برود في الموقف وصمت مريب لأول مرة.. تعامل الحكومة اليمنية مع التطورات في فلسطين يثير الأسئلة (تحليل)
- عدن - خاص الجمعة, 13 أكتوبر, 2023 - 03:54 صباحاً
برود في الموقف وصمت مريب لأول مرة.. تعامل الحكومة اليمنية مع التطورات في فلسطين يثير الأسئلة (تحليل)

[ أحد الأحياء في مدينة غزة بعد تعرضه للقصف الإسرائيلي ]

للمرة الأولى تظهر الحكومة اليمنية بموقف باهت من التطورات الجارية في فلسطين، بعد أن ظل لعقود موقفها المساند للقضية الفلسطينية واضحا وصارما، وهو موقف ينبع من اعتبارها قضية جوهرية، ويرفض الاعتراف بإسرائيل، والتطبيع معها، ويناصر الحق المشروع للفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم.

 

لكن التطورات الجارية في فلسطين منذ السابع من أكتوبر الجاري، أبانت عن برود مريب في موقف الحكومة اليمنية، سواء الحكومة ذاتها، أو مجلس القيادة الرئاسي، أو الأحزاب المنضوية في إطاره، وحتى الكيانات التي يتشكل منها كالمجلس الانتقالي، وبدت جميعها متحدة للمرة الأولى في هذا الموقف، رغم الخلافات التي تعصف بها.

 

المواقف اليمنية

 

الموقف اليمني جاء هذه المرة فقط على لسان وزارة الخارجية في بيان مقتضب نشرته وكالة "سبأ" الحكومية" دعت فيه لحماية المدنيين في فلسطين، ووضع حداً لاستفزازات قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني ومقدساته، مجددة موقف الجمهورية اليمنية الثابت، في العمل على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحياة الكريمة، وقيام دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا ًلمبادرة السلام العربية والقرارات والتشريعات الدولية ذات الصلة.

 

كان هذا هو الموقف الوحيد الرسمي الصادر عن الحكومة اليمنية بكل مكوناتها، منذ اليوم الأول لانفجار الوضع في فلسطين، ولم يدل رئيس مجلس الوزراء، أو رئيس مجلس القيادة الرئاسي، او أعضاء المجلسين باي تصريحات أخرى.

 

غير أن هيئة رئاسة مجلس النواب تداركت فيما يبدو الأمر، وسارعت لإصدار بيان، كان هو الأقوى تعبيرا من حيث مضمونه، وجاء ذلك عقب الموقف الذي ظهر به برلمان صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، وتضمن البيان الذي نشرته وكالة "سبأ" الحكومية العديد من المطالب بما في ذلك انتقاده لممارسات إسرائيل، واعتبارها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، والاخلاق الإنسانية، ودعا لوقف التصعيد، وانتقد التواطؤ الغربي الأمريكي، وصمت الشعوب العربية.

 

على ذات المنوال جاء موقف التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية اليمنية، الذي يتشكل من أبرز الأحزاب ويشارك في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، والذي حمل ما وصفه بالكيان الصهيوني المسؤولية الكاملة تجاه ما يجري في أرض فلسطين المحتلة، داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية الشعب الفلسطيني والقيام بمسؤولياته لإجبار قوى الاحتلال على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية وإرادة السلام.

 

وثمة موقف رسمي آخر عن الوضع في فلسطين، ولكنه لم يجد طريقه للنشر في وكالة "سبأ" الحكومية، وهو موقف هيئة رئاسة مجلس الشورى، الذي نشره رئيس المجلس أحمد عبيد بن دغر في حسابه على منصة "إكس"، وتناقلته وسائل الإعلام الخاصة والمستقلة.


 

 

في البيان أدانت هيئة رئاسة مجلس الشورى ما وصفته بالأعمال العدوانية للعدو الصهيوني على قطاع غزة، معربة عن وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، في نضاله العادل لاستعادة أرضه المغتصبة، وحقه في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وطالبت المجتمع الدولي بدعم المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وعدم السكوت على الأعمال والممارسات الإجرامية لحكومة الكيان الصهيوني.

 

الانتقالي صامت

 

بالنسبة للمجلس الانتقالي فقد فضل الصمت التام، وهو موقف ينسجم مع موقف دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعد الداعم الرئيسي له، لكنه عاد بعد مضي خمسة أيام على الأحداث في فلسطين ليعرب عن أسفه لما يجري هناك، وذلك في فقرة مذيلة في نهاية خبر عابر، تطرق لأحد اجتماعات هيئة رئاسة المجلس.

 

غير أن هذا الموقف لم يكن انطلاقا من موقف واضح في الرؤية تجاه القضية الفلسطينية، بل جاء متسقا مع طريقة عمل المجلس الذي يدور في فلك الدول التي يراعيها كثيرا في مواقفه من القضايا المحلية والخارجية، ففي حين طالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، استند في مطالبته تلك لما وصفه مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في القمة العربية ببيروت 2002م، والاتفاق الإبراهيمي الذي وقعته كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين في سبتمبر من العام 2020، وفق ما نشره موقع المجلس.

 

هذا الموقف يشير إلى أي مدى يتحرك المجلس تبعا لموقف السعودية والإمارات، التي حرص على إرضاء الدولتين، في التذكير بمواقفهما السابقة، كما أنه لم يذكر حتى إسرائيل، بالتلميح أو التصريح.

 

دلالات هذا الوضع

 

يشير هذا الوضع من البرود في الموقف بالنسبة للحكومة اليمنية، والأطراف المتصلة بها، إلى مدى التأثر والتأثير الذي طرا عليها، جراء دورانها في إطار الموقف السعودي، الذي تقيم فيه القيادة اليمنية منذ سنوات، وهو موقف لا يصعد في وجه إسرائيل، ويفضل الابتعاد عن إدانتها، خاصة مع التوجه السعودي نحو التطبيع مع تل ابيب بدعم أمريكي واضح وصريح.

 

وبالتالي بدا واضحا انعكاس الموقف السعودي على موقف مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، بما في ذلك التغطية الصحفية لوسائل الإعلام الحكومية الرسمية، كوكالة الأنباء الرسمية "سبأ" التي عزفت هي الأخرى عن تغطية أي أنشطة شعبية مساندة للقضية الفلسطينية.

 

وهذا الحال ينطبق أيضا على أداء الأحزاب السياسية اليمنية، التي لم يصدر عنها أي موقف حزبي، أو نظمت أي فعاليات جماهيرية، واكتفت ببيانها الموحد، رغم أن برامجها السياسية تعتبر القضية الفلسطينية على رأس القضايا العربية، وتفرد لها الصفحات.

 

أما بالنسبة للمجلس الانتقالي، فلم يكن الأمر مستغربا، فقد صرح رئيسه عيدروس الزبيدي من قبل بترحيبه في التطبيع مع إسرائيل، ولعل موقف المجلس الخجول والمتأخر من التطورات الأخيرة في فلسطين، يعكس رغبته في عدم الخروج عن مضمون التوجه الإماراتي، وعدم إزعاجه لإسرائيل في هكذا موقف.


التعليقات