[ شجع التحالف الخلاف البيني بين الأطراف اليمنية ]
ثلاث سنوات قضاها محمد صالح بن عديو محافظا لمحافظة شبوة، كانت جميعها مرحلة مهمة من تاريخ المحافظة، وتاريخ اليمن بشكل عام.
ففي الـ 26 من نوفمبر 2018 عُين بن عديو محافظا لشبوة، وفي الـ 25 م ديسمبر 2021 جرت إقالته، وما بين التعيين والإقالة دروس ودلالات ومؤشرات كثيرة.
ثلاثة مسارات
عمل بن عديو الذي جاء لمنصبه كمحافظ من السلطة المحلية في ثلاث مسارات تحت يافطة الدولة، الأول التنموي والخدمي من خلال المشاريع التي تحققت في عهده، وحرمت منها المحافظة النفطية طوال العقود الماضية، وشملت الكهرباء والصحة والتربية والرياضة وغيرها، أما المسار الثاني فكان من خلال تحقيق الاستقرار الأمني، ومنع توغل مليشيا المجلس الانتقالي فيها، ومساعيها المستمرة لإسقاطها عسكريا، وتجنيب المحافظة مصير باقي المدن الجنوبية، ونجح في ذلك بشكل لافت، رغم المحاولات المستمرة للمليشيا في إشعال الفوضى.
أما المسار الثالث فكان العمل وفقا لتوجه التحالف، وبالتحديد المملكة العربية السعودية التي عمل على تجنب نقدها، بل وسعى لإرضائها وتأييد خطواتها ومواقفها من وقت لآخر.
حقق المحافظ جملة من المشاريع التي لا يتسع الحديث هنا لسردها، ولكن أبرزها كان إعادة إحياء ميناء قنا التاريخي، وتحويل جامعة شبوة من حلم إلى حقيقة، وسلسلة من الطرق التي جرى شقها وسفلتتها، وضبط إيقاع الأداء الحكومي، وخلق التماسك بين مؤسسات الدولة.
وتلك الإنجازات كانت محل تشكيك على الدوام من قبل خصوم الرجل، بل ووضعت في طريقها العوائق والتحديات، وسعت جهات حكومية لمحاولة إجهاضها، كما كان الحال مع ميناء قنا الذي تردد أن رئيس الحكومة معين عبدالملك الموالي للسعودية والإمارات امتعض من افتتاحه وعودته للخدمة الملاحية.
منغصات في الطريق
لكن ذلك لم يدم طويلا، فالرجل الذي عانى من مؤامرات مليشيا الانتقالي، ومن خلفها دولة الإمارات كان يؤمن أن تحقيق التنمية بشكل أكبر لم يحدث إلا بعودة منشأة بلحاف لإدارة الدولة، وإخراج الإمارات منها، وتشغيلها لتصبح رافدا اقتصاديا للمحافظة والبلد برمته.
قوبلت تحركات الرجل وتصريحاته في هذا الشأن بالتعنت والمماطلة من قبل الإمارات، وفي الوقت الذي نجح في إضعاف اليد الإماراتية وتقليص تواجدها في المحافظة كاستعادة معسكر العلم، بدا أن مواجهته المحتومة ستكون وجها لوجه مع الإمارات، خاصة مع تصريحاته الصحفية المستمرة المطالبة للإمارات بالرحيل عن المنشأة.
كان واضحا انزعاج الإمارات من مطالبة بن عديو لقواتها مغادرة منشأة بلحاف الغازية، التي تعد واحدة من المشاريع الاقتصادية الحيوية، وتعرضت للتجميد بفعل تمركز الإمارات داخلها، ومنع تشغيلها، فسعت الإمارات لتفجير الأزمات، ووضع الأشواك في طريقه، بغية الضغط عليه لوقف الحديث عن بلحاف.
ثلاثة أوراق
فشلت الورقة الأولى للإمارات، والمتمثلة بدعم المليشيا الموالية لها من السيطرة على شبوة والإطباق عليها، ممثلة بمليشيا ما عرف بالنخبة الشبوانية، بل إن بن عديو نجح في تفكيك تلك المليشيا وتحييدها، وجعل المشهد العسكري والأمني بيد قوات الجيش والأمن.
دفعت الإمارات بورقتها الثانية، والمتمثلة بتفجير الجبهات عسكريا في أطراف المحافظة، وبدا واضحا تقدم جماعة الحوثي نحو مديريات في شبوة بالتزامن مع مطالب بن عديو للإمارات بتسليم منشأة بلحاف، وكان ثمن ذلك سقوط ثلاث مديريات بيد الحوثيين، وبان خلال ذلك تواطؤ التحالف في الدفاع عن تلك الجبهات، وتوقف الطيران الحربي عن مساندة الجيش والقبائل في صد الحوثيين، أما بن عديو فقد خرج أرض المعركة، ودعا للقتال والتصدي للحوثيين، والذي توقف بالفعل عند حدود المديريات الثلاث المسلوبة، وكانت تلك المعركة المفتعلة مع الحوثيين واحدة من الدوافع التي أريد من خلالها إظهار عجز بن عديو عن مواجهة الحوثيين، وتفريطه في مديريات المحافظة.
انتهى مفعول تلك الورقة الإماراتية، بينما لم يتوقف بن عديو عن المطالبة باستعادة منشأة بلحاف من الإمارات، وهنا حلت الورقة الثالثة، والتي كانت بصناعة إماراتية خالصة ومباركة سعودية واضحة.
استخرجت أبوظبي البرلماني عن كتلة المؤتمر الشعبي العام عوض الوزير العولقي من مقر إقامته في أراضيها منذ العام 2011م، ودفعت به للواجهة في محافظة شبوة.
ورقة ابن الوزير
كان ابن الوزير البعيد عن المشهد في شبوة منذ سنوات خيار الإمارات المفضل لإرباك الوضع في المحافظة، فهو ينتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام، ويدين لها بالولاء والتأييد، ولديه الاستعداد لرد جميل الضيافة والإقامة في قصورها منذ سنوات، فغادر أبوظبي ووصل شبوة حاملا في جعبته مشروع التصعيد في وجه المحافظ بن عديو.
استند ابن الوزير في تحركاته بشبوة على انتمائه القبلي، وعلى مساندة السعودية والإمارات له، وجاء في وقت تعمل الدولتين على إحياء حزب المؤتمر الشعبي العام ودعمه عسكريا كما هو الحال مع طارق صالح في الساحل الغربي، وبدأ التحرك ميدانيا من خلال التحشيد القبلي، ورفع الشعارات المناوئة للمحافظ بن عديو، واتهامه بالفساد، وتجيير المشاريع، وكانت لافتته العريضة أنه سيعمل على تحرير المحافظة من الحوثيين.
أحدثت تحركات ابن الوزير شرخا في شبوة ذات البنية القبلية، خاصة مع حجم الضخ المالي لشراء الولاءات، وتأييد مليشيا الانتقالي لتحركاته التي استندت للتهييج الجماهيري، وظهر إلى جواره في أحد فعالياته أحد قادة الانتقالي في المحافظة، وقوبلت تلك التحركات برعاية إعلامية كاملة من وسائل الإعلام الإماراتية.
خلال ذلك بدا واضحا ملامح الاتجاه المرسوم لتطورات الأوضاع في محافظة شبوة، فابن الوزير ظهر كوريث بديل لمنصب المحافظ بدعم سعودي إماراتي، بينما كان الشارع الشبواني لازال مصدوما من تسارع وتيرة الأحداث خاصة بعد التسريبات عن قرار رئاسي محتمل بإقالة بن عديو، ولذلك كانت المسيرة الجماهيرية التي خرجت في عتق يوم الجمعة الرابع والعشرين من ديسمبر الجاري واحدة من وسائل التشبث والرجاء بالمحافظ بن عديو.
غير أن ذلك لم يفلح، فقرار الإقالة كان جاهزا، وقرار البديل أيضا، ففي اليوم التالي لتلك المسيرة الجماهيرية أعلن قرار إقالة بن عديو، وجرى تثبيت ابن الوزير محافظا للمحافظة.
وبعيدا عن كواليس ما أشيع في وسائل الإعلام المحلية وتسريبات ناشطين عن حقيقة الخلاف بين المحافظ بن عديو ومسؤولين سعوديين استبقت وأدت لإقالته، إلا أن ذلك لم يعد يمثل اليوم محور اهتمام، وصار من المهم اليوم الوقوف على الدروس التي خلفتها هذه التطورات بشكل عام.
دلالات من شبوة
أثبتت الأحداث أن تحالف السعودية والإمارات ينتهجان الصراع البيني وسط الأطراف اليمنية سواء كشخصيات أو كيانات لتمرير أجندتهما، ففي الوقت الذي جرى فيه إحياء الانتقالي كورقة في وجه الشرعية لإرغامها على الرضوخ، جرى الدفع بابن الوزير في شبوة كورقة أيضا للنيل من المحافظ بن عديو، ما يهيئ المشهد أكثر في صالح الدولتين.
أكدت الأحداث أيضا مدى ضيق التحالف من أي مواقف ناقدة لسياسته وسلوكه في اليمن، والمصير الذي آل إليه بن عديو كان مشابها لمصير عدة شخصيات أقيلت من مناصبها بسبب مواقفها الناقدة لأداء التحالف والمطالبة بإصلاح العلاقة معه، والأمر ذاته يشير إلى مدى تمسك التحالف بشخصيات حكومية لمجرد أنها لا تعارضه، وتمكنه مما يريد داخل اليمن.
وبهذا التعامل الذي أبداه التحالف تجاه بن عديو رسالة لشخصيات حكومية كثيرة بأنها ستلقى نفس المصير إن هي أبدت أي اعتراض على سياسة التحالف وسلوكه في اليمن، كما أنها تشير إلى تضايق التحالف نفسه من الشخصيات الوطنية التي تنحاز لسيادة بلدها، وتطلع لاستقلال وطنها، وتعمل لخدمة أبناء بلدها، وليس من المستبعد أن يكرر التحالف السيناريو نفسه مع شخصيات حكومية في محافظات أخرى.
وكشفت هذه الأحداث أيضا عن حالة الضعف في الحكومة اليمنية، ومدى سيطرة السعودية والإمارات على قرارها، وتحويلها إلى ورقة للنيل من الشخصيات التي لا تتماشى مع مصالحها، وبذلك تكون الحكومة الشرعية قد تحولت لمشرعن لأجندة الرياض وأبوظبي في اليمن، وفرطت برجالها، وقتلت الغيرة الوطنية في نفس منتسبيها، وجعلت الولاء للدولتين – وليس لها - هو معيار الرضا والحظوة، بينما في المقابل يضعف أدائها وحضورها الميداني يوما بعد آخر.
أما عن الوضع المستقبلي لمحافظة شبوة فمن الواضح أنها ستعود للقبضة الإماراتية من جديد، وربما أيضا تنشط محاولة مليشيا المجلس الانتقالي في العودة إليها من خلال التحالف الذي يجمع قيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام مع قيادات في مليشيا الانتقالي تحت مظلة ورعاية ودعم الإمارات ومباركة السعودية، وبالتأكيد سيموت الحديث عن منشأة بلحاف الغازية وإعادتها للدولة، وسيتلاشى مع تعيين ابن الوزير محافظا لشبوة، وإقصاء آخر الشخصيات الوطنية التي طالبت برحيل الإمارات عنها.
بالنسبة لبن عديو المحسوب على حزب التجمع اليمني للإصلاح المؤيد للسعودية والمشارك في الحكومة اليمنية فقد رحل عن المنصب مسجلا موقفا وطنيا مشرفا، تمثل في حالة الرفض لقرار إقالته، وفي حجم ومستوى التأييد الشعبي لمواقفه وأدائه خلال فترة عمله، ويبدو أنه أيضا وصل لقناعة بأن العمل مع هكذا حكومة لم يعد ذو جدوى، ولا جديرا بالثقة، وهو ما تبدى في اعتذاره عن قبول المنصب الجديد الذي عينه فيه هادي كمستشار لرئيس الجمهورية.