيه، الضابط الشريف، الرجل الذي لم تغره المناصب ولم تفسده الامتيازات، اختار الوطن والانتماء لترابه، ورفض الاصطفاف الحزبي، فقوبل بالإقصاء، بالتهميش، بالتجويع حتى الموت! كان قائداً لمعسكر مره في اللواء 21 ميكا، قاتل بشرف، جُرح أكثر من مرة، واستُشهد ابنه صخر وهو يحمل المصحف في قلبه والبندقية في يده، ثم ماذا؟!
هل جزاء التضحية الإبعاد؟ هل جزاء الوفاء الانتحار؟ هل تحوّل الوطن إلى سلعة لا يُمنح فيه التقدير إلا لمن رفع شعارات الولاء المزيفة وانتمى لمافيات النهب والمحسوبية؟!
قيادة الشرعية.. أنتم من يدفع الأبرياء إلى الهاوية
أيها القادة، يا من تمتلئون بالأوسمة والمخصصات والبدلات والسفريات، أما آن لكم أن تستفيقوا؟ أما رأيتم كيف تنتحر الكرامة في منازل ضباطكم؟ أما سمعتم أن الشرفاء يموتون قهراً لأنكم لا تسمعون، ولا ترون، ولا تعترفون إلا بمن يصفق لكم؟!
شرف أسعد ليس أول الضحايا، سبقه اللواء القشيبي، الذي تُرك وحيداً في عمران حتى سقط شهيداً، واللواء عبد الرب الشدادي الذي قاتل حتى استُشهد في صرواح، والجماعي، والمخلافي.. كلكم تركتموهم إما تحت نيران العدو أو في فخ التجاهل والتصفية الباردة.
أين العدالة؟ أين الوفاء؟
إن قيادة تفشل في احتضان أبطالها وتوفير حياة كريمة لهم، هي قيادة ساقطة أخلاقياً ووطنياً، لا تختلف عن العدو في شيء. فما الفرق بين رصاصة تطلقها المليشيا، ورصاصة يطلقها جندي في رأسه لأنه جُوّع حتى الموت؟
ما الفرق بين غدر الحوثي، وغدر الإقصاء والتهميش؟!
الشهيد الحي، العميد شرف أسعد، كان يستحق التكريم، الدعم، الراتب الذي يحفظ له ماء الوجه، الوظيفة التي تليق بتاريخه. لكنه بدل ذلك، وجد نفسه محاصراً بالديون، بالإيجارات المتراكمة، بالخذلان، حتى قرر أن يترك الدنيا ويصعد بشرفه إلى السماء، بعيداً عن وطنٍ لا يكرم أبناءه إلا بعد رحيلهم.
دعوة للضمير.. قبل أن ينتحر وطن بأكمله
نكتب لا من أجل البكاء على شرف أسعد فقط، بل من أجل إنقاذ ما تبقى من رجال يشبهونه في الجبهات، في البيوت المنسية، في المعسكرات المهجورة، نكتب لنقول: كفى خذلاناً، كفى موتاً في صمت، كفى دفناً للأحياء.
فإما أن تعيدوا الاعتبار لمن ضحّوا من أجلكم، أو استقيلوا وافسحوا المجال لمن لا يتاجرون بالشرف والبطولة.