مهمة الإعمار.. الغطاء السعودي للتوغل في اليمن.. كيف بدأت الفكرة؟ وكيف انتهت؟ (تحقيق خاص 1-2)
- عامر الدميني الجمعة, 25 أكتوبر, 2019 - 10:25 مساءً
مهمة الإعمار.. الغطاء السعودي للتوغل في اليمن.. كيف بدأت الفكرة؟ وكيف انتهت؟ (تحقيق خاص 1-2)

[ الرئيس هادي مع السفير السعودي لدى اليمن ]

أثير موضوع إعادة الإعمار في اليمن لأول مرة بعد عاصفة الحزم والحرب التي شهدتها اليمن، بعد أن طال الدمار والخراب البنية التحتية جراء الغارات التي نفذتها طائرات التحالف العربي، وجراء الحرب التي شنتها جماعة الحوثي في أكثر من مدينة يمنية.

 

ومع إعادة الحكومة اليمنية الشرعية ترتيب وضعها في الخارج، واستئناف عملها من مدينة الرياض السعودية برئاسة نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء الأسبق خالد محفوظ بحاح، بدأت التحركات الحكومية للتركيز على ملف الإعمار في اليمن، ويمكن القول هنا إن هذا الملف بدأ بتحرك واهتمام يمني خالص، لكنه في النهاية خرج من يد الحكومة اليمنية، وتحول لاحقا إلى ذراع بيد غيرها، ويتم من خلاله ممارسة العديد من الأدوار التي تحقق مصالح القائمين عليه من الدول الأخرى، بعيدا عن مصلحة الحكومة اليمنية وواجباتها ومسؤوليتها المفترضة، وهو ما سنتطرق له في هذه المادة.

 

قامت الحكومة اليمنية برئاسة بحاح بتشكيل لجنتين جديدتين تزامنا مع تطورات الحرب الدائرة في اليمن أطلق على الأولى "اللجنة الإغاثية العليا" وعلى الثانية "لجنة إعادة الإعمار والتنمية"، ورأس اللجنة الأولى وزير الإدارة المحلية عبد الرقيب فتح، بينما ترأس الثانية وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق محمد الميتمي، وفيما أسندت للأولى مهمة تنسيق أعمال الإغاثة على المستوى المحلي والخارجي، فقد أسند للثانية مهمة إعادة الإعمار في ذات النطاق.

 

وفي 30 أغسطس من العام 2015م، أقر مجلس الوزراء إنشاء وتشكيل اللجنة العليا لإعادة الإعمار والتنمية، وعقدت في الخامس من سبتمبر في ذات العام أول اجتماع لها برئاسة بحاح، وتم الاتفاق على تشكيل الجهاز التنفيذي للجنة، وتعيين مدير تنفيذيلها، طبقا لشروط مرجعية معترف بها دوليا، والخضوع لمعايير الأفضلية والمنافسة لشغل المنصب.

 

لم يتم الإعلان لاحقا عن تشكيلة أعضاء اللجنة العليا لإعادة الإعمار والتنمية بشكل رسمي، وظهر لاحقا وزير التخطيط والتعاون الدولي محمد الميتمي يحمل هذه الصفة.

 

واصلت اللجنة عملها، وفي الـ17 من أكتوبر 2015، عقد مجلس الوزراء اجتماعه في الرياض برئاسة رئيس الوزراء الأسبق خالد بحاح وناقش ملف الإعمار والتنمية والخطط والآليات التي تعمل وفقها اللجنة، وفي ذات اليوم كان وزير التخطيط الأسبق محمد الميتمي يجري مباحثات مع عدة مسؤولين أمريكيين في واشنطن تتعلق بإعادة الإعمار في اليمن.

 

وفي الـ25 من أكتوبر 2015م، عقد اجتماع في مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي بالرياض بمشاركة يمنيةكرسلمناقشة برامج إعادة الإعمار والتنمية في كافة المحافظات اليمنية، وبعدها بيومين، أي في الـ28 من أكتوبر 2015، ترأس نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح في الرياض اجتماع اللجنة العليا لإعادة الإعمار والتنمية واللجنة العليا للإغاثة.

 

ثم بدأ ملف الإعمار يدخل مرحلة الاهتمام الأوسع من خلال دعوة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج في الدورة الـ36 للمجلس المنعقدة في الرياض في ديسمبر من العام 2015 إلى الإعداد لمؤتمر إعادة الإعمار في اليمن ووضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني لإدماجه في الاقتصاد الخليجي.

 

وفي الـ31 من مارس 2016، ناقش مجلس الوزراء في اجتماعه الأسبوعي برئاسة خالد بحاح، في العاصمة السعودية الرياض عدة ملفات من بينها ملف التنمية وإعادة الإعمار، وفي الـ21 من يونيو 2016،عقدت اللجنة العليا لإعادة الإعمار والتنميةاجتماعا بمقر الأمانة العامة لمجلس التعاون برئاسة رئيس اللجنة وزير التخطيط محمد الميتميحضره وفد من البنك الدولي والأمانة العامة لمجلس التعاون وناقش إعادة الإعمار في اليمن.

 

وبعد ثلاثة أشهر وتحديدا في الـ13 من مارس 2016، جرى عقد ورشة عمل في مبنى الأمانة العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية تحت شعار "الدروس المستفادة من التجارب الدولية في التعافي وبناء السلام وإعادة الإعمار".

 

كانت الورشة بتنظيم من وزارة التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة الشرعية والتي كان يرأسها الوزير محمد الميتمي ورعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون وحضرها شركاء التنمية في اليمن من المنظمات الدولية.

 

ووفق ما ذكرته وكالة "سبأ" الحكومية حينها، كشف وزير التخطيط أن وزارته تعد لطرح برنامج إعادة الإعمار والتنمية الشامل في اليمن، انطلاقا من مسؤولية الحكومة الدستورية والقانونية بالشركة مع دول مجلس التعاون الخليجي وشركاء اليمن الدوليين من دول صديقة وهيئات ومنظمات، وإشارإلى أن من أولوياتالإستراتيجية للحكومة هي إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب،وإعادة تأهيل المؤسسات،وتوفير الأمن والاستقرار، وتطبيع الحياة.

 

الجهود الحكومية

 

استمرت الجهود الحكومية اليمنية في أنشطتها لتفعيل ملف الإعمار بالتنسيق مع العديد من الجهات الدولية، وتولت وزارة التخطيط إبان فترة الوزير الميتمي الجهد الأكبر في التسويق لهذا الملف، وبلورة مفهومه، ووضع اللبنات الأولى للمشروع، وتواصلت مع مختلف الجهات الدولية الرسمية والمنظمات في محاولة لتجسيد المشروع عمليا ضمن اللجنة العليا لإعادة الإعمار التي تم إنشاؤها لهذا الغرض.

 

حينها كانت عدة محافظات يمنية تتدارس ملف إعادة الإعمار في إطار التوجه العام للحكومة الشرعية، وشهدت محافظات عدن وتعز تحديدا عدة أنشطة رسمية لتنظيم المسؤولية في هذا الجانب، وبدء التنفيذ على الأرض، بل إن الحكومة رصدت مبالغ مالية لبدء عملية الإعمار، ومن ذلك ترميم وإعادة بناء المنازل المتضررة من الحرب في عدن خلال العام 2017، وكذلك بدء اللجنة المكلفة من رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر في تعز بتشكيل اللجنة الفنية المساعدة للجنة الإشراقية المكلفة لإعادة الإعماربالمحافظة، والتي عقدت لقائها الثاني في الرابع من ديسمبر 2017م، وكشفت عن تخصيص الحكومة مبلغ ملياري ريال لبدء الإعمار في تعز.

 

وزير الزراعة والري السابق أحمد الميسري قال في الـ30 من أكتوبر 2017 أمام الاجتماع الموسع لمدراء مكاتب الوزارة في المحافظات المحررة ومدراء المشاريع الزراعية الذي انعقد في عدن إن قطاع الزراعة في المحافظات المحررة احتل أولوية كبيرة ضمن مشروع إعادة الإعمار لعام 2018م باعتباره عام سينفذ فيه عدد من مشاريع إعادة الإعمار والتطويرفي عدد من المحافظات، وعندما كان عيدروس الزبيدي محافظا لعدن قال بأن أبرز التحديات التي تواجه عدن هي الملف الأمني وملف إعادة الإعمار.

 

كان وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق محمد الميتمي أكثر الشخصيات الحكومية التي عملت منذ البداية على ترسيخ وتأسيس فكرة إعادة الإعمار في اليمن، التقى الميتمي في نيويورك يوم الثلاثين من سبتمبر 2015 بمساعد الأمين العام للأمم المتحدة والمدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتورة سيما بحوث، وناقش معها سبل دعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للحكومة اليمنية في إعادة الإعمار والتعافي من كارثة الحرب والصراع المسلح.

 

وضمن تحركات الوزير الميتمي في هذا الملف خلال عمله في وزارة التخطيط، انعقدت بتاريخ الثالث عشر من مارس 2016م في مبنى الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ورشة العمل الخاصة بالدروس المستفادة من التجارب الدولية في التعافي وبناء السلام وإعادة الإعمار بتنظيم وزارة التخطيط والتعاون الدولي والأمانة العامة لمجلس التعاون وشركاء التنمية في اليمن من المنظمات الدولية تحت شعار "الدروس المستفادة من التجارب الدولية في التعافي وبناء السلام وإعادة الإعمار".

 

وناقشت الورشة الدروس المستفادة من التجارب الدولية في التعافي وبناء السلام وإعادة الإعمار تمهيداً لطرح برنامج إعادة الإعمار والتنمية في اليمن الذي كانتتعده وزارة التخطيط والتعاون الدولي والاستفادة من تجارب الدول التي مرت بظروف مشابهة للظروف التي تحدث باليمن.

 

في تلك الورشة كشف الميتمي عن إعداد وزارته برنامج إعادة الإعمار والتنمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في سياق المهمة الكبرى والأساسية لإعادة الإعمار والتعافي الوطني الشامل للبلد بالشراكة مع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وشركاء اليمن الدوليين من دول صديقة وهيئات ومنظمات.

 

وأكد الميتميأن من أولوياتالإستراتيجية للحكومة هي إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب،وإعادة تأهيل المؤسسات،وتوفير الأمن والاستقرار، وتطبيع الحياة بما يكفل لانتقال الأمن والصلب نحو المرحلتين الانتقالية والنمو المستدام والتي تستند على عدد من المبادئ الأساسية ومن أبرزها عدم الإقصاء والتهميش، والشراكة الكاملة مع كافة فئات المجتمع المنضوية تحت سلطة الدستور والقانون.

 

ورغم إقالة الميتمي من وزارة التخطيط وتعيينه في وزارة الصناعة والتجارة، فقد ظل هذا الملف يحتل أولوية لديه، والتقى في الرابع والعشرين من مايو 2017 في الرياض وزير المالية السعودي محمد الجدعانوبحث معه ملف إعادة الاعمار والتعافي الاقتصادي في اليمن، وكشف الوزير السعودي عن إعادة تحريك التمويلات المعلقة عبر الصندوق السعودي للتنمية وتفعيلها عبر مشاريع التنمية في اليمن.

 

وفي فعالية نظمتها القنصلية اليمنية في مدينة جدة السعودية يوم الثلاثين من مايو 2017، طالب الميتمي-بصفته وزيرالصناعة- القطاع الخاص في اليمن للمشاركة في إعادة الإعماروالتعافي الاقتصادي ولعب دور في نهضة اليمن وتجاوز مآسيه.

 

كان هذا الحماس من الوزير الميتمي ملفتا، وساهم في جذب أنظار العالم نحو هذه المهمة، وأسهمت تحركاته في وضع ملف الإعمار في اليمن في بداية الطريق، كفكرة قابلة للتطوير والاستكمال.

 

لكن شيئا لم يحدث مما قام به الوزير الميتمي، وفي غمرة نشاطه وحماسه بهذا الملف جرت إقالته من منصبه، وتعيين محمد السعدي خلفا له، وانتهت بإقالته فكرة تفعيل اللجنة العليا لإعادة الإعمار حتى اليوم.

 

واصل السعدي العمل على هذا الملف، وفي الثامن والعشرين من فبراير 2017 بحث وزيرا التخطيط والتعاون الدولي محمد السعدي، والكهرباء والطاقة المهندس محسن الأكوع، بالرياض، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى اليمنأنطونيا بورتا آفاق التعاون الثنائي بين الاتحاد الأوروبي واليمن والتهيئة لإعادة الإعمار لما بعد الحرب، وإعادة تفعيل البرامج التي توقفت بسبب الانقلاب، وكانت أبرز القطاعات التي نوقشت في اللقاء هي الكهرباء والغذاء والصحة والتعليم، وقطاع الأمن والحكم الرشيد.

 

وخلال عمله في وزارة التخطيط، تحرك الوزير محمد السعدي لتفعيل برنامج الإعمار في اليمن، من خلال التنسيق مع الجهات الدولية المهتمة والمعنية، ففي الرابع عشر من فبراير 2017 شارك الوزير السعدي في اجتماع لجنة تسيير مشروع سبل المعيشة وتعزيز القدرة على الصمود في الريف اليمني الذي انعقد في العاصمة الأردنية عمان، بحضور ممثلين عن الاتحاد الأوربي وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة العمل الدولية والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.

 

اللقاء كرس لمناقشة مستوى التقدم في تنفيذ المشروع وخطة العمل لعام 2017 والأنشطة المزمع تنفيذها لخلق فرص عمل في القطاع الزراعي والسمكي والمياه والتدريب ومحاربة الفقر والبطالة في صفوف الشباب والنساء، ويغطي المشروع بعض مديريات محافظات حجة والحديدة ولحج وأبين بتمويل من الاتحاد الأوروبي بمبلغ 38 مليون دولار والذي ينفذ عبر البرنامج الإنمائي من الصندوق الاجتماعي وبعض منظمات المجتمع المدني.

 

وأعلنت ممثلة الاتحاد الأوربي في ذات الاجتماع بأنه خلال الأشهر القادمة سيتم توسيع نطاق المشروع بحيث يشمل محافظات ومديريات أخرى بتمويل إضافي يصل إلى 60 مليون دولار، مؤكدة استمرار الاتحاد الأوروبي في دعم اليمن لبرنامج إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.

 

الوزير السعدي بحث ملف الإعمار مع السفير التركي لدى اليمنليفنتإيلر الذي التقاه في الرابع من يوليو2017 بمدينة الرياض، وتناول اللقاء التنسيق المشترك من أجل دعم وتعزيز برنامج إعادة الإعمار وأولويات مرحلة ما بعد الحرب، وربما مثل ذلك اللقاء قلقا لدى الجانب السعودي، الذي ينظر بعين الريبة للدور التركي في اليمن، وبعين أخرى أكثر ريبة لتحركات الوزير السعدي المصنف على حزب التجمع اليمني للإصلاح.

 

ورغم الدور الذي اضطلع به الوزير السعدي في عمله بوزارة التخطيط في سبيل تفعيل ملف الإعمار وحشد الدعم الدولي لتحقيقه، فقد اصطدمت تلك الجهود بكتلة صلبة تمثلت بخلق مسار آخر للعمل على ملف الإعمار من قبل البرنامج السعودي لإعادة الإعمار الذي كان قد بدأ في التحرك لتنفيذ مشاريع الإعمار في اليمن، من خلال العديد من التحركات والمباحثات التي قام بها السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر مع المسؤولين في الحكومة الشرعية بما في ذلك رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي.

 

كانت تلك التحركات للجانب السعودي تمضي في مسار منفصل عن جهود وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وبدلا من التنسيق مع الوزارة كجهة حكومية معنية بهذا الملف، سلك السفير السعودي وجهة أخرى، وعمل على هذا الملف مع وزارة الأشغال العامة والطرق التي كان يرأسها معين عبدالملك.

 

تحرك السفير السعودي بشكل مكثف في ملف الإعمار، ودشن العديد من المشاريع في عدة محافظات يمنية بمعية وزير الأشغال الذي اصطحبه إلى كل مدينة يمنية وصلها السفير، وفي ذات الوقت جرى تهميش وتحييد وزارة التخطيط من كل تلك الأنشطة والجهود.

 

أقيل الوزير السعدي من عمله لاحقا، وتعثرت مع إقالته الجهود التي بذلها، وأجهضت فكرة اللجنة العليا لإعادة الإعمار مثلما أصاب التعثر الآخر ما أطلق عليه بالجهاز التنفيذي لإعادة الإعمار، والذي كشف عنه نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي نزار باصهيبيوم السادس عشر من فبراير 2016 بمدينة عدن خلال اجتماع ناقش الدراسات والخطط الخاصة بإعادة الإعمار في المحافظات المحررة، وتأسيس الجهاز، ولم يعرف ذلك الجهاز الطريق للوجود عقب ذلك.

 

مع إقالة السعدي من وزارة التخيط والتعاون الدولي، وهي الجهة الحكومية المناط بها التباحث مع الجهات الدولية والمانحين لبحث المشاريع المطلوبة في اليمن،عزز السفير السعودي حضوره وتوغله أكثر في الحكومة اليمنية، متخذا من  برنامج الإعمار السعودي واجهة وغطاء لتحركاته.

 

عينت الحكومة اليمنية نحيب العوج خلفا للسعدي، وكان من المتوقع استمرار وزارة التخطيط بهذه المهمة استكمالا للجهود السابقة في هذا المضمار، لكن الملاحظ أن هذه الوزارة استمرت جهودها في عقد اللقاءات والمباحثات في إطار ما يسمح به البرنامج السعودي، وظلت بعيدة عن هذا الملف.

 

وبشكل تدريجي تقلص الدور الحكومي في التحرك نحو إعادة الإعمار لصالح بروز الدور السعودي، وأصبح البرنامج السعودي لإعادة الإعمار هو من يتولى التنسيق باسم اليمن مع مختلف الجهات والمنظمات الدولية والأممية والإعلامية والحكومات، بينما بات الحضور الحكومي اليمني شكليا فقط، وبدون أي شراكة حقيقية معه، بل أيضا عانى من التهميش والإقصاء.

 

خروج الملف من يد الحكومة

 

عوامل عديدة بدأت أثرت على خروج ملف إعادة الإعمار من يد الحكومة اليمنية، واستئثار الجانب السعودي به بشكل كامل، ومن أبرزها الإقالات المستمرة للعاملين عليه، بدءا من رئيس الوزراء خالد محفوظ بحاح، الذي خلفه أحمد عبيد بن دغر، وعمل على ذات القضية، ثم أقيل من منصبه، وخلفه معين عبد الملك، ثم الإقالات ذاتها لوزراء التخطيط في الحكومة الشرعية الذين كانوا أكثر المسؤولين حضورا في ملف الإعمار، وخلال خمس سنوات تعاقب على وزارة التخطيط ثلاثة وزراء هم: محمد الميتمي، ثم محمد السعدي، ثم نجيب العوج، وكان لهذا التغيير والاستبدال دورا في تعثر مساعي الحكومة الشرعية في المضي ببرامج الإعمار في اليمن.

 

ومن جملة تلك الإقالات كانت الإقالة الأكثر تأثيرا هي إقالة الوزير الميتمي صاحب الجهد الأول والأكبر، وأقيل في فترة حساسة، وأعقب إقالته تحولات عدة، خاصة مع صعود أحمد عبيد بن دغر لرئاسة الحكومة.

 

تلك الإقالات التي لم يعرف بعد دوافعها، لم تكن سوى تمهيد للطريق التي شقتها السعودية نحو الإمساك بملف الإعمار، وأزاحت من طريقها كل شخصية يمكن أن تمثل لها عائقا في الوصول لهدفها، وتمكنت مستفيدة من سيطرتها على القرار الحكومي في إبعاد الشخصيات المؤثرة والتي يمكن لها أن تلعب دورا إيجابيا، وصعدت شخصيات أخرى ليس لها حضور سوى تنفيذ ما تمليه عليه الجهات السعودية.

 

أمام هذا المشهد دفعت السعودية بكل ثقلها لشرعنة برنامجها في اليمن وإضفاء الشرعية عليه من قبل الحكومة اليمنية، تمهيدا لحضورها بشكل أكبر في اليمن، الأمر الذي يتيح لها التحكم بالمشهد، والاتصال بشريحة واسعة من المجتمع، والوصول لمختلف الأماكن والوجهات التي تريدها في اليمن.

 

ففي الـ11 من نوفمبر 2017م، التقى الرئيس هادي مع هيئة مستشاريه بحضور رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر ونواب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبدالملك المخلافي (السابق)عقب لقاء هادي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وخلال اللقاء كشف هادي بأن الأمير السعودي خصص مبالغ مالية لإعادة الإعمار وإصلاح البنى التحتية في مجالات التعليم والصحة والطرقات والكهرباء والمياه وغيرها ابتداء من يناير 2018م، ووجه وجه هادي الحكومة بوضع الخطط والبرامج التي تضمن تنفيذا فعليا للتوجهات التنموية المدعومة من المملكة.

 

كان ذلك الوعد السعودي إيذانا ببدء مرحلة جديدة في مسيرة ملف الإعمار في اليمن، إذ إن التمويل للمشاريع المزمع تنفيذها في الإعمار جاءت من المملكة العربية السعودية وحدها، وكان هذا الأمر كافيا لتتولى الرياض هذه المهمة، وأثر هذا على بقاء اللجنة العليا لإعادة الإعمار والتنمية التي اختفت تماما من الواجهة، ولم يعد لها أي حضور.

 

ومن الأسباب التي توصلنا لها أثناء إعداد هذه المادة وكان لها تأثيرها على تراجع الدور الحكومي اليمني وبروز الدور السعودي، عدم بقاء واستقرار الحكومة الشرعية داخل اليمن، وهو ما مثل سببا مباشرا لصعوبة توليها وإشرافها على ملف إعادة الإعمار، وواجهت الحكومة العديد من التحديات الأمنية والاقتصادية التي حالت دون انتقالها بشكل نهائي للعمل من العاصمة المؤقتة عدن، وأغلب تلك التحديات يقف التحالف خلفها، وبيده تجاوزها، لكن عودة الحكومة وتوليها لهذا الملف سيحرم السعودية تحديدا من مبررات البقاء داخل المحافظات المحررة بحجة تنفيذ مشروع الإعمار، ولذلك فمن مصلحتها بقاء الحكومة في الخارج، واستمرار حالة الهشاشة والضعف الذي تعاني منه.

 

الأزمة الخليجية مع قطر كان لها تأثير على برنامج إعادة الإعمار والتنمية الذي كانت تمضي فيه الحكومة اليمنية، واستغلت السعودية هذا الأمر للاستفراد بملف إعادة الإعمار في اليمن لنفسها، وأدى تدهور العلاقة بين دول الخليج الست في السنوات الأخيرة بعد الأزمة مع قطر إلى تعزيز الهيمنة السعودية على البرنامج في اليمن.

                       

ففي الـ25 من أكتوبر 2015م عقد اجتماعفي مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون بالرياض،وكرسلمناقشة برامج الإغاثة والتدخل الإنساني، وبرامج إعادة الإعمار والتنمية في كافة محافظات اليمن، بحضور ممثلين عن مختلف الجهات الإغاثية والإنسانية في دول الخليج، بما في ذلك الهلال الأحمر القطري، والهلال الأحمر الكويتي، ولجنة الإغاثة العمانية، وممثلين عن صناديق التنمية في دول الخليج العربية.

 

وأسفر الاجتماع عن اتفاق كافة المشاركين على إعادة تخصيص المبالغ الخاصة بإعادة الإعمار من محافظ الصناديق الخليجية الى الاحتياجات الملحة في المناطق المتضررة الواقعة تحت سلطة الدولة الشرعية مع الجاهزية والاستعداد لكل المناطق والمحافظات التي يسيطرعليهاالانقلابيون.

 

 لكن الخلافات التي نشبت بين الدول الخليجية أثرت على استكمال المضي في هذا الاتفاق، بعد إعلان التحالف بقيادة السعودية إعفاء قطر من المشاركة في التحالف، وإعلان المقاطعة عليها، فانسحبت قطر بشكل تلقائي من مشروع إعادة الإعمار، وأعقب ذلك اهتزاز العلاقة بين الكويت والسعودية، وبين سلطنة عمان والسعودية، فغابت الدولتان أيضا عن المشاركة في البرنامج، وأصبح الأمر كاملا بيد السعودية والإمارات.

 

ومن الأسباب أيضا عدم الاستقرار في رئاسة وأعضاء الحكومات المتعاقبة للشرعية منذ العام 2015 وحتى اليوم، الأمر الذي ساهم هو الآخر في تعثر برامج إعادة الإعمار، وخروجه من يد الحكومة إلى يد السعودية، وأدت التغييرات المتتالية لأعضاء الحكومة إلى إزاحة شخصيات كانت أكثر حماسا وإخلاصا للبرنامج، وتصعيد أخرى وفقا لمعايير مختلفة أبرزها درجة الولاء ومستوى الاقتراب من الجانب السعودي الذي لعب دورا محوريا في إقالة وتعيين الوزراء في الحكومة، لحسابات عديدة.

 

دور السفير السعودي

 

مع تولي السفير السعودي محمد آل جابر ملف إعادة الإعمار بدأ حضور الوزراء المختصين بهذا الملف يتراجع، وبدا النقاش في هذا الملف منحصرا برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وتوارى دور وزارة التخطيط في العمل بشكل كبير،  ولم يلتقِ آل جابر بوزير التخطيط  السابق محمد السعدي المنتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح سوى مرة واحدة، كما تبين الأخبار الرسمية في وكالة "سبأ" الحكومية، وكان ذلك اللقاء في الـ26 من مايو 2018م، بينما بدأت وجوه حكومية جديدة بالظهور والإمساك بهذا الملف، وأبرزهم معين عبدالملك الذي عمل وزيرا للأشغال العامة، ورافق السفير السعودي في معظم تحركاته المتعلقة بإعادة الإعمار داخل اليمن، ثم جرى لاحقا تعيينه رئيسا للوزراء.

 

وتحول ملف الإعمار من مسؤولية وزارة التخطيط والتعاون الدولي التي كان لها قصب السبق في العمل عليه إلى وزارة الأشغال العامة في عهد الوزير معين عبدالملك بدلا من وزارة التخطيط، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى توقيع اتفاقيات مع الوزارة لتنفيذ مشاريع تعد من اختصاص وزارات أخرى، كالتخطيط والنقل، وهو ما كشف عنه السفير آل جابر حين قال في الخامس من فبراير 2018م في مؤتمر صحفي بالرياض حضره ناطق التحالف ووزير الأشغال معين عبدالملك إنه وقع اتفاقية مع وزارة الأشغال لتنفيذ مشروع جديد يعنى بالموانئ اليمنية، سيسهم بشكلٍ كبير في دعم العمل الإنساني والإغاثي، ضمن خطة العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، ويتمثل في تأمين رافعات آلية في كلٍ من موانئ عدن والمكلّا والمخا، مؤكداً أن ميناء المخا سيكون مهيأً بعد إنجاز هذا المشروع عليه من استقبال 36 ألف طن، فيما ستتضاعف في ميناء عدن من 437 ألف طن في الوقت الحالي لتصبح 713 ألف طن، في حين سيتمكن ميناء المكلّا من إنزال ما سعته 85 ألف طن، بعد أن كان يستقبل 41 ألف طن.

 

بعدها انتقلت آلية العمل على ملف الإعمار من اللقاءات مع المسؤولين اليمنيين في الرياض إلى زيارات ميدانية قام بها السفير السعودي إلى عدة محافظات يمنية خلال العام 2018م أبرزها زيارته لمأرب والمهرة وسقطرى وحضرموت وعدن، برفقة وزير الأشغال معين عبدالملك، باعتبار وزارته مسؤولة عن هذا الملف، ومن المفارقة هنا أن معين عبدالملك جرى تعيينه رئيسا للوزراء، ولم يتم تعيين خلفا له في وزارة الأشغال العامة والطرق حتى الانتهاء من إعداد هذه المادة.

 

سعت الحكومة اليمنية ممثلة برئاسة الجمهورية لمحاولة استعادة السيطرة على ملف الإعمار بعد تزعم السفير السعودي لهذه المهمة بشكل كامل، ففي الـ 26 من نوفمبر 2018 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (183) لسنة 2018مبتعيين المهندسسيف محسن عبود الشريف مستشارا لرئيس الجمهورية لشؤون إعادة الإعمار.

 

لكنه منذ تعيينه لم يمارس أي أنشطة تتصل بطبيعة عمله سوى ثلاثة لقاءات منفصلة مع سفراء أجانب، الأول بتاريخ الـ17 من فبراير 2019 والتقى فيه السفير الفرسي لدى اليمن كريستيان تيستو، وبحث معه ملف إعادة الإعمار في اليمن والخطة والإطار العام لإعادة الإعمار التي تشمل جميع محافظات الجمهورية، وكذلك الرؤية الإستراتيجية لملف الإعمار بمحاوره المختلفة وبما يعزز من حضور الدولة في معالجة الأوضاع الاقتصادية وتنشيط عجلة التنمية.

 

أما الثاني فقد كان بتاريخ الـ18 من فبراير 2019 مع سفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق لدى اليمن ماثيو تولر، وبحث معه مخرجات اللجنة الرباعية الدولية المنعقد في وارسو، الخاصة بإعادة الإعمار باليمن، والثالث مع السفير التركي لدى اليمن الدكتور فاروق بوزكوز إمكانية مساهمة بلاده في إعادة الإعمار في اليمن في الثالث من مارس 2019م.

 

وكان للإقصاء الذي استهدف المهندس الشريف في مهمته تأثيره عليه، وفي خبرنشره موقع مأرب برس المقرب من الشريف أعرب مصدر وصفه الموقع بالمسؤول عن تذمره من عمل برنامج الإعمار السعودي بشكل منفرد في هذا الملف داخل اليمن، وتجاهل الجهات اليمنية المعنية، واتهم المصدرالسفير السعودي في اليمن بتجاوز كل الأعراف الدبلوماسية من خلال لقائه بأطراف دولية بخصوص إعادة الإعمار بعيداً عن الشرعية.

 

كان ذلك التصريح بمثابة التعبير عن الامتعاض لدى الشريف، ورسالة سعى لتوصيلها للجانب السعودي، وحاول "الموقع بوست" التواصل مع الشريف وطرح العديد من الأسئلة عليه في هذا الجانب لكنه لم يرد.

 

أدى هذا الوضع إلى تعطيل مهمة الوزارات الحكومية المعنية بملف الإعمار، وفتح باب العشوائية أمام عدة جهات حكومية للخوض في هذا الملف خلال لقاءاتهم مع مسؤولين أجانب، بينما انتعش الدور السعودي بشكل أكبر وأوسع، ليحقق للرياض العديد من الغايات.


التعليقات