[ تناولت الحلقة العديد من الأحداث في اليمن وتعز ]
أطلق لي والدي، رحمه الله، الحرية في الدراسة والتخصص والعمل، ولم تستطع جماعة الإخوان، أن تفرض علي وجهة لا تناسبني، فمثلا في عام 1973، كان أمامي خيار أول وهو دخول كلية الشرطة، وكانت تقبل خريج الإعدادية، وقد التحق بها بعض الزملاء، وبعد إلحاح وضغط، طلعت إلى صنعاء، وأقنعتهم أني لا أحب أن أحبس مواطنا أو أتابع متهما، واقتنع برغبتي عبدالغني قاسم الشرجبي، مدير عام المناهج في وزارة التربية.
وخيار ثاني وهو عمل معادلة ثانوية عامة، لدخول كلية الشريعة، وقد عمل بهذا المقترح بعض الزملاء، ونجحوا في دخول الكلية، وأنا لا أخشى أن أكون قاضيا في النار، ففضلت دراسة الثانوية العامة، وبعض الزملاء درسوا معنا أول ثانوي وراحوا الشرطة والشريعة، وأنا ثابت في مكاني لم أتزعزع.
فكرة المكتبات في المساجد
قبل ذلك، وتحديدا في عام 1971، كان الزنداني، قد طلب منا أن نؤسس في كل جامع، مكتبة، من تبرعات المصلين، ووفق سندات قيمتها فيها، وبدون ذكر اسم المتبرع، وكانت أشبه بالتذاكر، درجة أولى عشرة ريال، وثانية خمسة، والثالثة ريالين، ومن أراد الدفع أكثر يقطع له عدد من القسائم.
اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يتذكر: كنتُ وكانت تعز .. ذكريات عن الدور المصري والزخم الثوري والمركز الإسلامي
نظرا لعدم وجود مكتبات عامة في تعز، حيث أن مكتبات المراكز الثقافية متخصصة في سياسة محددة، والمواطن في المسجد لا يجد غير المصحف، وقد لا يجيد القراءة السليمة، وناس كثير يستطيع قراءة الكتاب ويتعثر في قراءة المصحف.
كل شاب أخذ مسجدا قريبا من سكنه، وأنا أخذت مسجد "العربدي"، في باب موسى، إمامه وخطيبه المتصوف الحاج سيف، والد الفنان آدم سيف (دحباش)، والتزمت بالحضور قبل المغرب بساعة لفتح المكتبة، وإتاحة الفرصة للقراء.
الفنان آدم سيف
ولما ازدحمت عندي متطلبات الدراسة في عام 1974، وأنا في صف ثاني ثانوي علمي، وفوقها مواد تربوية، سبع حصص في اليوم، أخرج بعد الساعة الواحدة ظهرا، ثم انتقل مباشرة إلى المدرسة كمساعد مدير في الفترة المسائية، والمدير الشهم الشجاع الأستاذ فيصل نعمان الحميري، كان يقدرني كثيرا ويمنحني كل صلاحياته، أخرج يوميا مع المغرب، ومطلوب مني المذاكرة وحل الواجبات المدرسية.
فاضطررت لتسليم المكتبة ليونس، أكبر أولاد الحاج سيف، والأسرة كلها خيرة متحملة نفقات المسجد على حسابها، وفي شهر رمضان موائد الإفطار في الجامع على حسابها، ومفتوحة للجميع.
انقطاعي عن المركز الإسلامي
ومع انشغالي في الدراسة والعمل، لم أجد وقتا لزيارة المركز الإسلامي، في شارع 26 سبتمبر، ولا حتى في يوم الجمعة، إذ أتفرغ فيها لكتابة موضوعات للصحيفة. وهذا الاجتهاد في الدراسة، جعلني أشعر بفخر أمام طلابي وهم يقرأون صحيفة الجمهورية، وفيها نتيجة امتحان آخر السنة في القسم العلمي معلمين، والأول هو مقبل نصر غالب، والثاني عبداللطيف حسين حيدر (وزير تربية في حكومة محفوظ بحاح).
اقرأ أيضا: مقبل نصر يتحدث عن: إنشاء منتزه تعز وأول انتخابات نيابية وجدل إنشاء البنك المركزي
وبسبب غيابي عن المركز الإسلامي، نتيجة انشغالي بطلب العلم، قيل إني اعتزلت الإخوان، وكان حينها تنظيم الإخوان يتسم بالعشوائية، فقط نعرف أن ياسين عبدالعزيز، يحق له التواصل مع صنعاء، فلا هيكل معروف، ولا تدرج في القيادات، فمن دخل أهلا وسهلا به، ومن غاب فلا أحد يطلب منه العودة، أو يناقشه عن أسباب غيابه.
بل إن البعض كان يرى عدم ضرورة التواصل مع أي شخص منقطع، حتى لا يظن في نفسه بأنه قائد مهم، ويعمل لنفسه أهمية، والقول إن خروج شخص لا يؤثر على الحركة الإسلامية.
وحتى العطلة الصيفية لم أحضر فيها إلى المركز الإسلامي، حيث حاولت استغلها في التدريس مع المعاهد الأهلية لتعويض المرتب، فأنا اشتغل مع التربية بعقد مؤقت في العام الدراسي، ينتهي بنهاية العام، وأجدده بداية العام الجديد.
ونتيجة هذا الغياب الطويل عن المركز الإسلامي، صرت عند الجميع شخص مستقل، وقد شعرت بارتياح من ذلك، كوني تحررت من الالتزامات الحزبية، وأصبحت حرا في حركتي، وفي الحركة بركة، ومع ذلك بقيت علاقتي ممتازة مع القيادات والمشايخ، وأقابل أساتذتي باحترام، يسمعون لي واسمع لهم، وانتقدهم ويعممون نقدي وملاحظاتي.
ولدي اعتقاد، بأن الديمقراطية العربية يستفيد منها الفاسدون أكثر من غيرهم، مستغلين الأصوات والتكتلات والحسابات الحزبية، فكل دعوى ضد فاسد تفسر بأنها دسيسة حزبية، مكايدات سياسية، مناطقية، طائفية، خاصة في وضع يفتقر إلى المعايير والضوابط ولوائح المحاسبة، وقوانين التنظيمات والتوصيفات الوظيفية.
إقالة الحجري والإطاحة بالإرياني
تزايدت الشكاوى من الفساد الإداري والمالي، في البلد، فقام القاضي الإرياني، بعزل القاضي عبدالله الحجري، من رئاسة الوزراء، في مارس 1974، وتكليف حسن مكي، بتشكيل الحكومة، تحت شعار إتاحة الفرصة للشباب.
القاضي عبدالله الحجري
وقد كان عزل القاضي الحجري، لأسباب سياسة أكثر منه لمحاربة الفساد، والذي عمل على مكافحته في عهده، فقد كانت أحزاب اليسار مجمعة ضده، رغم أن الحزبية محرمة في الدستور، لكنها تشتغل في الواقع والحياة.
وحينها، قدم إبراهيم الحمدي، مقترحات للدولة، لإجراء عملية تصحيح مالي وإداري، ونشرت تلك المقترحات باسم القوات المسلحة، فالحمدي كان نائب القائد العام للقوات المسلحة، ومنحت الحكومة 3 أشهر، لمعالجة الاختلالات، ولم ينفذ شيء يذكر منها، فكان بعدها ما وصف بالانقلاب الأبيض، في 13 يونيو 1974.
كان الحمدي، معروفا في الوسط الشعبي والعسكري من خلال عمله السابق، نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية، وقائد قوات الاحتياط العام، وعرفوا أوامره وتصريحاته ومقابلاته، ونظافته يده من المال العام.
ولم يكن الحمدي، ناصريا، ولا إخوانيا، بل كان مسلما يمنيا وطنيا مخلصا، فاطمأن الناس لحركته، رغم قيامه بتعليق الدستور وتجميد مجلس الشورى، لضرورة إنجاح الحركة، ومن ثم العودة إلى المسار الديمقراطي لاحقا.
لكنه خيب آمال كثيرين، عندما شكلت الحكومة برئاسة محسن العيني، الذي يترأسها، للمرة الرابعة، والعيني، يمتلك ثقل عسكري، كونه متزوج من أسرة أبو لحوم، والتي كان لها حضور قوي في الجيش، فمحمد أبو لحوم قائد قوات الاحتياط، وعلي أبو لحوم قائد المدرعات، ودرهم أبو لحوم قائد تعز.
الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي
وبدأ الشغل الإعلامي لصالح محسن العيني، بشكل مزعج، من خلال تعليق صوره في كل شارع، وأقواله تتردد في البرامج والصحف، وكأنه الكل في الكل.
وربما هذا سر قرار الحمدي، بإلغاء تعليق الصور للجميع، واستبدالها بصورة "الله جل جلاله"، ولاحقا أقيل العيني، برسالة إعلامية قوية، بدعوى عدم تقديم حكومته برنامجها، إلى مجلس الشورى، ومن ثم الإطاحة بمراكز الثقل العسكرية.
بدأ أمل الشعب ينمو في الحمدي، الذي بدأ يشتغل على خطين، الأول هو التصحيح المالي والإداري، حيث شكلت له اللجنة العليا للتصحيح برئاسة أحمد دهمش، ولها فروعها في المحافظات، والخط الثاني هو إعداد قوانين ولوائح إدارية لجميع المؤسسات، وفي جميع المستويات.
اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب يسرد ذكرياته عن بدايات التعليم في تعز ورد المخلافي على مذيع في عيد الثورة
وحتى لا ينتظر الشعب اليمني هذه الإصلاحات، التي ستأخذ وقتا طويلا، شكل الحمدي، هيئات التعاون الأهلي للتطوير في جميع المديريات، وتشكلت إدارة مركزية في صنعاء للتخطيط والمتابعة والمراقبة والمحاسبة، وأنجزت مشروعات كثيرة وكبيرة، واشتغل على التعداد العام للسكان والمساكن، لأول مرة، وهذا من أبجديات التنمية.
مواقف محترمة للرئيس الحمدي
ثلاثة مواقف جعلتني احترم إبراهيم الحمدي، الأول عندما اختلف الإخوان مع مكتب هائل سعيد أنعم، حول ستة فصول تبرع بها الحاج هائل سعيد، داخل ساحة مدرسة تحفيظ القرآن الكريم.
أراد الإخوان تشغيل الفصول فرفض مكتب هائل تسليمها، بدعوى أنها معهد تجاري لتعليم أمور التجارة والسكرتارية، وكان الحاج هائل، مسافر في القاهرة، والإخوان يقولون إن الفصول تبرع بها لتأسيس معهد ديني، جنب المدرسة، وأنه تم الاتفاق على ذلك مع الحاج هائل، ومكتب هائل يقول إن الحاج لم يبلغهم بذلك.
فاحتكموا إلى إبراهيم الحمدي، فقال: (الفصول تبع المدرسة وعلى المكتب تسليمها فورا، وإذا عاد الحاج هائل من القاهرة وقال غير ذلك، ستعوضه الدولة).
اقرأ أيضا: مقبل نصر يتحدث عن وفاة المخلافي وسقوط صعدة بيد الملكيين واعتقال ياسين عبدالعزيز
والموقف الثاني للحمدي، هو تأسيس المعاهد العلمية، حيث قال إن من يريد تعلم الدين نعلمه وفق منهج تعده الدولة وتشرف عليه وتتابعه وتقيمه وتنفق عليه، خير من تعلميهم خلف الكواليس ثم نفاجأ أنها أخرجت لنا قنابل موقوتة.
أما الموقف الثالث، فكان أثناء التعداد السكاني، إذ تم أخذنا من ثالث ثانوي، حوالي 25 طالبا من تعز إلى صنعاء، أوصلونا إلى السكن الجامعي، وتبين أن مهمتنا ستكون في محافظة الجوف، لتعداد المساكن والسكان.
فبدأ الخوف يسيطر علينا بما نسمع عن حكايات بأن الجوف فيها أشرار كثر، يشربون الدماء، وجرى تطمئننا بأنه سيكون معنا أدلة من أعيان المنطقة، ولن نذهب إلى الأماكن الخطيرة، وكنا نسأل: ليش اخترتم طلاب تعز فقط لهذه المحافظة؟ فيقوموا يمدحوا أبناء تعز الأبطال، والتحليق بنا عاليا.
تدربنا على وثائق التعداد، عدة أيام، واستلمنا مصروفات الإقامة، والسيارات جاهزة في ساحة الجامعة، وعبدالسلام مقبل وكيل جهاز التخطيط، بانتظار توديعنا، فجاء الحمدي، وطلب منهم وقف العدادين حق الجوف، لأنه قد التقى اليوم المشايخ حق الجوف، في منطقة ريدة، وأعلنوا الولاء للجمهورية، وما يصلح أن نرسل لهم عدادين، في اليوم الثاني مباشرة، تجنبا لأي حساسيات قد تثار وتستغل.
والإخوة العدادين الذين طلعوا من تعز، يتم توزيعهم في صنعاء، لمن أراد العمل، ومن أحب العودة إلى تعز، ادفعوا له قسطا من المال يعود به، وتم توزيعي في باب النهرين، وعدت إلى تعز، نهاية الفترة، ومن أصحابي من عاد قبل ذلك.
تمزيق القرآن واعتقال ياسين
كان العام الدراسي 74- 1975، عام النكد والكد والتعب، بالنسبة لي، حيث تم نقلنا إلى مدرسة الشعب الثانوية، (تحولت ثانوية)، لدراسة ثالث ثانوي علمي فقط في الحصص الثلاث الأولى، ثم نذهب إلى معهد التأهيل التربوي، لدراسة بقية المقررات والمواد التربوية.
اقرأ أيضا: مقبل نصر في حلقته السادسة يكتب عن: مواقف من حياة البيحاني والفريق العمري واغتيال مشائخ خولان
هذا المعهد في آخر الكمب، جنب الأمن المركزي سابقا، وقصر الشعب لاحقا، ولا توجد مواصلات عامة إلى جنبه ولا مواصلات خاصة، وعلينا أن نقطع المسافة من مدرسة الشعب إلى هناك مشيا على الأقدام، ونخرج بعد الساعة الواحدة ظهرا لنقطع نفس المسافة إياب، أما القسم الأدبي تم نقله إلى المعهد، وتم فتح نظام معاهد أولية ثلاث سنوات بعد الابتدائية، وتم تسجيل دفعة جديدة معاهد عامة.
ياسين عبدالعزيز
وذات يوم، ونحن في الحصة الثانية، في مدرسة الشعب، سمعنا إطلاق رصاص استمر لمدة عشر دقائق، ارتعب مدرس الميكانيكا الأجنبي، فقلت له مطمئنا: لا تخف ربما يكون عرس المحافظ.
ولما خرجنا من المدرسة، سمعنا أن طلاب الثورة الثانوية، كان معهم مظاهرة، وقد أخرجوا عدة مدارس للتظاهر معهم، وكان إطلاق الرصاص لتفريقهم.
لكن عندما رجعنا للمدينة، قيل لنا إنه حصل اشتباك بالأيدي والأرجل بين طلاب من الإخوان، وطلاب ناصريين، حول الإضافة لتحية العلم، هل النصر للعرب، أم العزة لله ولرسوله وللمؤمنين؟
استعان مدير المدرسة بالأمن، فأرسل قوات اعتقلت الإخوان، وتركت الناصرين يسرحون ويمرحون، بل ويعتدون على مدرسي التربية الإسلامية أينما وجدوهم، في الشارع أو في اقتحام المدارس، والأمن معهم يعتقل المضروبين، وبدأوا بمدرسة تحفيظ القرآن، وتم اعتقال ياسين عبدالعزيز، وأصحابه، وتواصلت المظاهرة حتى اقتحمت المركز الإسلامي، ومزقت بعض الكتب، وقيل تم تمزيق القرآن الكريم.
أبرق الإخوان، برسالة إلى الرئيس الحمدي، مضمونها (إن كان القرآن ملك الإخوان المسلمين فمن حقهم أن يعيشوا بأمان كأقلية، وإن كان القرآن ملك الأمة العربية والإسلامية فرئيس مجلس القيادة ينوب عنها).
شكل إبراهيم الحمدي، لجنة تحقيق للنزول إلى تعز، والتحقيق في الموضوع، و(من ثبتت عليه تهمة تمزيق القرآن يتم إعدامه فورا)، هكذا جاءت تعليمات الحمدي، مكتوبة بخطه.
علم المحافظ الناصري عبدالرحمن محمد علي عثمان، بقدوم اللجنة فأصدر أوامره بالإفراج عن الإخوان، لكنهم رفضوا الخروج، حتى يعرفوا سبب ضربهم واعتقالهم وحدهم دون خصومهم، فاضطر ليلة وصول اللجنة إلى اعتقال بعض الناصريين.
الراحل هائل سعيد أنعم
وأثناء مقابلة اللجنة، قال المحافظ: أنا قد أمرت بإطلاقهم، لكنهم رفضوا، يريدون أن يأتي الإطلاق من عمهم فيصل، في إشارة إلى ملك المملكة العربية السعودية.
فقال ياسين عبدالعزيز: ثبتوا هذا الكلام في المحضر يا معشر اللجنة، وعليه إثبات ما يقوله، وربما سبب الاعتداء علينا بفتوى من المحافظ، وخرجت اللجنة بقرار عزل المحافظ، ومدير الأمن، ومدير التربية والتعليم عبدالله مارش رزاز.
وشخصيا استبعد أن يقوم ناصري، بتمزيق القرآن، فليست من ثقافتهم، وسمعنا لاحقا بانضمام صعاليك للمظاهرة، وكانوا يصرخون "لا إسلام بعد اليوم"، بينما هتاف الناصرين كان "لا إخوان بعد اليوم"، وربما واحد من الصعاليك مزق صفحات من القرآن الكريم، لكن يعاب على الناصريين ضرب أساتذتهم.
عبدالرحمن محمد علي عثمان
وكانت هذه أول بادرة سيئة يتضارب فيها الطلاب الحزبيون فيما بينهم ويتركون الحوار، كما كانوا من قبل، ولو أن قوات الأمن اعتقلت الطرفين، في ساحة المدرسة، كانت القضية انتهت في مهدها، وربما يتصالحون في الحجز.
الإخوان وعلي عبدالله صالح
كانت تعز، تكفل لك الحرية الشخصية كيفما كنت، وتقبل كل موضة، حتى فرقة الخنافس أو "الهبيز"، كما تسمى، يتزايد عددها بين طلاب الإعدادية والثانوية، الشاب فيها يطيل شعره وينعمه ويخدمه حتى يتساوى مع شعر البنات، يلبس قميص بنات، البنطلون ضيق في الوسط، واسع من أسفل يسمى (شرلستون).
يقولون هذه موضة اخترعها ميكل جاكسون، وموجودة في البلاد العربية، وما دام هي موضة فهي تطور لازم يسيرون فيها، يمشون أمام الناس يتمايلون مثل البنات، ويرققون كلامهم مثلهن، وبعضهم يعمل المكياج.
ماضون رغم الانتقادات، وصياح الأطفال في الشوارع "شرلستون مكنس بلدية"، وشتم البنات لهم أثناء مغازلتهن (استحوا يا بنات من مغازلة بنات)، لكن في المدرسة لا أحد يعترضهم، أحيانا كان الأستاذ عبدالعزيز الحكيمي، مدرس التربية الإسلامية "ناصري" يضبط الفصل بقوله "اسكتي يا بنتي، اجلسي يا بنت"، وكنا نضحك عاليا، فيرد أحدهم يا أستاذ: أنا رجال، فيقول له: مش باين عليك الرجولة، فيضحك الفصل كله.
الرئيس السابق علي عبدالله صالح
كان هذا يحدث تعز، وبخلاف عدن، حيث تم أخذهم إلى معسكرات وقصوا لهم الشعر وقصوا عليهم البنطلونات من الركبة، وعملوا لهم برنامج تدريب عسكري لاستعادة القوام.
في عام 1975، تعين علي عبدالله صالح قائد لواء تعز، فتواصل معه الإخوان، بخصوص الخنافس المتشبهين بالنساء، الذين يضايقون النساء في شوارع تعز، طوال ليالي رمضان، وهن يشترين ملابسهن وملابس أطفالهن.
فأنزل لهم علي عبدالله صالح، قوات من العاصفة تأخذهم من الشوارع، ومن أبى يضربوه ويأخذوه بالقوة، وعملوا لهم ما عملته عدن، من الحلق والقص، وحجزوهم إلى يوم العيد، فشهد الإخوان، لقائد اللواء، بالصلاح والإيمان، وبدأوا بتوطيد العلاقة معه.
يتبع في الحلقة القادمة.
*خاص بالموقع بوست.