[ الراحل الدكتور عبدالكريم مكارم - رحمه الله - الموقع بوست ]
عند لقاء أسرة الفقيد الدكتور عبدالحكيم مكارم، إستوقفني رد حفيدته - ابنة ابنته الوحيده- عند سؤالي عن اسمها حينها فقالت "ليان عبدالحكيم مكارم".
تسائلتُ إلى أي حد كان جدهـا حنون معها، ويعاملها معاملة الأب لأبنته، ويهتم بتفاصيلها، للحد الذي جعلها تنسى اسم والدها الحقيقي وتستبدله بإسمه؟
ولد الدكتور عبدالحكيم عبدالله عمر مكارم في العام 1970م، في مديرية جبله التابعة لمحافظة إب، ودرس فيها من الصف الأول الابتدائي، وحتى الثانوية في معهد ابن عقيل تحديداً .
وعندما تخرج من الثانوية حصل على منحة دراسية إلى المملكة العربية السعودية لدراسة الإعلام، والتي كانت وقتها بدرجة ليسانس، وتخرج في العام 1994م من جامعة الملك سعود، بتقدير ممتاز، وعقب تخرجه مباشرة في نفس العام عمل مصوراً لدى التلفزيون السعودي .
بعد عودته لليمن عمل موجهاً للإعلام التربوي بمسقط رأسه بمحافظة إب، في الفترة ما بين 1995-1999، وكان العام 2003 بهيجا بالنسبة له، فقد حصل على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من معهد البحوث والدراسات العربية في جمهورية مصر، وكان عنوان رسالة الماجستير "دور وسائل الإعلام في تكوين الوعي السياسي لدى الشباب الجامعي"، ثم حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة أسيوط المصرية في عام 2011، تخصص علاقات عامة، مع مرتبة الشرف الأولى، وكانت رسالة الدكتوراة بعنوان (دور قادة الرأي في تشكيل إتجاهات الجمهور نحو القضايا الداخلية في اليمن)، وبعدها بعامين عمل مديراً لإدارة الجودة في مكتب التربية بمحافظة إب.
كانت عودته لليمن بعد حصوله على شهادة الدكتوراة نقطة التحول الفاصلة بحياته، حيث أصبح قاموساً ضخماً للإعلام يشاد به، ويستقي المتعطشون لأساسيات الإعلام من بحر علمه، وشعر حينها بأهمية تأسيس قسم الإعلام وعلوم الإتصال، وكان الدافع إصراره وثقته بأن مدينة تعز تستحق أن يتخرج منها مئات الإعلاميين والإعلاميات، الذين سيغيرون مجريات البلاد بقوة السلطة الرابعة، خاصة في تلك الفترة العصيبة التي تواجهها اليمن.
لذلك اتجه الدكتور عبدالحكيم مكارم لتأسيس قسم الإعلام وعلوم الإتصال بجامعة تعز في العام 2013م، في ظل ظروف استثنائية تملؤها جهود المؤسس، وشغف الطلاب على الإستمرار بهذه الطريق، الذي كان مكارم رفيقهم فيه، ووالدهم الناصح الموجه في الوقت ذاته.
بعد سنوات من تأسيس القسم، تخرج على يد الدكتور عبدالحكيم مكارم حتى الان أربع دفع من قسم الإعلام، وعلوم الإتصال، بشعبه الثلاث: إذاعة وتلفزيون، صحافه ونشر إلكتروني، العلاقات العامة والإعلان، كما تخرجت أيضاً العديد من الدفع الذين قام بتدريسهم في جامعات أخرى خاصه في مدينة تعز.
ثمرة جهوده الفكرية والعلميه جمعها في كتاب (النقد الإعلامي)، والذي أصدره أواخر شهر مارس المنصرم، و يحوي الكتاب جهد ثلاث سنوات من الإطلاع، والإستنتاج، والعصف الذهني، والبحث اللامنقطع، ومحتواه يتمثل في الأسس النظرية، والمهارات التطبيقيه للإعلام، وفصوله مقسمة لتلبي حاجة القارئ في مجالات الإعلام الثلاث المرئية والمسموعة والمقرؤة، وكان السبب في تحفيزه لكتابة هذا الكتاب هو الطلاب على حد قوله، ليستفيدوا من محتوياته بشكل معمق، كما أعتمدته رئاسة القسم كمنهج يدرس لكافة الطلاب.
تميز مكارم بصدقه و تفانيه في عمله وحبه لطلابه، ومعاملتهم لهم معاملة الأب لأبنائه، في التشجيع والإيمان بقدراتهم، كما كان مهتم أيضاً بتنمية مهاراتهم الصحفية والإعلامية عامةٌ، وغيرها من النشاطات الطلابية في الجامعة، وبالرغم من توجهه الحزبي، إلا أنه كان يحترم التوجهات الحزبيه للآخرين، ويتقبل حرية التعبير، ويؤمن بالرأي والرأي الآخر، ولم يكن متعصبا لسياسة معينة.
يقال عنه أنه كان صارماً في وقت المحاضرات، وبكل مايتعلق بالتكاليف الجامعية، والدرجات، هذا ما جعل منه أكاديميا ذو شخصية قيادية، ومثال يحتذى به في التدريس، وهو ما صقل شخصيات طلابه، وجعلهم إعلاميين ماهرين في العمل بالميدان، كما يتحدث الكثير من الطلاب الذين درسوا على يديه.
كان مكارم حكيماً جداً، ونصائحه دائماً تصب في مصلحة الطلاب، وتراعي متطلبات المستقبل، و كان حريصا على إكمال بحوثه التي ستخوله للحصول على ترقية، ليتمكن من إفتتاح برنامج الماجستير لقسم الإعلام وعلوم الإتصال، وتطوير قسم الإعلام عامة، وإنشاء استيديو تدريبي يليق بطموح طلاب القسم.
توفي الدكتور عبدالحكيم عبدالله عمر مكارم يوم الجمعة الثاني عشر من أغسطس 2022، إثر ذبحة صدرية، بعد تاريخ حافلاً بالنجاحات، مخلفاً حزن كبير بين أوساط طلابه وعائلته ومحبيه، غادر مكارم الدنيا، ولم تغادر مكارم الإعلام سيرته، ذلك الدكتور الذي غرس في كل طالب من طلابه بذرة تكبر كل يوم، ويتعاظم حجمها، وكل من يرآها يتذكره بالخير، فكان حقاً مثال للخير والعطاء والتضحية.