[ داعش تبنى عدة عمليات في اليمن ]
أثار تبني تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) التفجير الانتحاري الذي استهدف مقر قوات مكافحة الإرهاب في عدن مطلع هذا الأسبوع العديد من التساؤلات عن مدى حضور هذا التنظيم، ودلالات توقيت الظهور، وحجم تواجده، والرسائل التي أراد إرسالها، والمشهد العام للجماعات الإرهابية في عدن.
كان أول ظهور لتنظيم الدولة الاسلامية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2014م حينما غرد التنظيم بموقع تويتر، ونشر رابطا يحتوي على تسجيل صوتي مدته أربع دقائق من قبل جماعة أطلق عليها "مجاهدو اليمن" أعلنت فيه مبايعتها للبغدادي، وبعد ثلاثة أشهر في فبراير/شباط أصدرت مجموعة صغيرة من اليمنيين في ذمار وصنعاء بيانا مشتركا نقضت فيه ولاءها للظواهري وبايعت البغدادي، وقالت بأنها ستعمل لقتال الحوثيين الذين وصفتهم بالمرتدين.
ووفقا لتقارير صحفية فمنذ مارس/آذار 2015م أعلن تنظيم الدولـة الإسـلامية مسـؤوليته عـن أكثـر مـن ??عمليـة في عدن، والبيضـاء، وذمـار، وحضرموت، وإب، ولحج، وصنعاء، وشبوة حتى نهاية العام، وهي الفترة التي شهدت فيها اليمن تراخي القبضة على مؤسسات الدولة، عقب الانقلاب الذي نفذته مليشيا الحوثي بالتحالف مع علي عبدالله صالح، وبعد انطلاق العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن.
في سياق استعراضه للأحداث في اليمن خلال العام 2016م قال تقرير فريق الخبراء الأممي إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام لا يزال نشطا في الـيمن رغـم انخفاض عـدد أعضـائه وقيامـه بعـدد مـن الهجمات أقـل مـن عـدد الهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة في جزيـرة العـرب خلال العام نفسه.
وقال التقرير معلقا: ويبدو أن التنظيم أضعف مما كان عليه خلال العام 2015م ومع ذلـك، لا يـزال قـادرا عـلـى إلحــاق ضــرر بــالغ، وذكر بأن غالبيــة هجمــات هذا التنظيم في اليمن تنقسم إلى فئتين هما: التفجيرات الانتحارية، وعمليات اغتيال مسؤولي الأمـن مـن مواقـع قريبـة، وهـي عمليـات يتم تصويرها بالفيديو باطراد لحظة وقوعها.
التقرير ذاته قال بأن التنظيم يســتفيد مـن القتــال الدائر في الـيمن، ولا يـزال يكابـد ليحل محل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كتنظيم مفضل للمتطرفين.
أما في تقرير الفريق للعام 2017م فقال التقرير بأن التنظيم أصبح أصغر كثيرا من تنظيم القاعدة، لكنه لازال قادرا على شن هجمات واسعة النطاق، وينشط في المحافظات الجنوبية والوسطى من اليمن خاصة عدن وأبين والبيضاء، وأكد التقرير أن تلك الأماكن يتواجد فيها أيضا تنظيم القاعدة، لكنه لم يتوصل إلى دلائل تؤكد أن الفريقين يعملان معاً.
خريطة الانتشار
هذه التقارير، وتقارير أخرى تشير إلى أن تنظيم داعش ولد متأخرا في اليمن، وحجمه ليس بتلك الضخامة التي يجري تصويرها، والجميع يتذكر هنا أن مصطلحات "داعشي" و "الداعشية" و "الدواعش" جاءت متزامنة مع صعود الحوثيين نحو السلطة، وتنفيذهم لانقلابهم على النظام السياسي الحاكم، وتلك الصفات كانت نوعا من أنواع الشيطنة للخصوم، ووسيلة من وسائل مغازلة الغرب، من خلال رفع شعار محاربة الجماعات الإرهابية، والتي عادة ما كان يصفها الحوثيون بالجماعات التكفيرية.
ولذلك ظل تنظيم داعش عبارة عن ورقة يتم استحضارها في مختلف منعطفات الصراع السياسي من قبل كثير من الأطراف، ولم يصدر عن هذا التنظيم أي رؤية تصورية تؤكد ما يتطلع إليه من أهداف، مثل تنظيم القاعدة، فتارة يقول التنظيم إنه يقاتل الحوثيين، وتارة يؤكد أنه يقاتل الوجود الأمريكي، ثم أخيرا أعلن أنه يقاتل القوات الإماراتية الموجودة في الجنوب.
خريطة انتشار التنظيم هي ذاتها ما تحدث عنه فريق الخبراء الأممي، وهي المناطق الممتدة في وسط اليمن إلى عدن وأبين والبيضاء وحضرموت، وهي نفسها التي يتواجد فيها تنظيم القاعدة، ولكن وجود داعش كان أقل بكثير من ناحية العدد والأعمال التي يقوم بها.
لكن الحضور للتنظيم بدا لافتا خلال شهر فبراير/شباط الماضي، حين تبنى التنظيم بتأريخ الثامن عشر من الشهر ما وصفه بهجوم على عناصر من الحوثيين في مديرية الشعر جنوب مدينة إب (وسط اليمن) أسفر عن مقتل خمسة منهم وإصابة قائد أمني، وتدمير آلية رباعية الدفع بواسطة عبوة ناسفة.
ومن المعلوم هنا أن مدينة الشعر (بكسر اللام) لم تكن يوما ملتقى لأي جماعات إرهابية كتنظيم داعش، كما لا توجد فيها مقاومة نشطة تستهدف الحوثيين، الأمر الذي يلقي المزيد من علامات الاستفهام على أداء هذا التنظيم، وتواجده، والجهات التي تسعى وراء ظهوره بهذا الشكل.
أما العملية الثانية التي ظهر بها التنظيم فقد كانت في عدن عندما نشر التنظيم بيانا كشف فيه بأنه وراء العملية التي استهدفت مقر قوات مكافحة الإرهاب في عدن، وهي العملية التي وقعت في الرابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، وأثارت العديد من الأسئلة حول كيفية وصول عناصر التنظيم إلى المقر الذي يقع في منطقة مشددة أمنيا، وتشرف عليه قوات من دولة الإمارات العربية المتحدة، وعناصر تابعة للحزام الأمني الممول إماراتيا.
ورغم وقوع عدة اغتيالات في مدينة عدن طوال الأعوام الماضية بنفس الطريقة المفضلة لتنظيم "داعش" كالقتل بواسطة المسدسات كاتمة الصوت، وتوثيق عملية قتل الضحية، لكنه تبنى عددا محدودا منها، ما يشير إلى وجود عملية تحريك للتنظيم عند الحاجة أكثر من وجوده فعليا على الأرض، وهذا لا يعني عدم وجود أنصار لهذا التنظيم، لكنهم باتوا في درجة ضيقة، ولا يستطيعون الحركة داخل مدينة عدن بالذات، قياسا بغيرها من المناطق ذات التضاريس الوعرة، والبعيدة عن سلطة الأجهزة الأمنية والعسكرية.
العمليات التي تبناها التنظيم في عدن كالهجوم على معسكر الصولبان ومقتل عدد من الضباط، انتهت جميعها بالتسجيل ضد مجهول، رغم أن التنظيم نشر في بعض تلك الحالات اسماء الانغماسيين الذين نفذوا تلك العمليات، ولم تستطع الجهات الأمنية سواء المحلية أو تلك التي تتبع الإمارات والتحالف العربي الوصول إلى أي نتائج تؤكد قيامها بتتبع التنيظم، وشل قدرته على تنفيذ عمليات جديدة.
أما السؤال الأهم هنا فيتعلق بالهوة الموجودة بين عملية محاربة التنظيم من قبل الإمارات، وبين وجود التنظيم، فقد أطلقت الامارات وفقا لوسائل إعلامها العديد من الحملات العسكرية الموجهة لمحاربة التنظيم، سواء في عدن أو حضرموت وشبوة، ومع ذلك لم تظهر أي نتائج لتلك الحملات، رغم الآلة الإعلامية الضخمة التي رافقت واستبقت الحملة.
بل إن تنفيذ التنظيم لعملية في عقر القوات الإماراتية لا يعني سواء إحدى القراءات، فإما أن التنظيم اخترق تلك التحصينات العسكرية والأمنية للقوات الإماراتية والمليشيا التي تقاتل معها، وتمكن من تنفيذ عملية في أهم مقر أمني يتبعها، وهذا يعني فشلا ذريعا لتلك القوات، وإما أن الحادث برمته مصطنعا وتم بعلم تلك القوات، وجرى إلصاق التهمة بتنظيم "داعش" لأهداف تتصل بتلك القوات واستمرار بقائها داخل عدن أولا وفي اليمن ثانيا.
محاربة التنظيم
حين انطلقت العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن بشهر مارس/آذار من العام 2015م كانت تلك العمليات مركزة ومحددة بمحاربة الطرف الانقلابي، واستعادة الشرعية في اليمن، غير أنه بمرور عام، بدأت تتضح معالم حرب جديدة في البلاد، وتمثلت بإعلان الحرب على تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وكثف التحالف في حربه تلك من استهداف التنظيمين، وتمكن جراء ذلك من تحرير مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت (شرقي اليمن) من تنظيم القاعدة، ثم اتجه نحو مناطق أخرى كأبين وشبوة والبيضاء.
لكن تلك العمليات على الأرض لا يبدو أنها حققت أهدافها المطلوبة، إذ انسحب عناصر التنظيم إلى مواقع أخرى، أما الخسارة الحقيقية فقد كانت فقدان تنظيم القاعدة لكثير من رجاله، وحدث هذا من خلال الغارات الأمريكية لطائرات بلا طيار، وهي عمليات جرت بتسهيلات مقدمة من القوات الإماراتية، وفقا للواشنطن بوست، غير أن تلك الغارات جلبت المزيد من الصداع لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد ثبوت وجود خسائر مادية لحقت القوات الأمريكية تمثلت بمقتل أحد الجنود، وتدمير طائرة مروحية، وكانت الخسارة الأكبر هي اهتزاز مصداقية إدارة ترامب أمام الرأي العام المحلي، بسبب ذلك الإخفاق، وبسبب كشف صحفيين عن مغالطات جرى ترويجها رسميا في أمريكا، والسبب الأهم هو اكتشاف وجود استهداف للمدنيين اليمنيين في تلك الغارات.
تقارير لجهات غربية عديدة أبانت أن الحرب التي يشنها التحالف العربي على الطرف الانقلابي، إضافة للفراغ السياسي القائم في البلاد منذ العام 2014م ساهم في تمدد نشاط تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، ودفعهما لزيادة أنشطتهما، وأثر على محاربتهما.
من تلك التقارير تقرير وزارة الخارجية حول الإرهاب لعام 2016 الذي خلص إلى أن النزاع بين القوات بقيادة السعودية والمتمردين الحوثيين ساعدت القاعدة في شبه الجزيرة العربية وداعش على تعميق اختراقاته في أنحاء كثيرة من البلاد، وهو ما تطرق له الثلاثة الأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي في مقال مشترك لهما بصحيفة الواشنطن بوست الأسبوع الماضي.
إحياء التنظيم
منذ بروز الجماعات الإرهابية في اليمن، ظلت تلك الجماعات تمارس أنشطتها، وتعرضت للحرب والمطاردة والقتال من قبل أجهزة الدولة، لكن لاحقا بدأ التنظيم يتحول إلى ورقة للابتزاز السياسي بيد النظام السابق، وظهر ما يسمى بقاعدة السلطة، والتي جعل منها النظام وسيلة ابتزاز، وأداة ترهيب أمام خصومه، وأمام المجتمع الدولي، للبقاء أكثر في السلطة.
اليوم يمضي تنظيم "داعش" على ذات الطريقة، فهناك وجود محدود للتنظيم، ويجري إبرازه وتسهيل الطرقات أمامه، للبروز أكثر، بحثا عن شرعية بقاء وتواجد على الأرض، وتحقيق انتصارات ولو كانت في خانة الوهم.