[ تسعى الحكومة في عدن إلى استعادة سيطرتها على الوضع هناك ]
لم يغادر شبح ارتفاع الأسعار السوق المحلية في العاصمة المؤقتة عدن منذ منتصف فبراير المنصرم، بالرغم من الثبوت الشكلي لسعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية للأسبوع الثالث على التوالي والذي أعقب اجتماع إدارة البنك المركزي بملاك محلات الصرافة.
وكان الريال اليمني قد شهد منتصف فبراير المنصرم انهياراً بالغاً لم يشهده من قبل، حيث بلغت قيمة الريال السعودي أكثر من 110 ريال يمني، ومقابل 400 ريال للدولار الأمريكي الواحد، وهذا ما استدعى إدارة البنك المركزي للتدخل وعقد اجتماع موسع مع ملاك محلات الصرافة، وذلك لتثبيت سعر صرف الريال وإيقاف تهاويه.
وبحسب مصادر بالبنك المركزي، فقد خرج اجتماع إدارة البنك مع ملاك محلات الصرافة بأن يثبت سعر صرف الريال السعودي على 80-82 ريالاً يمنياً، فيما ثُبت سعر الدولار الأمريكي الواحد على 300 - 305.
إلا أن التزام ملاك محلات الصرافة بالأسعار التي وضعها البنك المركزي، بقي ضرب من الخيال، في ظل ضعف الرقابة وعدم إيفاء البنك المركزي بتعهداته التي قطعها، وفي مقدمتها بيع العملات الصعبة للتجار ولمحلات الصرافة بالسعر الرسمي.
قوت المواطنين
ومنذ اليوم الأول لتهاوي سعر الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، سارع تجار الجملة لرفع أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل خيالي، حيث بدأت نسبة الارتفاع من 10% لتصل إلى 40% في بعض السلع.
ومع تراجع أسعار الصرف وثبوتها بشكل شكلي في محلات الصرافة، بقيت أسعار المواد الغذائية مرتفعةً بدون انخفاض لأكثر من ثلاثةِ أسابيع، وكان ارتفاع الأسعار بدأ منذ منتصف فبراير الفائت.
ومؤخراً شهدت أسعار السلع تراجعاً محدوداً، لتبقى الزيادات المفروضة قائمة بشكل لا يتناسب مع الثبوت النسبي للريال اليمني، متسببةً في مضاعفة معاناة المواطنين وإغراقهم بمزيدٍ من الالتزامات.
القطيبي: ارتفاع جنوني
وتعليقاً على ذلك، يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة عدن الدكتور مساعد القطيبي " يتساءل الجميع عن أسباب عدم انخفاض أسعار السلع والخدمات خصوصاً بعد انخفاض أسعار صرف العملات الأجنبية أمام العملة المحلية وأهمها الدولار والريال السعودي والتي سبق وأن ارتفعت بشكل جنوني خلال الفترة الماضية مما تسبب في ارتفاعٍ جنوني بأسعار السلع والخدمات، بلغت في المتوسط 20% حسب بعض التقديرات".
ويتابع القطيبي حديثه لـ"الموقع بوست"" لتفسير ذلك "نقول إن مما هو متعارف عليه اقتصادياً أن أسعار الكثير من السلع والخدمات غالباً ما تكون أكثر مرونةً مع اتجاهات الصعود، لكنها أقل مرونة -بل جامدةً في أحيانٍ كثيرةٍ- مع اتجاهات الهبوط".
تحليل اقتصادي
وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن الدكتور مساعد القطيبي الأسباب التي تجعل أسعار السلع ثابتةً بالرغم من تراجع أسعار العملات، فقال "معظم السلع والخدمات يقوم التجار برفع أسعارها بمجرد ارتفاع سعر الدولار مثلا، على الرغم من أنهم قد اشتروها بالسعر المنخفض، ويمكن إرجاع ذلك لسببين:
الأول، أن ارتفاع الأسعار خصوصا للسلع التي تم شراؤها عند أسعار منخفضة تمكّن التاجر من الحصول على أرباح أكبر، وهذا هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه معظم التجار (الحصول على أكبر ربح ممكن).
الثاني، هو عدم اطمئنان التاجر للتقلبات التي قد تحصل في أسعار صرف تلك العملات، خصوصاً في الأجل القصير، وتجنباً منه في وضع زبائنه في مواقف متخبطة، والتي قد تولد عدم ثقة لديهم بالتاجر نتيجة التقلبات المتسارعة في أسعار تلك السلع، بالإضافة إلى أن تسعير تلك السلع يجب أن ينسجم مع أسعار المنافسين له في السوق، لذلك يلجأ التاجر الى المحافظة على أسعار مستقرةٍ نسبياً عند المستوى المرتفع الذي بلغته أسعار السلع عند ارتفاعها.
ويضيف "لا أتوقع أن تصاحب الانخفاضات النسبية التي طرأت على أسعار صرف العملات الأجنبية أمام العملة المحلية أي انخفاضات في أسعار السلع والخدمات ما لم تستقر أسعار الصرف في مستويات ثابتةٍ نسبياً".
ويشير إلى أن أسعار السلع شهدت خلال اليومين الماضيين بعض الانخفاض والتراجع، وهذا نتاج طبيعي للانخفاض الذي شهدته أسعار صرف العملات الأجنبية وأهمها الدولار والريال السعودي. وقال "لا أتوقع أن تلك الأسعار قد تعود للارتفاع خصوصا في ظل بقاء أسعار الصرف عند مستوياتها الحالية".
ويرى الدكتور القطيبي بأنه "طالما وهناك وديعة سعودية سيتم إيداعها في البنك المركزي بعدن كما أعلنت بذلك الحكومة الشرعية، فإن هذه الخطوة ستساعد على نشوء استقرار كبير في أسعار صرف العملة المحلية على المدى القصير، وهذا بدوره سينعكس بشكل إيجابي على أسعار السلع والخدمات".
نصر: سعر الصرف له دور
أما رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، فيقول في حديثه لـ"الموقع بوست" بأن تجاوز الحد المعقول في ارتفاع الأسعار يعود لعدة أسباب ومبررات، أبرزها هو عدم توفر النقد الأجنبي اللازم لاستيراد السلع من الخارج، لأن معظم السلع أو بالأصح 90% من السلع يتم استيرادها من الخارج.
ويضيف بأن التجار بحاجة للعملة الصعبة وذلك لشراء السلع واستيرادها من الخارج، ونظرا لتوقف البنوك عن تزويد التجار بالعملة الصعبة بالسعر الرسمي، يلجؤون لشرائها من الصرافين.
ويوضح رئيس مركز الإعلام الاقتصادي بأن نسبة الفائدة لدى الصرافين كبيرة وقابلة للمضاربة، وهو ينعكس سلبا على أسعار السلع، حد قوله.
ويلفت إلى أن هناك استقرار نسبي للدولار والريال السعودي، ويضيف "وهذا بكل تأكيد مهم لكن لن تكون آثاره الإيجابية بارزة إلا في حالة استمراره على نفس السعر لفترة طويلة".
وفي ختام حديثه، يذكر نصر بأنه ولكي تشهد أسعار السلع انخفاضا ملحوظا، يجب أن يتم توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع من الخارج.
مستدركاً "هذا يستلزم أداءً فاعلًا للبنك المركزي بالتعاون مع البنوك الخاصة والصرافين، إلا أنه لم يحدث حتى الآن".