[ أحمد علي عبدالله صالح ]
أعلن حزب المؤتمر الشعبي العام في العاصمة اليمنية صنعاء عن تعيين أحمد علي عبدالله صالح النجل الأكبر للرئيس السابق نائبا لرئيس الحزب، بالإضافة لتعيين شخصيات أخرى بعضها مقيمة خارج اليمن في مواقع داخل الحزب.
جاء هذا الإعلان بعد أيام من إعادة ترتيب حزب المؤتمر في العاصمة السعودية الرياض، عبر الدفع بقياداته إلى الواجهة من جديد، وتمثل ذلك بتعيين سلطان البركاني رئيسا لمجلس النواب، واختيار القيادي في الحزب رشاد العليمي رئيسا لتكتل الأحزاب المؤيدة للحكومة الشرعية.
وكان هذا الإعلان هو الثاني من نوعه، فبعد مقتل الرئيس السابق على يد حلفاءه الحوثيين في الرابع من ديسمبر أعلن حزب المؤتمر في صنعاء تعيين "أحمد" عضوا في اللجنة العامة للحزب، وهو القرار الذي كان مفاجئا، خاصة أنه جاء عقب عملية الإغتيال، وفي الوقت الذي كان من المتوقع أن يعلن نجله موقفا مناهضا للحوثيين، ويحملهم مسؤولية قتل والده.
يقيم نجل صالح الأكبر الذي أطاحت به الثورة الشعبية من منصبه كقائد للحرس الجمهوري في العاصمة الإماراتية أبوظبي منذ جرى تعيينه سفيرا لليمن فيها في العام 2012م، وانضم إليه لاحقا عددا من أفراد عائلته، ومن هناك بدأ يتشكل تيار سياسي لقيادات في الحزب، يعمل بعيدا عن بقية التيارات السياسية التي تفرعت عن الحزب نفسه.
هذا التيار ظل مرتبطا بالحزب في صنعاء، ولم يصدر عنه أي موقف يعكس اسياءه من العبث الجاري للحزب في صنعاء تحت إشراف جماعة الحوثي، التي ورثت تركة صالح ونظام حكمه ورجال دولته، وربما هو ذات الموقف الصامت من تحركات تيارات الحزب الأخرى في الرياض والقاهرة، غير أن ما يجري في صنعاء، وامتداه إلى أبوظبي يزيح الستار اليوم عن حقائق عديدة.
عقب هذا الإعلان القادم من صنعاء بدا واضحا أن التيار المؤيد لهذه الخطوة هو ذات التيار الذي غادر صنعاء تحت تأثير الرعب من مقتل علي عبدالله صالح، وتوزع على عدة عواصم خارجية، وارتبط بشكل وثيق بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومثل طارق صالح واجهته العسكرية، بينما مثلت الكثير من وجوهه الصحفية شبكة إعلامية، جسدت فيها رؤيتها للأحداث والتطورات، وكانت الشرعية وتحديدا الرئيس عبدربه منصور هادي والأحزاب المنضوية فيها خاصة حزب الإصلاح أهدافها الواضحة للنيل منها، والتشكيك بأدوارها، ووصل الأمر إلى حد اتهام حزب الإصلاح بالتحالف والتنسيق مع جماعة الحوثي.
إقرأ أيضا: حزب المؤتمر الشعبي العام .. من السلطة الى المعارضة والضمور
صعد هذا التيار بسرعة كبيرة، بفضل الدعم والرعاية التي تلقاها من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحولت مدينة عدن التي يسيطرو يشرف عليها قوات الإمارات مقصدا ووجهة مفضلة، احتضنت المنضمين له عسكريا وإعلاميا وسياسيا، ووفرت له الإمارات كل عوامل البقاء بما في ذلك عدم تعرضه للتحريض المناطقي التشطيري من قبل الجماعات والكيانات الجنوبية التي ترعاها أبوظبي في عدن، ومختلف مدن جنوب اليمن.
لم يعلن هذا التيار اعترافه بشرعية الرئيس هادي، ولا تبرؤه من ممارسات الحوثيين في صنعاء وغيرها من المدن اليمنية، بل واصل مهاجمة القوى التي تتقاطع توجهاتها مع جماعة الحوثي، وانخرط في الأجندة الإماراتية الواضحة في اليمن والمنطقة، وسعى لتقديم نفسه كطرف مختلف يجمع بين استعداء الشرعية ومكوناتها، والترويج للدور الإماراتي في اليمن.
على الصعيد العسكري جرى إسناد العديد من المهام العسكرية لهذا التيار الذي ابتدع لنفسه مسمى "حراس الجمهورية" وكانت جبهات الساحل الغربي هي أبرز الأماكن التي تواجد بها ليستلم المواقع التي تستردها جموع القوة السلفية والمقاومة التي رفضت القتال تحت قيادة هذا التيار.
ثم جاء القتال في جبهات الضالع، حيث شاركت تلك القوات، لكن النتيجة انتهت بسيطرة جماعة الحوثي على كل تلك المناطق، بفعل خيانات حدثت، وخلايا نائمة نشطت من جديد، وهو ما كشفه الموقع بوست من قبل، ووقعت العملية الأخيرة قبل أيام من إعادة ترتيب الحزب في صنعاء.
كل هذه الخيوط تمثل واجهة واحدة عكست وجود ترتيبات وتحركات لهذا التيار في اتجاهات مختلفة، لكنها في النهاية تصب في اتجاه واحد، مستفيدة من عوامل محلية وخارجية في لفلفة صفوفها، وإعادة ترتيب وضعها.
من العوامل المحلية هي بقاء الكثير من قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام في العاصمة صنعاء، وعجزها عن الخروج من السيطرة الحوثية، وارتباط مصالحها ببقائها في صنعاء، وكذلك التسهيلات التي قدمتها جماعة الحوثي للكثير من القيادات المؤتمرية التي تركت اليمن في وقت سابق، ثم تلقت تطمينات تضمن عودتها للداخل دون تعرضها للعقاب، ولذلك عادات قيادات مؤتمرية سبق أن سافرت إلى السعودية، وتبنت رؤيتها تجاه الحوثيين، ثم عادت من جديد لتعمل في مواقعها السابقة تحت إدارة الحوثيين للدولة.
أما بالنسبة للعوامل الخارجية فتبدو واضحة من تخندق هذا التيار خلف الأجندة الإماراتية، ومخالفته للتوجهات السعودية، ويتضح ذلك من خلال مقاطعة هذا التيار لجلسات مجلس النواب التي انعقدت في مدينة سيئون برعاية سعودية، وتأييده لأدوات أبوظبي في جنوب اليمن، وكلما ازداد الشرخ بين الإمارات والسعودية تزداد توجهات وانحيازات هذا التيار وضوحا.
لذلك يبدو من الوارد جدا أن إحياء حزب المؤتمر الشعبي العام بصنعاء جاء ردا على خطوات الرياض التي تسعى لبعث الحياة في الحزب، وإعادة تصديره للمشهد، بما يتلائم مع توجهاتها، لكن هذه البعث الحاصل في صنعاء جاء هذه المرة بايعاز إماراتي مبين، وكل هذا يأتي تجليا لصراع الإمارات والسعودية في اليمن، وهو صراع يتسع ليشمل مناطق عديدة، سواء في عدن أو تعز أو حضرموت، أو سقطرى، وربما وصل ذروته بعد التسريبات التي تفيد بمنع هادي لرئيس الحكومة من التوجه إلى دولة الإمارات تلبية لدعوة وجهتها له أبوظبي، وما كان لهادي أن يفعل ذلك إن لم يكن هناك توجه سعودي يقف خلف هذا الرفض.
اللافت هو عدم صدور أي موقف حتى اللحظة من نجل صالح المقيم في الإمارات، ولا عن الإمارات التي تدخلت إلى جانب السعودية في اليمن بمبرر إنقاذ الشرعية، ومواجهة الحوثيين باعتبارهم امتداد لإيران وأدوارها التخريبية، كما يصفون ذلك.
بالنسبة لجماعة الحوثي في صنعاء فهي تتصرف كأنها الدولة، وتتعامل مع ما يفعله حزب المؤتمر باعتباره إجراء حزبي داخلي يأتي تحت نظر الدولة، وبذلك تكون قد أسدلت الستار على حقبة صالح وتسيد حزبه على الوضع في اليمن، وذلك هو ما فعله صالح سابقا مع أحزاب أخرى بالضبط خلال فترة حكمه باليمن.
ذلك لايعني عدم وجود شخصيات مؤتمرية وطنية في صنعاء تتناقض في توجهاتها مع توجهات جماعة الحوثي، لكنها باتت في أضعف قوتها، وفقدت الإحساس بالتضحية، ولم يعد لديها استعداد لتخسر ما بقي معها، وكان جديرا بها أن تعلن موقفها بكل وضوح، وإلا فما قيمة الوطنية إذا لم تقترن بالتضحية والموقف القوي.
ولايزال حزب المؤتمر يمثل دثار وستار بالنسبة للحوثيين، والذي انكشف أن الحزب ظل يدير البلد لثلاثة عقود برئاسة صالح، ومثلت الحوثية أو ما يعرف بالهاشمية الدولة العميقة بالحزب، وهي من ظلت حية متماسكة، بينما بمقتل صالح أصبح حزب المؤتمر تركة يتنازعها العديد من الورثة المتشاكسون.
إقرأ أيضا: سيناريوهات مستقبل حزب المؤتمر الشعبي العام بين البيات والميراث
وربما هدف الحوثين من وراء هذه الخطوة إلى قطع الطريق أمام أي دور لحزب المؤتمر من قبل السعودية، كما تعكس هذه الخطوة توجه الحوثيين في احتواء أي قوة سياسية أو عسكرية في مناطق سيطرتهم، وحرصهم على الظهور بمظهر الجسد الواحد المتماسك.
بالتأكيد تحتفظ جماعة الحوثي بالعديد من نقاط القوة التي تمثل في الوقت نفسه نقاط ضعف على نجل صالح وقيادات حزب المؤتمر في صنعاء، وهو ربما ما يفسر صمت الطرفين تجاه مساعي الحوثيين لبناء حزب المؤتمر وفق الطريقة التي تناسبهم، ووفق ما يضمن بقائهم في الحكم، فبإعادة تشكيل حزب المؤتمر ستخفي الحوثية نفسها داخل اطره التنظيمية، وتعيد انتاج نفسها من جديد، وهي باحتمائها بالمؤتمر في صنعاء تحقق انتصارا لنفسها في نفي التهمة أنها اقصائية، وأن بالإمكان التعايش معها، وتدرء عن نفسها أيضا تهمة السلالية، فهي تريد شركاء سياسيين لكن بمقاس حزب المؤتمر حاليا، حيث هناك جسم بدون حياة.
في ذات الوقت لم تسجل حتى اللحظة أي مواقف معارضة لإعلان حزب المؤتمر في صنعاء، بما في ذلك قيادة الحزب في الرياض، وكذلك شخصياته كسلطان البركاني الذي رغم ما تحدث به عن الحوثيين في سيئون خلال انقعاد جلسة مجلس النواب، ولقاءه بولي العهد السعودي، فلم يمنع ذلك الحوثيين من السماح بتعيينه في منصب حزبي داخل حزب المؤتمر بنسخته الصنعانية.
أمام هذا المشهد لم يبقى سوى حزب الإصلاح الذي لم تنجح جماعة الحوثي إلى جره نحو جسدها في صنعاء، رغم المغازلة المتكررة من بعض القيادات الحوثية للحزب.
يضع الحزب كل ثقله في كفة السعودية، ولم تتضح بعد ما إذا كانت السعودية تقدر للحزب هذا الموقف أم لا.
بالطبع السعودية تستشعر كل هذا، ولم تستطع حتى اللحظة الفكاك من الإمارات، فإن أعلنت فك ارتباطها بها في اليمن، فهناك ما يضطرها للالتقاء بها في ملفات أخرى خارج اليمن، لكن من الواضح أن هناك العديد من الملفات التي تختلف فيها وجهة نظر الدولتين.