[ الشاعرة عائشة المحرابي خلال توقيع أحد دواوينها ]
كان "سيد المساء" باكورة نتاجها الشعري، وعلى يديها تنفس الاقحوان قصائداً عاطرة الشجن، وبيراع فائق الأناقة والتميز، سطرت حضوراً في المشهد الشعري اليمني والعربي، وروضت حنين الأنثى وشجونها، ومن خلف أهداب عيون الوطن الدامعة، خاطبت بجرأة الواثقة العقول والأفئدة، وأهدت للفجر المعفر بالمواجع سلاماً ومحبة، ينشده ملايين العالقين بين أنقاض الوطن الممزق.
هي كما قالت عن نفسها: "تضع عقود الياسمين على جيد الكلمات، والبخور بين فواصلها، وتستلقي على عرش الفيروز ملكة غير متوجة، مراياها العطر والكلمات."
إنها الشاعرة اليمنية العدنية عائشة المحرابي التي استضافها الموقع بوست في حوار عن الثقافة والشعر، وهموم ثقافية أخرى.
المحرابي صدر لها عدة دواوين، منها سيد المساء2013، وتنفس الاقحوان 2014، والصادران عن دار خالد ابن الوليد، وكيف يروض الحنين 2014، صادر عن دار الجيل الجديد، وعالقة خلف جفون الوطن 2017، وصدر عن دار فكرة، وسلاما أيها الفجر، والصادر عن دار أبرار 2019، بالإضافة لديوان (للجنون دلال) تحت الطبع.
نص الحوار:
** بداية من هي عائشة المحرابي؟
*سيدة من مواليد عدن اليمنية، حاصلة على بكالوريوس فلسفة، من جامعة عدن، وأعمل معلمة، وأنا أيضا زوجة وأم بسيطة، تعشق الحياة والجمال، والكلمة الحلوة.
**متى أدركت عائشة المحرابي أن ثمة شاعرة تسكنها؟
*حتى الآن لم أصل بعد لأكون شاعرة بما يشبع رغبتي، لكن علاقتي بالقصيدة بدأت في المرحلة الإعدادية.
**تمر أي تجربة شعرية بما يمكن تسميته إرهاصات البداية، كيف عاشت عائشة المحرابي تلك الارهاصات؟ من الشعراء أو الشاعرات كان له تأثيره في نضوج تجربتك الشعرية؟
*كانت مجرد خربشات مضحكة، حين كنتُ في نهاية المرحلة الابتدائية والإعدادية، وكأي بدايات شعرية كانت محاولاتي بسيطة ينقصها الكثير من الصقل والتشذيب، وقبل كتابتي للقصيدة كانت بداياتي مع القصة، فقد كان والدي محمد يحي المحرابي رحمة الله عليه يقص علينا حكايات منها ما قبل النوم، فأحببت القصص كثيرا، وما زلت، أما حبي للشعر فكان في سنة أولى اعدادي عندما أخذنا قصيدة للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، ومن حينها أغرمت بالشعر، وأحببت أعمال الشاعر لطفي جعفر أمان، خصوصاً قصائده الغنائية التي كان الفنان أحمد بن أحمد قاسم يغنيها، وأنا ابنة مدينة عدن فكيف لا أعشق هذا الثنائي!
**ماهي طقوس كتابة القصيدة لديك؟ وكيف كانت ردة فعل عائلة عائشة المحرابي الأنثى والزوجة تجاه عائشة الشاعرة؟
*لا توجد أي طقوس، والوقت الذي أرغب بالكتابة فيه، أترك كل الذي بيدي، وأكتب، لهذا أضع مذكرة وقلم جاهزة، فالقصيدة تأتي دون ميعاد مسبق، فلا أملك غير تلبية نداء شيطان الشعر، والخضوع لرغبته، والجلوس مع الورقة والقلم، وتمر قصيدتي بعدة مراحل، من التصحيح والتنقية والمراجعة، حتى تكتمل بصورتها النهائية.
بالنسبة للشق الثاني من السؤال أنا محظوظة جدا، أولا أسرتي لم تكن ممانعة، وبالعكس شجعتني جدا، وزوجي أيضا شجعني في الكتابة.
** كيف استطعت تخطي حواجز الثقافة الاجتماعية اليمنية التي لا تتقبل المرأة المثقفة والمبدعة، وغياب الدور الحكومي المشجع وغيرها من القيود؟
*أنا أحاول أن أشق طريقي، وأرجو فعلا أن أصل لتلك الصدارة، وعن نفسي لم أجد أي عوائق، وإن وجدت من البعض التنمر، ولكني اتجاهلها، فالحياة الإبداعية تتسم بالمكابدات والمعاناة، وإلا لما قيل أن المعاناة تولد الابداع، ومن يستسلم للعوائق والعثرات لن يتقدم خطوة واحدة، ولن يحقق أي نجاح يذكر.
**كيف توائم الشاعرة عائشة المحرابي بين التزاماتها كأم وزوجة وبين التزاماتها الإبداعية؟
*عندما كان أولادي صغارا، لم أكن أجد الوقت لأرتاح، كل وقتي مقسم بين التزاماتي في البيت، والعمل، والأولاد، والزوج، وعندما كبروا واعتمدوا على أنفسهم، عدتُ إلى هوايتي الجميلة، واعترف هنا أني وجدتُ صعوبة في البداية، و كنتُ كمن يتعلم الكتابة لأول مرة، وعندما أعود لما كتبته سابقا أخجل مما كتبت وأضحك.
**للقصيدة الومضة، أو قصيدة الهايكو حضور كبير في تجربتك الشعرية ماهي مميزات هذا النوع من الشعر؟
*حب كتابة الومضات، جملة قصيرة مليئة بالصور، كلمات قليلة تحمل معان كثيرة، قصيدة الومضة تتميز بالتكثيف والايجاز، وقد تعبر ببعض كلمات عنما ما قد تعبر عنه قصيدة عمودية مكونة من عشرين بيتاً.
**يلمس القارئ والمتذوق وأيضا الناقد المطلع على تجربتك الشعرية جرأة في كتابة القصيدة الغزلية بتمكن، هل لكونك تنتمين لمدينة عدن التي أفردت منذ وقت مبكر هامشا كبيرا للمرأة لتعبر عن مواهبها وإبداعاتها؟
*أولا أنا لا أملك تلك الجرأة في الكتابة، وما يكتب في حدود الأدب، أما كوني من عدن الحمدالله فعلا أخذنا مساحة من حرية التعبير، ولكن أيضا بحدود.
**على الرغم من نبرة الهدوء التي تتسم بها الكثير من قصائدك المفعمة بالحنين، إلا أن حالة القلق غالبة فيها، ما الذي يقلق عائشة المحرابي كشاعرة؟
*وضع اليمن ألا يقلق؟ ما نحن فيه من دوامة الحرب والفقر كل هذا يبعث القلق والتوتر الذي يعيشه وطني، لهذا الكتابة هي ملاذي الجميل.
**يصنف النقاد الإبداع النسائي في اليمن وخصوصاً في المجال الشعري، بأنه قصير العمر، ما مدى صوابية هذا التصنيف، وماهي الأسباب من وجهة نظرك؟
*هو يختلف من كاتبة إلى أخرى، ومنها أسباب كثيرة، أعرف كاتبات ممتازات، وجدوا المحاربة من الأهل، وهذا هو الأغلب، ويأتي بعض الأزواج ويكملون ما قام به الأهل، والبعض بسبب السخرية، وهناك تعليقات جارحة ومؤلمة (التنمر)، وأنا ممن تعرضن للتنمر، لكن البعض تقف لهم بالمرصاد، ولا تهتم، والبعض تصمد فترة وتتراجع، وتتوقف عن الكتابة تماما.
**ماذا أضافت مهنة التدريس لتجربة عائشة المحرابي الشعرية؟
*التدريس مهنة ممتعة لمن يعشقها، وأنا أحب مهنتي، فهي وسعت علاقاتي ومعارفي.
**قصيدتك المعنونة بـ"رسالة للعام الجديد" (2017) يمكن وصفها بمذكرة احتجاج بالغة الدلالة للنتائج الكارثية التي أفرزتها الحرب المدمرة في اليمن، فهل يمكن للصوت الشعري أن يحدث صداً؟
*هي فعلا كذلك، وأرجو من الله أن تجد صداها، وأن تنتهي هذه الحرب، ويعود لليمن السلام والأمان والاستقرار.
**في رصيدك الابداعي خمسة دواوين شعرية هل حققت تلك الإصدارات للشاعرة عائشة المحرابي ما كانت تطمح اليه؟ وهل مازال الرهان على الكتاب قائما في زمن فوضى الشبكة العنكبوتية والكتابة بالكيبورد؟
*كل أعمالي التي أصدرتها لم تحقق ما أطمح إليه، وأنا إنسانة تبحث عن الأفضل، والأكمل، ولهذا كلما صدر لي ديوان بعد فترة أحس أنه ليس بمستوى رضاي عنه، خاصة في عالم النت، الآن الأغلب يجد متعته ورغبته في شبكة التواصل الاجتماعي، وأصبح عشاق الكاتب قليلون.
**ماهي أبرز المهرجانات المحلية والخارجية التي شاركت فيها؟ وهل ثمة جوائز تكريمية حصلتي عليها؟
*شاركت في عدة مهرجانات خارجية، وحظيت بالتكريم عدة مرات، في مصر، وتونس، والجزائر، والأردن، وفي مهرجان الشعر والحرية في تونس مارس 2015، وفي المركز الثقافي بتونس مهرجان بوترعة 2014، ومن قبل أيضا مهرجان في تونس.
وهناك تكريم أيضا في الجزائر 2015، وفي مصر عدة مهرجانات، كانت في 2012، ومهرجان همسة، ومهرجان القلم الحر في 2019.
أما في وطني، فكان هناك تكريم في مهرجان بمدينة تعز تحت رعاية مؤسسة السعيد، من سنوات خلت، وكذا في المكلا، وعدن وصنعاء وذمار.
**لو كانت الشاعرة عائشة المحرابي وزيرة للثقافة ما الذي ستفعله للنهوض بالمشهد الثقافي اليمني والاهتمام بالمبدعين؟
*بدون تردد أرفض مجرد الفكرة، يكفي مسؤولية بيتي إلى جانب أنني منطوية إلى حد ما، لكنني أناشد المسئولين في وزارة الثقافة اليمنية عبر موقعكم لإحياء الفعاليات الثقافية، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية، والاهتمام بالمبدعين، وتحسين أوضاعهم المعيشية، وتبني طباعة نتاجاتهم الإبداعية.
**اذكري لنا أسماء شاعرات يمنيات استطعن تخطي كل الحواجز والتابوهات، وسجلن حضورا في المشهد الشعري اليمني؟
*هن كثيرات، وأرجو أن يعذروني من لم أذكرهن، ولكن حاليا يحضر في ذهني الشاعرة المبدعة أميرة شايف.