2019.. حصاد عام من اتفاق ستوكهولم.. سلام متعثر وإخفاق يتكرر
- خاص الأحد, 05 يناير, 2020 - 04:51 مساءً
2019.. حصاد عام من اتفاق ستوكهولم.. سلام متعثر وإخفاق يتكرر

[ حصاد عام كامل على توقيع اتفاق ستوكهولم ]

عام كامل مضى على توقيع اتفاق "ستوكهولم"، بين الحكومة اليمنية والحوثيين في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2018م، لم يشفع لإحداث تقدم جوهري على طريق التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة في العاصمة السويدية ستوكهولهم.

 

بعد عام كامل ما يزال التقدم إلى الوراء هو سيد الموقف، بحسب معطيات الواقع في محافظة الحديدة (غربي اليمن) مع تزايد الاتهامات الحكومية للحوثيين بالمراوغة وعدم الالتزام بتنفيذ أياً من بنود الاتفاق.

 

تعتبر محافظة الحديدة كمنفذ بحري حيوي وإيرادي، أحد أهم مصادر قوة جماعة الحوثي منذ سيطرتها عليها إثر تمردها على الشرعية اليمنية في 2014، ولتجريد الجماعة من هذه القوة، أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية، عن عملية عسكرية لتحرير الحديدة، في سبتمبر/أيلول 2018.

 

جاء اتفاق ستوكهولم، بعد عملية عسكرية "النصر الذهبي" أطلقتها القوات الحكومية بدعم من التحالف العربي، لتحرير الحديدة ومينائها الخاضعين لسيطرة جماعة الحوثي، في 13 يونيو 2018.

 

نجحت القوات الحكومية وباسناد من التحالف في تحرير مدن الساحل الغربي ابتداءً من باب المندب جنوبا وحتى مدينة الحديدة، وتحررت مدن المخا والخوخة وعدة مديريات جنوب مدينة الحديدة.

 

تقدمت ألوية العمالقة الجنوبية إلى داخل مدينة الحديدة، واستطاعت تحرير المطار وقطع الطريق الرئيسي مع صنعاء والالتفاف على جماعة الحوثي وحصارها في داخل ميناء الحديدة. وكان تحرير  المدينة ومينائها قاب قوسين أو أدنى، فأعلن المجتمع الدولي النفير العام لإنقاذ جماعة الحوثيين تحت شماعة الوضع الإنساني، لأن إضعافها يمهد لوقف الحرب في البلد، وهو ما لا يريده الغرب حالياً لأسباب عديدة.

 

تدخل أممي

 

هرع مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى الحديدة، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2018، رغم أن المحافظة كانت حينها ساحة قتال مستعرة، وعقد مؤتمراً صحفياً قال فيه: "سنعمل لتجنيب الحديدة ويلات الحرب".

 

نجحت مساعي المبعوث الأممي غريفيث في الحصول على موافقة الحكومة اليمنية والانقلابيين الحوثيين لعقد مفاوضات سياسية في العاصمة السويدية ستوكهولهم.

 

ونص الاتفاق على انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى شمال طريق صنعاء، في مرحلة أولى خلال أسبوعين من توقيع الاتفاق.

 

وتقرر تشكيل لجنة للإشراف على إعادة انتشار القوات اليمنية في الحديدة بإشراف من الأمم المتحدة، على أن تتولى السلطات المحلية الإشراف على المدينة وفق القوانين اليمنية.

 

وستشرف لجنة تنسيق إعادة الانتشار على عمليات إعادة الانتشار والمراقبة، هذا إلى جانب عملية إزالة الألغام من الحديدة ومينائها.

 

وينص الاتفاق أيضا على أن تودع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية بمحافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن.

 

اتهامات متبادلة

 

على مدار عام كامل لم تتوقف الاتهامات بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي بعرقلة تنفيذ اتفاق ستوكهولم، خاصة خفض التصعيد وإعادة الانتشار بين الطرفين.

 

وما انفكت الحكومة اليمنية تنتقد بشكل دائم ما تصفه ـمماطلة الحوثيون في تنفيذ بنود اتفاق ستوكهولم، مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لتنفيذه، وخرق الجماعة الهدنة العسكرية بقصف مواقع ألوية العمالقة، إضافة لمواصلتها فرض نقاط عسكرية تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى مراكز الإغاثة التي تشرف عليها الأمم المتحدة.

 

لكن جماعة الحوثي تزعم أن الحكومة اليمنية فسرت بنود اتفاق ستوكهولم تفسيرا خاطئا.

 

أبرز محطات الاتفاق

 

وفي 13 من ديسمبر 2018، أعلن في العاصمة السويدية "ستوكهولم"، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش"، عن الاتفاق الذي حمل اسم المدينة، ولم توقع عليه الأطراف المتحاورة واكتفت بالموافقة الشفهية.

 

ومنذ ذلك اليوم وغريفيث في جولات مكوكية شملت عدة عواصم عربية وغربية، لتنفيذ ولو بند واحد من الاتفاق، فقط لحفظ ماء وجه المبعوث الأممي الذي يمثل هذا الاتفاق الإنجاز النظري الوحيد له منذ استلامه المهمة في فبراير/شباط 2018.

 

17 ديسمبر/ كانون الأول 2018، شكلت الأمم المتحدة لجنة لمراقبة وتنسيق إعادة إنتشار، وتولى رئاستها الجنرال الهولندي "باتريك كومارت"، وبعد شهر واحد، قدم استقالته إثر تعرض موكبه لإطلاق نار من الحوثيين، بسبب الآلية المزمنة التي وضعها وعملية إعادة الانتشار.

 

22 ديسمبر/كانون الأول 2018، أصدر مجلس الأمن قرارا عزز اتفاق ستوكهولم وتضمن ثلاثة محاور، الأول حول مدينة الحديدة وموانئها (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، والمحور الثاني آلية تنفيذية لتفعيل اتفاقية تبادل الأسرى، والثالث إعلان تفاهمات حول مدينة تعز المحاصرة.

 

23 يناير/كانون الثاني 2019، عين الجنرال الدنماركي "مايكل لوليسغارد" لرئاسة اللجنة، خلفا لـ"باتريك" والذي استمر لمدة تسعة أشهر واضطر لمغادرتها بعد سلسلة من الإساءات الحوثية تمثلت في حجزه أكثر من مرة، ومنع تحركاته.

 

5 أكتوبر/ تشرين أول، أعلنت الأمم المتحدة أنّ الجنرال الهندي "أبهيجيت جوها"، تسلّم مهامه رسمياً رئيسا للجنة إعادة الانتشار بالحديدة كثالث رئيس لفريق المراقبين الدوليين، والذي بدروه يعاني من عرقلة كبيرة في مهامه.

 

خطة إعادة الانتشار

 

نصت بنود اتفاق السويد على بدء سريان وقف إطلاق النار بمدينة الحديدة في 18 ديسمبر/كانون الأول، فيما حدد السابع من يناير/كانون الثاني موعدا لتنفيذ إعادة انتشار القوات فيها، إضافة لاتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين وتفاهمات بشأن فك الحصار عن مدينة تعز، لكن أياً منها لم ينفذ في الواقع.

 

ركزت خطة إعادة الانتشار على مرحلتين: الأولى، انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، والانسحاب من مناطق التماس، فتح الممرات الإنسانية إلى مطاحن البحر الأحمر. المرحلة الثانية، الانسحاب من مدينة الحديدة إلى أطرافها.

 

ومنذ الإعلان عن اتفاق ستوكهولم، منتصف ديسمبر/كانون الأول 2018، دأبت جماعة الحوثي على إفشال جميع بنود الاتفاق عبر سلسلة من الخروقات ورفضها الالتزام بتعهداتها.

 

وحيال تلك الخروقات تعاملت الأمم المتحدة بسلبية مريبة، مكتفية بالتحسر وبيانات القلق فقط على ما تسميه "الفرص المهدرة لتحقيق السلام".

 

ولم يحقق المراقبون الأمميون الثلاثة أي نتائج إيجابية فيما يخص تطبيق اتفاق ستوكهولم، فالتقدم الطفيف الذي كان قد حصل في ميناء الحديدة، خلال فترة الدنماركي "لوليسجارد" تحول إلى مسرحية هزلية، بعد انسحاب وهمي لمليشيات الحوثيين من الميناء، واستبدال المليشيات بقوات أمنية موالية لها.

 

كما عجز رؤساء البعثة الأممية الثلاثة بالحديدة عن تحقيق أي تقدم بخصوص فتح الممرات الإنسانية، مع استمرار جماعة الحوثي في زرع الألغام الأرضية، وحفر الأنفاق والخنادق الملغومة في الأطراف الشرقية والجنوبية لمدينة الحديدة.

 

وخلال فترة المسؤولين الثلاثة، عقدت لجنة إعادة الانتشار في الحديدة 7 اجتماعات كان آخرها في 19 ديسمبر الجاري، أربعة لقاءات منها في المياه الدولية بالبحر الأحمر على متن السفينة الأممية (Antarctic dream) نظراً لعرقلة وإغلاق الحوثيين للمنافد البرية ومنع الوفد الأممي من ممارسة عمله بصورة طبيعية لأداء المهام الموكولة إليه، بحسب بيان نشره الإعلام العسكري للقوات المشتركة.

 

كان مقرراً، بموجب الاتفاق، قيام الحوثي بسحب مسلحيه من موانئ ومدينة الحديدة خلال 14 يوماً من التوقيع، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، وسريان هدنة أممية لوقف إطلاق النار، غير أن خطوات تنفيذ بنود الاتفاق لم تسجل تقدماً على أرض الواقع يمكن الإشارة إليه.

 

إنجازات لا يراها إلا غريفيث

 

ورغم فشل المبعوث الأممي مارتن غريفيث في تنفيذ بنود اتفاق ستوكهولم، ويصعب العثور على منجز يمكن البناء عليه، حيث ما زالت الخروقات مستمرة حتى اللحظة في الحديدة، والقذائف تنهال على المدنيين باستمرار، والضحايا والأضرار يومياً، إلا أن غريفيث قال في تصريحات أخيرة إنه نجح في تجنب المزيد من التدهور الذي كان من شأنه أن يعرض حياة مئات الآلاف من اليمنيين للخطر.

 

وأضاف غريفيث -في حوار نشره الموقع الإلكتروني الرسمي للأمم المتحدة: "إننا نرى النجاحات المتواضعة لاتفاقية ستوكهولم كخطوة تقربنا من تحقيق سلام دائم لجميع اليمنيين. قد تكون العملية بطيئة، وسوف تكون هناك انتكاسات، لكننا سنواصل رعاية وتعزيز كل إنجاز صغير على طريق دعم اليمنيين في سعيهم لتحقيق السلام والاستقرار".

 

وأضاف "كان الغرض من اتفاقية ستوكهولم هو تجنب شن هجوم عسكري على الحديدة، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني. ولكن لا يمكن لهذه الاتفاقية وحدها أن تجلب السلام لكل اليمن. يجب أن نبدأ في العمل من أجل بناء السلام الشامل. وبينما نستمر في العمل على تنفيذ اتفاقية الحديدة، فإن الوقت المناسب للانتقال إلى عملية سياسية للتوصل إلى السلام في اليمن كله هو الآن. اليمن لا يستطيع الانتظار".

 

ضبابية موقف المجتمع الدولي

 

رغم تأكيد مجلس الأمن الدولي على دعمه لتنفيذ اتفاق ستوكهولم، امتد الفشل الذريع في تنفيذ اتفاق "ستوكهولم" إلى درجة أن المجتمع الدولي عجز عن إلزام الحوثيين بتنفيد بنود تلك الاتفاق، أو حتى بالسماح لفريق أممي بتقييم حالة خزان صافر العائم قبالة سواحل الحديدة.

 

وتدرك الأمم المتحدة أن الاتفاق منح الحوثيين مزيداً من الوقت لتفخيخ الحديدة وتحويلها إلى قنبلة موقوتة، ففي تقرير قدم إلى مجلس الأمن، في يناير/كانون الثاني الماضي، اعترف الأمين العام للأمم المتحدة بأن تنفيذ اتفاق السويد "مهمة معقدة".


التعليقات