تحدث عن معايير الرواية الناجحة وتجربته الشخصية
وجدي الأهدل في حوار مع الموقع بوست: الكتابة فعل مزعج للسلطة وله كلفة شخصية
- حوار - مبارك الباشا الجمعة, 21 ديسمبر, 2018 - 08:08 مساءً
وجدي الأهدل في حوار مع الموقع بوست: الكتابة فعل مزعج للسلطة وله كلفة شخصية

[ الرواي اليمني وجدي الأهدل ]

بدأ الروائي اليمني وجدي الأهدل حياته بكتابة القصة القصيرة، وخلال العام 1997 كان أصدر أولى مجموعته القصصية "زهرة العابر"، التي مثلت بداية انطلاقته في عالم الكتابة، أتبعها عقب ذلك بثلاث مجموعات قصصية خلال أربع سنوات، ليلج عالم الرواية في العام 2002 من خلال روايته "قوارب جبلية" التي أثارت جدلاً واسعاً بسبب تناولها الجريء لثلاثي الخطر في اليمن، الدين والعُرف والسياسية، واُّتهم الأهدل بالإساءة إلى المقدس الديني والاجتماعي، ورحل على إثر ذلك منفياً إلى لبنان بعد أن ضُيّق عليه من قبل الساسة، وصولاً إلى استباحة الجماعات المتطرفة لدمه.
 
ظل الأهدل في المنفى لوقت قصير، حيث صادفت حكايته في تلك الفترة زيارة الروائي الألماني غونتر غراس إلى اليمن، وعلم هذا الأخير بقصة الأهدل، وحين ذهب للقاء الرئيس اليمني ضمن وفد حضره الكثير من الأدباء منهم أدونيس ودرويش؛ بادره الرئيس صالح بوسام الجمهورية؛ لكنه رفض تسلُمه واشترط عودة الأهدل من منفاه، وبعد تردد وافق الرئيس صالح.
 
بعد فترة قصيرة من عودته أطلق الأهدل روايته "حمار بين الأغاني"، في 2004، ثم "فيلسوف الكرنتينة" التي وصلت إلى القائمة الطويلة في جائزة البوكر للرواية العربية في 2008، وهو العام ذاته الذي شهد ميلاد رواية ثالثة للأهدل "بلاد بلا سماء"، ليتوقف بعد ذلك مدة عشر سنوات عن الكتابة؛ ويطل الأهدل مليئاً بالمآثر مجدداً في 2018 برواية جديدة، وهي "أرض المؤامرات السعيدة"، التي جاءت بعد وقت طويل أمضاه في تأمل وطن يبدو أنه لم يعد سعيداً اليوم.
 

الأهدل مع الزميل مبارك الباشا

إطلالة على "أرض المؤامرات السعيدة"
 
يقول الأهدل: أنه أستوحى فكرة روايته من جريمة اغتصاب حدثت في الواقع، حيث عمد شيخ قبلي إلى اغتصاب طفلة، وظللت أتابع القصة عبر الصحافة، وفي النهاية أفلت الشيخ من العقوبة ببساطة، وهو الأمر الذي دفعه إلى الشروع في كتابة الرواية، مثلت هذه الحادثة النقطة الأساسية التي انطلقت منها الأحداث في الرواية، شيخ موال للسلطة يغتصب طفلة في مدينة الحديدة، وبالصدفة يمر صحفي محسوب على المعارضة، ينقل القضية لتصبح حديث الرأي العام، تتطور الأحداث ويتم التحقيق مع الشيخ، ثم ينجو بفعل تزوير الصحفي للقصة وإلصاقها بمجهول بضغط من رئيس التحرير الموالي للسلطة.
 
عالجت أبعاد الرواية مسألة تواطؤ السلطة مع الأعراف القبلية، وكذا السماح بزواج القاصرات تحت ذرائع مختلفة في المجتمع، أما قصة الصحفي الفاسد فتعطي دلالة رمزية على ارتهان الصحافة للسلطة، وازدواجية المثقف.
 
وتأتي الرواية بتصوّر جلي ينقل الواقع اليمني بكل تنويعاته السياسية والاجتماعية كما هو، دون لبس، يقول الأهدل: "نحن نعيش جنباً إلى جنب مع الفساد والحرب والفقر، ولذا فإن الرواية اليمنية في أصدق حالاتها هي انعكاس لهذا الواقع، ويتلخص دورها في توعية الناس بقضاياهم، وقيادة مسيرة التنوير في المجتمع الذي يجهل غالباً ما يدور في محيطه، يقع علينا معالجة مثل هذه القضايا ثقافياً سيما أن معظمها يتم تجاهله من قبل السلطة".


 
المشهد الثقافي يتجه نحو الانقسام
 
يرى الأهدل أن تسيُّد العنف للمشهد اليمني جعل الثقافة تنزوي بعيداً، واستلب فاعلية المثقفين.
 
يشرح ذلك بالقول: "نحن اليوم نمر بمرحلة جمود وانحسار، والمشهد الثقافي أضحى غائباً مع تصدُّر موجة الصراع، فلا شك أن للحرب تأثيرها على الثقافة يقاس بمدى فاعليتها، والواقع في اليمن يفرض نفسه على النشاط الثقافي، وحين لا توجد الحرية لا توجد ثقافة، هذا ما نعيشه".
 
لا يقتصر الأمر على توقف الدعم الحكومي للاتحادات الأدبية ومراكز النشاط الفني فقط، بل أصبح المثقفون أنفسهم هدفاً للجماعات المتصارعة، وفُرضت الرقابة على النشاطات الثقافية المختلفة، وهذا أمر خطير يؤدي إلى نشوء ثقافة جهوية محافظة وموجهة في الغالب، ذلك أن أي وصاية فئوية على الثقافة تحولها إلى أداة من أدوات الحرب.
 
يقول الأهدل أن الواقع محبط، وهو ما حدا ببعض الفنانين والأدباء إلى الهجرة إلى خارج الوطن، وأن المشهد الثقافي يمضي نحو الشتات والانقسام بسبب التشظي الداخلي الذي تشهده البلاد، وقد بدت مؤشرات هذا الانقسام تطفو على السطح في عدن، حيث عمد بعض الأدباء هناك إلى تأسيس اتحاد خاص بهم تحت مسمى "اتحاد أدباء الجنوب العربي"، هذا يتناقض مع الرؤية الإنسانية للمثقف الذي يفترض أن يظل يتنكر للحدود القومية بين الشعوب، فالمثقف لا يمكن أن يكون عنصرياً أو فئوياً.

 

الثقافة كيان منفصل عن الواقع
 
للأهدل قراءته الخاصة لواقع الرواية اليمنية، يقول: أن الرواية تتطور، لكن ببطء، ويعتقد رغم ذلك أنها ما زالت حبيسة للواقع الجغرافي لليمن، ويرى أن معظم الأعمال الروائية اليمنية في الفترة الأخيرة ليست إلا إعادة إنتاج لأشكال أدبية سابقة، لكن توجد أيضاً الروايات الجادة التي يمكننا ان نقيس من خلالها تطور الرواية.
 
ثمة نزوح كبير تجاه فعل الكتابة، بصرف النظر عن معايير القيمة، لكن تعد هذه ظاهرة صحية، خصوصاً أننا اليوم أحوج أكثر من أي وقت مضى للثقافة، فبدلاً من أن ينخرط الشباب في الصراعات العبثية أفضل لهم أن يتجهوا للكتابة، ليكتبوا ولو بشكل خاطئ، لا مشكلة، لأن الكتابة فعل جمالي يُعلي من قيم الإنسان، السلام والتعايش والمحبة، إضافة إلى كونها فناً يهذب ذائقة الجماهير.
 
أما بالنسبة للصعوبات التي تواجه الرواية اليمنية فهي كثيرة، فالكتابة الروائية ليست مربحة بطبيعة الحال، ولا يمكن أن تكون مهنة. في اليمن حين تجد نفسك تكتب الرواية فأنت تحتاج إلى مالاً لتعيش، مما يجعل الكثير يهجر الكتابة وينشغل باستحقاقات المعيشة المفروضة عليه، وحتى لو كتب الروايات فإنه قد يضطر إلى طباعتها من حسابه الخاص، وهو أمر مكلف ومحبط، لأن اليمن لايوجد بها دور نشر، لهذا السبب أكثر الروائين اليمنيين يُصدرون أعمالهم عن دور نشر عربية.
 
تكمن المشكلة حين تُطبع الرواية في الخارج في كونها لا تصل غالباً للجمهور اليمني بسبب معوقات النشر، وهذا يخلق حالة فصام بين الناس وثقافتهم، كذلك تنعدم الفاعلية بين الكاتب والجمهور، لهذا السبب فإن حال الكثير من الأدباء اليمنيين هو أنهم معزولون ثقافياً عن واقع الناس في الداخل، بسبب أن مؤلفاتهم تصدر من دور نشر خارجية، يقرأ لهم الجمهور العربي أكثر من الجمهور المحلي، وهي نقطة بقدر ماهي جيدة تُعد سيئة أيضاً، كل هذا يجعل من الثقافة كياناً منفصلاً عن الواقع المعيش بسبب القطيعة بين الناشر والقارئ المحلي.


 
الكتابة فعل تمرد 
 
انطلاقاً من تجربته يقول الأهدل: أن الكتابة فعل تمرد له كلفة شخصية، وهي في أصدق حالاتها محاولة للبحث في الأسباب العلائقية للأشياء من حولنا، كما إنها سعي حثيث لخلق المعنى، إضافة إلى أن الكتابة تمنحنا عزاءً لأنها تحوّل المعاناة إلى معرفة.
 
أما من الناحية المهنية فهي عمل شاق يتطلب جهداً كبيراً، يعتمد نجاحها على المحاولة والفشل، وهي في هذا تختلف عن الشعر، لأن الشعر فعل إلهام لا يتطلب ممارسة، بينما الكاتبة السردية تتطور بفعل الممارسة.
 
والكتابة كفن ناقد هي فعل مزعج للسلطة ومقلق لبنية المألوف الاجتماعي، وتسبب المتاعب، تنطبق هذا الحالة على الواقع المعيش كثيراً، لأن المجتمع اليمني مجتمع محافظ ومنغلق على ذاته، يزعجه النمط غير المألوف في الكتابة، وتحكمه سلطة سياسية غارقة في الفساد، ما يجعل من المعالجات الثقافية للقضايا أمراً بالغ الخطورة.
 
الرواية كموضة للقُراء والكُتاب 
 
سألْنا الأهدل عن سبب الرواج الواسع للرواية في الوسط الثقافي، فأجاب بأنه لا يرى مشكلة في ذلك، فالرواية أكثر جماهيرية من بقية الأجناس الأدبية، لأنها تخلو من تعقيد الشعر وكُلفته. أنا من النوع الذي يشجع على ممارسة السرد أياً كان نوعه، إنما يعود سبب توجُّه الكُتّاب إلى تأليف الرواية إلى كونها ظاهرة وجدانية تخلو من تعقيد الفكر، ولأنها محاكاة يومية للواقع يسهل التقاط تفاصيلها من التجارب والمعايشات، كما إنها تُلبي حاجة الكُتاب إلى التعبير الذاتي، وتمنحهم حرية كبيرة في ممارسة الإبداع، على عكس الكتابة الفكرية أو المنهجية التي تلتزم بنمط معين من الكتابة، والرواية تستهدف عاطفة المتلقي، وهو ما يفسر سبب انجذاب القراء إليها من مختلف الفئات العمرية، بسبب أسلوبها الذي يخلو من جمود ورتابة كتب الفكر والفلسفة، فالناس تميل إلى الإيقاع العاطفي الذي يحاكي واقعها اليومي، وتنفر من الأفكار العقلية المجردة.
 
يبدي الأهدل تفاؤله بشأن تنامي ظاهرة الكتابة الروائية في اليمن، ويرى بأنها سلوك صحي بصرف النظر عن معايير القيمة. لا خوف مع الوفرة يقول: فالإبداع يزدهر كلما زاد الإنتاج، وتوسع دائرة التأليف الروائي هو استجابة لحاجة الجماهير للقراءة، هذا يعني أن لدينا جماهير تقرأ وتهتم بالثقافة رغم ظرف الحرب، ومعوقات النشر الخارجي، هي ظاهرة جيدة على أي حال، ونحن أحوج ما نكون إليها في اليمن، ومن شأن القراءة أن تُحدث نقلة نوعية في الوعي الجماهيري، إذ إننا نعول كثيراً على هذا الجيل من الكُتاب والقُراء.
 


معايير الرواية الناجحة

عن معايير الرواية الناجحة تحدث الأهدل: أن نجاح الرواية مرهون بمدى تأثيرها على مخيلة القارئ، وملامستها لواقعه، والفكرة هي مٙن تحدد هوية كل رواية، عدا أنها غير كافية إذا تجاهلنا أسلوب الكتابة، فالأمر تكاملي بين الفكرة والأسلوب، وأفضل الروايات تلك التي استطاع كُتابها المزج بين جدية الفكرة ورشاقة الأسلوب.
 
بالنسبة للرواية التي تؤوّل الواقع، يكون نجاحها بقدر ارتباطها بواقع الإنسان، وبمدى القرب من أدق همومه اليومية، وكذلك سعة تأثيرها على الوعي الجمعي للجماهير.
 
أما الروايات التي تهدف إلى خلق واقع افتراضي بديل، فيكون نجاحها بقدر ابتعادها عن الطوباوية الزائدة، وقدرتها على المزج بين تناقضات الواقع والخيال بطريقة بارعة.
 
يشتغل الأهدل في الوقت الحاضر على عملين متوازيين في القصة، إحدهما في أدب الخيال العلمي والأخرى ستتحدث عن الديكتاتورين العرب الذين حكموا خلال الفترة السابقة. يقول الأهدل: حالياً أقرأ في العلوم محاولاً التقاط مسارات افتتاحية لكتابة قصص الخيال، بينما أُعد في نفس الوقت للمجموعة الثانية عن الحكام الديكتاتوريين العرب بأسلوب السرد الواقعي.
 
وعن طبيعة السرد القصصي يرى الأهدل: أن تقنية الكتابة القصصية تتطلب حِرفية أكثر من عملية السرد الروائي، في القصة يتوجب أن تُضمِّن الفكرة بأسلوب موجز، باستخدام جُمل قصيرة ذات دلالة كثيفة، عليك أن تقود السرد دون أن تفقد الزخم وتصل إلى قفلة تنهي القصة وتدع المعنى مطلقاً، ذلك أن أسوأ القصص هي التي تفسّر كل شيء، ولا تترك للقارئ مساحة للتأويل، لأن جودة القصة تُقاس بمدى قدرتها على إيقاد مخيلة القارىء ليصل إلى المعنى المقصود بالإيحاء، وليس من واقع السرد، في القصة؛ المعنى يُلتقط ولا يُكتب.
 


التعليقات