عن شاعر اعتمد عليه "أيوب" في أول أشرطته!!
الأحد, 22 ديسمبر, 2024 - 06:23 مساءً

حين أثرت تساؤلات اللون الغنائي التعزي، لم ينتبه العديد من القُراء أني أتحدث عن التأسيسات الأولى لهذا اللون، في سياق التعدد الثقافي والفلكلوري في اليمن الكبير، مستعرضا أسماء الشعراء والفنانين الذين نهضوا بهذا الفعل، قبل ستين سنة ويزيد، أي قبل أن يُعرف الفضول كشاعر غنائي في أوساط المهتمين، وقبل أن يظهر أيضاً الفنان أيوب طارش كصوت مختلف على الساحة؛ كون متلازمة الشاعر الفضول بالفنان أيوب بدأت في الثلث الأخير من الستينات وتحديداً في العام 1967 ،وبعد أن كان الاخير قد صار صوتاً مسموعاً إلى حد ما ، عبر إذاعة تعز التي بدأت تبث أغانيه  قبل ذلك بعامين على الأقل ، وإنه اعتمد قبل مرحلة تعاونه مع الفضول ، على شاعر بسيط كتب له أربع من قصائد شريطه الأول، أما الشاعر فهو شقيقه محمد طارش، الذي كان يقيم في القرية، وقت كان أيوب لم يزل يقيم ويعمل بمدينة عدن (القلوعة).
 
يقول أيوب طارش:
 
"كنت قد اشتريت عوداً وبدأت اتدرب على العزف ن وصرت أجيد إلى حد ما تقليد بعض الغاني التراثية، ولا أدري كيف عرف أخي محمد طارش بذلك، وكان في القرية يقوم بأعمال  الفلاحة في الأرض في مواسم الزراعة، ولم يكن قد عُرف عنه أنه يقول الشعر، فلا أدري إلا وقد أرسل في هذه القصيدة " بالله عليك وا مسافر" وقال : إنها تصلح أن تُغنى بذلك اللحن التراثي الذي كنا نسمعه في القرية ، تردده النساء على المطحن. فاستحسنت أنا القصيدة وبقيت أجربها على اللحن التراثي، وكانت أحسن ما يمكن مع تعديل بسيط أجريته على ذلك اللحن التراثي ، ثم قمت بعرض القصيدة على الشاعر عبده علي ياقوت ، الذي كنا نسميه عبده علي ذبحاني، فأضاف إليها تعديل في آخرها ، وهي: " هذا جزاء من يحبك تحرمه من خطاب ويلك من الله قد حولت حبك عذاب".
 
أما كلمات القصيدة، وهي بالمناسبة أولى أغاني أيوب طارش وصارت تعرف باسم " رسالة حبيب" كما أطلق عليها العنوان هذا عبد الرحمن العبسي صديق الفنان:
 
بالله عليك وا مسافر لا لقيت الحبيب
 بلغ سلامي إليه وقل له كم با تغيب
أمسيت أناجي القمر والناس جَمْعَه رقود *** أدعي لربي وقول أيحين حبيبي يعود
ما طيق أنا يا منائي للجفاء والبعاد
القلب  من فرقتك خلى حياتي سهاد
إلى متى وا حبيبي با يطول الغياب*** أذكر محبك وعود للصفاء والوداد
كتبت لك ألف خط ولا رجعلي جواب
حتى ولوكان يحمل فيه عليّا عتاب
يا خل أوفي بوعدك واتركه ذا العناد*** أو قد نسيت ما مضى أمرك لرب العباد
( هذا جزاء من يحبك تحرمه من خطاب
ويلك من الله قد حولت حُبَك عذاب)
هيا كفى يا حبيبي بس كفاني عذاب*** الشوق خلّى دموعي جارية بانسكاب.
 
في الغالب النص اختمر في ذهن الشاعر على صيغة لحن متداول لمهاجل وأغاني شعبية  شائعة في القرى، واتخذ من موضوع الفراق والهجرة عموماً مساحة  للتنفيس بالكتابة (الشعرية) العامية،  واستطاع بذلك أن يضعنا، ليس فقط، أمام ملمح لخصوصية لهجوية وصوتية  لتلك المنطقة، وإنما أيضاً أمام معضلة اجتماعية ذات تأثير بائن في حياة سكان تلك المناطق.
 
 شاعر مثل د. سعيد الشيباني، مثلاً، يقول أنه استفاد كثيراً من مسموعاته لمهاجل وأغاني شعبية كانت تجري على ألسن النساء، وبنى عليها قصائد غنائية لم تزل حية حت وقتنا ، واستشهد في ذلك بمطلع قصيدة كان عبارة عن مهجل تتغنى به النساء ويقول ( يا لله رضاك عاد الطريق ندية ... لا قد جزع أخضر ولا أخضرية)، محين بنى عليه صار قصيدة شجيَّة غناها الفنان فرسان خليفة منتصف الستينيات في عدن.
 
على ذلك ، وبناء على رواية أيوب،  تصير قصيدة محمد طارش هذه، وثلاث قصائد أخرى اشتملها شريطه الأول ، مع نصوص أخري لـ: عبده علي ياقوت ( صُدفة من الصبح) ، والفنان عبد الكريم مريد ( ارجع لحولك و واحبيب واحبيب)  وأبو جلال الصبيحي  (رامي الغزل ) والنصوص الثلاثة الأخيرة كما يقول ايوب تحصل عليها ملحنة من الفنان الراحل أحمد عبد الرحمن الكعمدي  وجميعها كما يقول  أيوب تجمعت وتجهزت لحنياً بين 1963 و1965 هي التي قدمت الفنان  إلى جمهور الاستماع ، ويقول عن ذلك ويضيف في 1965 قمت بتسجيل بعضهن{ يقصد القصائد التي أوردتها} في شريط ارسلته إلى اذاعة تعز آنذاك، أي قبل أن يتعرف بشكل مباشر على عبد الله عبد الوهاب نعمان (الفضول) في العام 1967  في تعز.
 
 أغاني محمد طارش الثلاث الأخرى والتي ظهرت في شريطه الأول هي:
 
"يوم السفر"  والتي يقول مطلعها
يوم السفر أصبحت أوادع أهلي
وكل واحد منّهم قريب لي
بكى الحبيب من ساعته وقلَّي
أين ترح يا وحشتي يا خلي.
وقصيدة " قد كان طبعك حلى" والتي يقول مطلعها:
قد كان طبعك حلى وليش غيرته
بعد المودة خصام  يا خل رجعته
أحرمتني من هواك وقلبي عذبته
وأنا توقع لقاك اليوم أو بعده.
والقصيدة الأخيرة عنوانها " بس لا تأشر لي سلام بيدك" ويقول مطلعها:
بس لا تأشر لي سلام بيدك
قلبي تعب من فرقتك وصدك
مرت شهور من يوم خلفت طبعك
ولا دريت ما هو السبب وعذرك.
(2)
عن أول تعاون بين الفضول وأيوب يقول الأخير:
كان لقائي بالشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان في تعز، وبدأت معه رحلة جديدة تمخضت عن ثمان أغاني كدفعة واحدة، قمت بتسجيلها في بيروت عام 1968 وهن كالآتي:
 
- "هات لي قلبك {وخذ قلبي معك}"، "يشتيك قلبي {انت وأنا أشتهيك}"، "حبيت من فيه خاب الظن"، "دق القاع { دقه لا تمشي دلا}".
 
(أغاني تم تسجيلها بمصاحبة الفرقة الموسيقية)
 
- "نجم الصباح"،  "بكَّر غبش"، "الليل والنجم"، "وادي الضباب" (أغان تم تسجيلها بالعود فقط).
 
________________
(*) ينظر كتاب أيوب طارش عبسي لسان الوطن والحب، مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة تعز 2013 ص 302- 307
( اعادة نشر مع بعض التصويبات)
 

التعليقات