يشخص أستاذ الإعلام بجامعة الحديدة الدكتور منصور القدسي واقع الإعلام في الحكومة الشرعية بدقة، ويشير إلى كثير من أوجه الخلل التي تكتنف جهاز الإعلام، سواء كمؤسسات أو كأفراد.
ويرى في الحوار الذي أجراه معه "الموقع بوست" أن إعلام الطرف الانقلابي تفوق بشكل أكبر من حيث الأداء مقارنة بواقع إعلام الحكومة الشرعية.
القدسي قدم العديد من المقترحات لتطوير إعلام الشرعية، كما سرد الكثير من السلبيات التي تتعلق بأدائه وطريقة عمله.
إلى الحوار..
* ما تقييمكم لواقع إعلام الشرعية؟ وهل يؤدي هذا الإعلام دوره في مواجهة الانقلاب؟
** يشهد الإعلام الرسمي التابع لحكومة الشرعية واقعا صعبا يعكس حالة الدولة التي أدت الحرب إلى تفكك مختلف أجهزتها وفي مقدمتها أجهزة الإعلام ، ورغم محاولة الحكومة الشرعية إعادة تفعيل هذه الأجهزة إلا أن خطابها ظل عشوائيا وغير هادف، ويميل في مجمله لتمجيد رموز السلطة والتركيز على أنشطتها بشكل دعائي، ويفتقر لخطط واضحة تمكنه من مواكبة الأحداث التي تعصف بالبلاد، وتفكيك الخطاب الإعلامي الكاذب لقوى الانقلاب، ومعرفة ما يريده الجمهور الذي تزداد حاجته في البحث عن المعلومات والحقائق في هذا الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، واستغلال ذلك في توجيه الجمهور وحثه على ضرورة إسقاط الانقلاب كخيار لا مفر منه لإنقاذ البلاد والحد من تداعياته الكارثية التي تهدد النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وينم هذا القصور عن عدم إدراك قيادة الحكومة لأهمية الدور الإعلامي في إسناد معركة استعادة الدولة وإسقاط الانقلاب، حيث عجزت عن التوظيف الأمثل للإعلامي المتسلح بقلمه في إسناد الجندي المتسلح ببندقيته والتعانق سويا في خوض معركة التحرير.
فالكلمة توضح وتحفز الروح المعنوية، وبدونها يكون السلاح ضعيفا، وغير فاعل حتى ولو كان قويا وحديثا.
كما يواجه الإعلام التابع للشرعية تحديات جمة، أبرزها صعوبة الحصول على المعلومات والوثائق والبيانات، وعدم وجود مراكز رسمية لتزويدها بمعلومات مفصلة عن أداء الحكومة، وطبيعة المعارك العسكرية الدائرة في البلاد، زد على ذلك عملها من خارج البلاد وافتقارها للكوادر المؤهلة والإمكانيات الكافية، الأمر الذي يحول دون قدرته على التغطية الجيدة للأحداث.
* ما تقييمك بالمقابل لإعلام الطرف الانقلابي؟
** علينا أن نعترف أن الطرف الحوثي استطاع أن يخطف كافة مؤسسات الإعلام الرسمي محاولا توظيفها لتسويق مشروعه، ومستفيدا من تغلل كثير من العناصر التابعة لنظام صالح شريكه في الانقلاب في كثير من مؤسسات الإعلام، واللافت أن الحرب التي أعلنها الطرف الانقلابي بدأت بحملة إعلامية موجهة ضد ما يسميه الدواعش والتكفيرين، مستغلا حالة الاحتقان الجماهيري والسياسي الناجم عن أداء حكومة الوفاق الوطني وقاد لتغييرها، ورافق تلك الحملة انطلاق الأقلام المقاتلة لتنفيذ مهامها في إضفاء مشروعية لهذه الحرب العبثية التي قادت البلد لهذا المنعطف الخطير، واستهوت الجمهور في بداية الأمر برفعها شعارات براقة سرعان ما سقطت في أول اختبار عندما تحولت أجهزة الإعلام الداعمة للانقلاب إلى أبواق لتسويق أجندات طائفية لا تمت للوطنية والوطن بصلة.
تفوق الإعلام الحربي للانقلاب على إعلام الشرعية مستفيدا من خبرات حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني في هذا المضمار، حيث تم تدريب وتأهيل كثير من الكوادر التابعة للحوثي لتغطية المعارك العسكرية والمجازر التي يتعرض لها المدنيون نتيجة أخطاء طيران التحالف بدقة متناهية، ومحاولة توظيف ذلك في تحفيز الروح المعنوية لمناصريه ومقاتليه لضمان عدم تأثرهم بالانكسارات التي تصيبهم في كثير من المواقع العسكرية، وتسويق أخطاء التحالف لاستثارة وتأليب الرأي العام داخليا وخارجيا ضد قوات التحالف والشرعية على حد سواء، وما يوسف له أن يتم هذا التوظيف والتسويق بصورة غير مهنية وتحريضية لنشر ثقافة الكراهية والتحريض الطائفي والجهوي لتحقيق مكاسب رخيصة أبرزها تماسك الحاضنة الشعبية للانقلابيين، مستغلين المذهبية والفقر والجهل لتهييج أنصارهم كوقود لمعاركهم العبثية.
* تم تعيين عدد كبير من الوكلاء والمستشارين في وزارة الإعلام، ما هي مهامهم التي يقومون بها؟
** التسابق المحموم للقوى الداعمة للشرعية نحو الاستحواذ على السلطة بدلا من استعادة الدولة المنهارة أولا ومن ثم إعادة بنائها هو السبب الرئيسي في انتكاسة الشرعية وتأخر الحسم.
فمعظم التعيينات العشوائية بوزارة الإعلام تمت عن طريق المحسوبية والمكافأة وليس الكفاءة، وكثير من هذه الكوادر غير متخصصة وبلا مهام، والمؤسف أن هذه القوى تمارس مظهرا من مظاهر الفساد الذي كان سائدا في نظام صالح وانتفض الشعب لإسقاطه في ثورة فبراير، وعلى الحكومة الشرعية سرعة تصحيح هذا الخلل والبحث الجاد عن الكوادر المؤهلة، واستيعاب المئات من الكوادر المتخصصة التي تعرضت للإقصاء في كثير من المؤسسات الإعلامية المسيطر عليها الانقلابيون بسبب رفضها أن تكون بوقا طائفيا ومعول هدم للنسيج الاجتماعي والوطني، لتوظيفها في الارتقاء بمستوى الأداء الإعلامي من أجل تحسين صورتها أمام الداخل والخارج ولنيل ثقة الشعب الذي يعول عليها الكثير والكثير في تأسيس الدولة الاتحادية التي نصت عليها وثيقة مخرجات الحوار الوطني كطوق نجاة لإنقاذ الوطن والشعب من هذه المحنة التي تسبب بها الانقلاب على هذه المخرجات.
* ما هي الرسالة التي يجب أن يحملها إعلام الشرعية ليكون بمثابة جبهة تقاوم الانقلاب؟
** لصياغة رسالة إعلامية هادفة ومعبرة يتوجب على قيادة حكومة الشرعية تأسيس مجلس أعلى للإعلام من ذوي الاختصاص يتولى رسم السياسة الإعلامية للدولة، وإعداد إستراتيجية إعلامية واضحة المعالم لبلورة خطاب إعلامي يسهم بفاعلية في توجيه الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي نحو تفهم أسباب الحرب الدائرة في البلاد وتصويرها كصراع بين مشروعين، مشروع يريد السلطة وفق منطق الغنيمة والاستحواذ على ثروات البلاد ومقدرات الدولة لفئة انتهازية فاسدة على حساب جميع فئات المجتمع، وتمثله القوى الانقلابية التي انقلبت على شكل الدولة التي توافق عليها اليمنيون في وثيقة مخرجات الحوار الوطني واعتبرتها تهديدا لمصالحها غير المشروعة، ومشروع آخر يريد السلطة وفق منطق القانون وتوزيع الثروة بصورة عادلة لكافة مكونات المجتمع في ظل دولة اتحادية تسودها المواطنة المتساوية وتمثله قوى الشرعية ومعها غالبية الشعب، للمساهمة بفاعلية في خلق توعية أمام المواطنين في المناطق غير المحررة وتوسيع الأفق أمامهم باستغلال حالة الاحتقان من فشل السلطة الانقلابية في توفير أبسط الخدمات والحد الأدنى من العيش الكريم في الوقت الذي ينهب رجالاتها ثروات البلاد لصالحهم الخاص، لكي يتمكنوا من رؤية المشهد بشكل كامل بدلا من انسداد الأفق السائد في أوساطهم ويضطرهم لقبول سلطة الانقلاب كشر لا بد من.
كما ستعمل الإستراتيجية على عدة محاور أهمها المحور المعنوي على اعتبار أن الحرب النفسية جزء خطير ومهم من خلال تنفيذ حملات إعلامية لرفع معنويات المواطنين وأفراد الجيش الوطني لصالح الحكومة الشرعية باعتبارها دولة تمثل كل اليمنيين وكسر معنويات الانقلابيين ومحاربة حواضنهم بطريقة ذكية وغير مباشرة وتبدو محايدة بهدف إيصال الرسالة بصورة موجهة ومؤثرة، كما ستسهم هذه الإستراتيجية في التصدي لحملات التضليل التي ينفذها الإعلام الانقلابي للتأثير على الروح المعنوية للمواطنين وتشويه صورة الحكومة الشرعية.
* هناك مطالبات بإعادة النظر في مهنية إعلام الشرعية حيث يتهم بأنه بات تحت سيطرة طرف سياسي؟ ما رأيك بذلك من خلال تقييم محتواه؟
** أي طرف يراهن على الاستفراد بالسلطة في الوقت الراهن سيخسر الرهان لا محالة، فهذا الوضع المتشظي في الداخل وترقب وحسابات الخارج لم ولن يسمح فيه لطرف تسيد الموقف على حساب بقية الأطراف، وندعو جميع الأطراف الداعمة للشرعية إلى تجاوز أحقاد الماضي، والارتقاء لمستوى أحلام الحاضر، التي تعانق فيها الجميع بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلا في خندق وطني واحد وقدموا أروع التضحيات المشتركة لمواجهة عدو مشترك، يتوجب عليهم استغلال هذه اللحظة التاريخية الفارقة، والتماهي بجدية مع مشروع استعادة الدولة المختطفة على طريق إعادة بناءها وفق ما نصت عليه وثيقة الحوار الوطني قبل أن تحل عليهم لعنة الشعب وتكفر بهم قواعدهم التي قدمت المال والنفس لبلوغ هدف سامٍ جمعها وتقذف بهم إلى مزبلة التاريخ.
وأدعو هنا الهيئة الاستشارية لفخامة رئيس الجمهورية والممثلة لجميع أطراف الشرعية باعتبارها صانعة قرار والأخ الرئيس منفذ قرار إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية استدعاء الخبراء في مختلف المجالات لتصويب كثير من الاختلالات التي ترافق أداء الحكومة الشرعية أبرزها التشوهات الحاصلة في الخطاب الإعلامي من خلال اللقاء بخبراء الإعلام تمهيدا لتشكيل مجلس أعلى للإعلام لتنفيذ ما جاء في المقترح أعلاه.
الحالة الإعلامية هي حالة من استدعاء الوعي، وما أحوج الخطاب الإعلامي الداعم للشرعية إلى استعادة وعيه وصوابه والكف عن حرف البوصلة باتجاه الحكمة اليمانية التي تجلت في أبهى صورها في صناعة وثيقة مخرجات الحوار الوطني وتسبب الانقلاب عليها بكل هذا الجنون، وعلى كل إعلامي يمتلك ضميرا مستقلا ومهنيا ويمثل بحق صوت شعبنا الذي يعاني كل المرارات بسبب جريمة الانقلاب الكشف عن الوجه القبيح لكل طرف يحاول الانقلاب على ما توافق عليه اليمنيون حول شكل الدولة الاتحادية التي نصت عليها وثيقة مخرجات الحوار الوطني.
* في ظل حملة اعتقالات واستهداف منظمة ضد الإعلاميين في اليمن، ما تقييمك للدور الذي تقوم به وزارة الإعلام لحماية الصحفيين؟
** دور وزارة الإعلام ثانوي ويكاد يكون غائبا في مجمله في الدفاع عن الصحفيين المختطفين من قبل ميليشيا الانقلاب، وكان الأحرى بقيادتها التنسيق مع نقابة الصحفيين اليمنيين والمؤسسات الإعلامية المماثلة في الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات المهتمة بحماية الصحفيين من أجل تسليط الضوء إعلاميا حول أساليب التعذيب التي يتعرض لها الصحفيون في سجون المليشيات لأجل تشكيل رأي ضاغط على المجتمع الدولي للقيام بدوره في ممارسة مزيد من الضغط على مليشيا الانقلاب للإفراج عن إخواننا الصحفيين.
مطلوب أيضا من قيادة هذه الوزارة أن تعمل بجد نحو إعادة تفعيل المؤسسات الإعلامية في المناطق المحررة، فمن المعيب أن تظل هذا المؤسسات متوقفة بعد تحرير العاصمة الموقتة منذ عامين، في الوقت الذي تواصل المؤسسات المسيطر عليها من قبل ميليشيا الانقلاب عملها التحريضي ضد حكومة الشرعية، لماذا لا تستجيب قيادة الوزارة للحاجة الماسة والضرورة الملحة لتفعيل هذه المؤسسات لتطبيع الحياة العامة في المناطق المحررة؟
لماذا لا تستجيب للدعوات المتكررة لمنتسبي هذه المؤسسات للعودة للعمل؟ هل دول التحالف العربي التي بفضل دعمها السخي أوجدت جيشا من العدم لمواجهة مليشيا الانقلاب عاجزة عن تقديم الدعم البسيط لتفعيل مؤسسات الإعلام في مناطق الشرعية؟ ولمصلحة من عدم تفعيل هذه المؤسسات في الوقت الراهن؟ كل هذه التساؤلات بحاجة لأجوبة عاجلة من قيادتي الحكومة والوزارة.