صعوبات التسوية.. الأزمة اليمنية بين الجمود السياسي والبعد الطائفي للصراع (تحليل)
- عبد السلام قائد الأحد, 18 أبريل, 2021 - 01:30 صباحاً
صعوبات التسوية.. الأزمة اليمنية بين الجمود السياسي والبعد الطائفي للصراع (تحليل)

[ المبعوث الأممي إلى اليمن غريفيث في مشاورات السويد ]

لم تعد الدعوات لحل الأزمة اليمنية سياسيا ذات جدوى، وتنظر لها مختلف الأطراف بعدم الجدية، وتتعامل معها كمجرد مناورات سياسية سواء لاستهلاك الوقت لتعزيز المكاسب على الأرض أو للتخلص من أعباء وضغوط دولية لوقف الحرب والانخراط في حوار يفضي للحل السياسي للأزمة، ولذا، لم يعد المجتمع اليمني يعوّل على تلك الدعوات كونه المتضرر الأكبر من الحرب، كما أن الأمم المتحدة، التي تتصدر جهود الحل السلمي للأزمة اليمنية، يبدو إما أنها غير جادة في ذلك، أو أنها تدرك أن جهودها تذروها رياح الحرب، وما الاستمرار في تلك الجهود إلا لتمضية الوقت، وحتى إذا افترضنا جديتها، فهي لا تمتلك أدوات القوة التي تمكنها من إجبار الجماعات المتمردة والانقلابية على التسوية السياسية للصراع.

 

بدأت جهود الحل السياسي للأزمة اليمنية من قِبَل الأمم المتحدة قبل اندلاع الحرب بوقت مبكر، ومع ذلك فشلت تلك الجهود في وقت كانت فيه الأوضاع في البلاد مهيأة للحل السياسي، فكيف إذن ستنجح في وقت حققت فيه أطراف عدة مكاسب عسكرية على الأرض لم تكن تحلم بها، ويستحيل أن تقدم تنازلات عسكرية كبيرة من أجل مكاسب سياسية محدودة، وزاد الطين بلة الدعم الخارجي لهذا الطرف أو ذاك، فضلا عن الامتدادات الطائفية والإقليمية للصراع، وغلبة الجمود السياسي والعسكري على الصراعات المسلحة المتداخلة في المنطقة، وعدم وجود بوادر لتسوية إقليمية شاملة، وظهور فاعلين إقليميين جدد لهم طموحات تتجاوز القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية.

 

- تعقيدات مرحلية

 

تتسم الأزمة اليمنية بكونها أكثر أزمة إقليمية تتأثر بمجريات الصراع الإقليمي على النفوذ والمصالح بسبب طغيان النفوذ الإقليمي المتعدد في البلاد، ذلك أن حالة الضعف التي تبدو عليها الحكومة اليمنية الشرعية وأطراف الصراع الأخرى، جعلت اليمن ساحة لصراع مفتوح بدون نهاية واضحة، ويزيد الأمر سوءا عدم رغبة عدة أطراف، محلية وإقليمية، في إنهاء الأزمة اليمنية، سواء من خلال الحسم العسكري أو الحل السياسي، من أجل المقايضة بالملفات العالقة في المنطقة، وتعدد الخيارات للمناورة والتهديدات والضغوط المختلفة، وجعل اليمن ساحة لتفريغ الأحقاد واستعراض العضلات واللهو عن المواجهات المباشرة بين القوى الإقليمية المتصارعة، السعودية وإيران تحديدا.

 

ورغم تعدد الأسباب التي قادت المنطقة إلى صراع مفتوح، مثل أزمة وضع الأقليات العرقية والطائفية، وتداعيات الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، والتوريث في الجمهوريات العربية، وشيخوخة العائلات الملكية الحاكمة وأزمة انتقال السلطة من جيل الآباء إلى جيل الأبناء والأحفاد، وتعدد الجماعات الإرهابية، وظاهرة التطبيع مع إسرائيل، إلا أن جميع هذه الأزمات وصلت في ذروتها إلى الاصطفاف الطائفي والمذهبي، وظهور تحالفات طائفية وعرقية متجاوزة للدول والقوميات، وهكذا تبرز تعقيدات مرحلية كلما طال أمد الصراعات.

 

ولعل أبرز تعقيد مرحلي وصلت إليه أزمات الإقليم، الجمود السياسي والعسكري في مناطق الحروب، بما في ذلك اليمن، ليس لأن الجميع قد ملّ من الحرب، وليس لأن هناك ما يشبه الاتفاق السري على جعل الصراعات منضبطة وبنفس الوقت مفتوحة وانتظار حلول من خارج الإقليم، ولكن لأن الجميع وصلوا إلى قناعة بأن الحسم العسكري غير ممكن، وأن الحل السياسي غير ممكن أيضا، ولعل الجميع يبحثون عن حل للخروج من المأزق الراهن، لكنهم لا يمتلكون مفاتيحه، لأن التوازنات العسكرية على الأرض لا تشجع أي طرف على تقديم تنازلات لأجل الحل السياسي، ولعل ذلك ينطبق على جميع أزمات الإقليم، وفي مقدمتها الأزمة اليمنية.

 

- البعد الطائفي للصراع

 

يشكل البعد الطائفي للصراع في اليمن ومنطقة المشرق العربي أبرز المعوقات للحلول السياسية، فمن جانب، من شأن تشابك ملفات الصراع في المنطقة تأثير الأزمة في كل بلد على مثيلاتها في البلدان الأخرى، ومن جانب آخر، هناك توجه دولي لم يعد خافيا على أحد يعمل على الحفاظ على بقاء الجماعات الشيعية المسلحة في بلدان المشرق العربي فاعلة ويحول دون القضاء عليها، لاستخدامها في مهام آنية أو مؤجلة، من أهمها جعل المنطقة في حالة من الصراع المزمن والمفتوح الذي يحول دون نهضتها أو استعادة حضارتها لضمان تفوق إسرائيل الدائم على كل دول المنطقة، بالإضافة إلى جعل تلك الجماعات وسيلة للابتزاز ومبررا للتواجد العسكري في المنطقة بذريعة حماية الحلفاء من تهديدات إيران والمليشيات الطائفية الموالية لها في عدة بلدان عربية توجد فيها طوائف شيعية.

 

وإذا كان البعد الطائفي للصراع قد ألقى بظلاله الكئيبة على محاولات الحل السلمي لأزمة اليمن وغيرها، لكن هناك معضلة أخرى تتمثل في نجاح إيران في دعم وتحريض وتدريب وتسليح مليشياتها وجعلها أدوات طيعة بيدها، بينما السعودية التي تصدرت مهمة مواجهة إيران ومليشياتها فشلت فشلا ذريعا في تشكيل تحالف سُني لمواجهة إيران ومليشياتها، بسبب تخبط إستراتيجيها وجعلها من تداعيات ثورات الربيع العربي وتصاعد دور حركة الإخوان المسلمين أولوية لها، وانخراطها في صراعات هامشية هنا وهناك استنزفت بعض قدراتها، بالإضافة إلى عدم جديتها في دعم حلفائها السُّنة ضد إيران.

 

ولعل إستراتيجية السعودية في اليمن خير تعبير عن تخبطها وحفرها قبرها بيدها، ذلك أنها حريصة على إطالة أمد الحرب بغية تحقيق هدفها بالسيطرة على محافظة المهرة، أملا في تكرار سيناريو السيطرة على منطقتي نجران وجيزان وغيرهما في ثلاثينيات القرن الماضي، لكن ثمن هذه الأمنية هو منح الحوثيين الفرصة الزمنية الكافية لتطوير قدراتهم العسكرية وترسيخ سيطرتهم على مناطق الكثافة السكانية في اليمن وتهريب إيران السلاح لهم الذي يمكنهم من إيذاء السعودية، مع أنه كان يجب أن تساند السعودية السلطة اليمنية الشرعية في استعادة العاصمة صنعاء والقضاء على الحوثيين، وإخضاع المطالب الأخرى لاتفاقيات دولية، مثل مد أنبوب نفطي يمتد إلى البحر العربي عبر محافظة المهرة.

 

- هل التسوية ممكنة؟

 

لا يمكن التأكيد بأن التسوية السياسية للأزمة اليمنية ممكنة، مهما حدثت تطورات ميدانية تصب في خدمة التسوية المأمولة، ذلك أن البعد الطائفي للصراع، وتحقيق جماعة الحوثي لمكاسب ميدانية كبيرة لا يمكنها التفريط بها مقابل الحصول على مكاسب سياسية ضئيلة، كل ذلك سيجعل الصراع ينتهي إلى هزيمة طرف وانتصار الطرف الآخر، وذلك لغياب أي قواسم مشتركة بين طرفي الصراع يمكن على ضوئها تقريب وجهات النظر وتقاسم السلطة خلال مرحلة انتقالية تتبعها انتخابات رئاسية وبرلمانية ومجالس محلية، خصوصا أن جماعة الحوثي تنظر للسلطة كمسألة حق إلهي غير قابل للتفاوض، ومستعدة للقتال لأجل ذلك الحق حتى لو بقيت تسيطر على منطقة صغيرة نائية ومحاصرة.

 

قد تكون التسوية السياسية ممكنة في حالة واحدة، وهي إذا انخرطت مختلف الأطراف الأخرى في حرب جادة وعنيفة ضد جماعة الحوثي، وبدأت الجماعة تخسر ميدانيا وتتراجع في كل الجبهات، ففي هذه الحالة قد تقبل جماعة الحوثي بالحل السياسي، وذلك إما مناورة منها لامتصاص هزائمها والاستعداد للتصعيد العسكري مجددا، أو تجميل هزيمتها تحت لافتة القبول بالحل السياسي للأزمة، لكن ستكون التسوية السياسية في هذه الحالة مفخخة ببقاء جماعة الحوثي فاعلة في مرحلة ما بعد الحرب، فالجماعة إذا لم تظل تعمل للانقلاب على العملية السياسية والحكومة الشرعية مجددا، فإنها على الأقل ستمارس دور "المعطل" لعمل حكومة ما بعد الحرب، وترحيل الأزمة الحالية إلى أجل غير مسمى.


التعليقات