لا تفتَرِض أن خطوط الإمداد الإيرانية إلى حزب الله قد قُطِعت
- مايكل نايتس ـ معهد واشنطن السبت, 14 ديسمبر, 2024 - 05:24 مساءً
لا تفتَرِض أن خطوط الإمداد الإيرانية إلى حزب الله قد قُطِعت

لقد مرت الجهود السابقة لطهران لإعادة تشكيل "حزب الله" ببيئات أكثر صعوبة من سوريا ما بعد الأسد، لكن جهوداً اقتصادية بقيادة الولايات المتحدة يمكن أن تعقّد جهود التهريب المستقبلية وتساهم في تحقيق أهداف أخرى لمكافحة الإرهاب في الوقت ذاته.

 

على الرغم من أن انهيار نظام بشار الأسد يمثل تطوراً مشجعاً بالتأكيد، إلا أن هذا لا يعني أن راعيته السابقة، إيران، ستتخلى ببساطة عن استخدام سوريا كمعبر لإعادة تشكيل "حزب الله" في الجوار اللبناني. بل على العكس تماماً، فقد ازدهر التهريب الإيراني للأسلحة تاريخياً في البيئات التي تشهد انهياراً أو ضعفاً للدولة.

 

لنأخذ اليمن كمثال. منذ أن فرضت الأمم المتحدة حظراً على الأسلحة الموجهة ضد الحوثيين في عام 2015 بموجب "قرار مجلس الأمن رقم 2216"، قامت إيران ببناء ترسانة الحوثيين من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، والصواريخ المضادة للسفن، وصواريخ كروز، والطائرات المسيرة الهجومية بعيدة المدى، والقوارب المسيّرة المفخخة، والصواريخ أرض-جو، وغيرها من القدرات المتقدمة، بالإضافة إلى تهريب منتجات الوقود المدعومة بشكل كبير. وتمكنت هذه الإمدادات من تجاوز شبكة مراقبة متعددة الجنسيات، بما في ذلك آلية تفتيش التجارة البحرية التابعة للأمم المتحدة وجهود اعتراض بحرية من قبل حلف شمال الأطلسي وقوات البحرية الخليجية. كما قامت إيران بتهريب أنظمة أسلحة رئيسية (بما في ذلك مؤكسدات الوقود السائل، والصواريخ، والطائرات المسيرة، وأجهزة الاستشعار) عبر عُمان، ومن ثم نقلتها مئات الأميال عبر مناطق من اليمن التي تسيطر عليها الفصائل المناهضة للحوثيين.

 

خطوط الإمداد المحتملة بعد الأسد

 

من بين الخيارات المستقبلية لإيران لإرسال المواد إلى "حزب الله"، تبرز 4 احتمالات:

 

النقل البري المستمر عبر الشاحنات من خلال العراق، عبر وسط سوريا، وصولاً إلى لبنان.

 

مسارات برية أخرى: عبر العراق، والأردن، وجنوب سوريا، أو عبر العراق، وتركيا، وشمال سوريا.

 

النقل البحري إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في سوريا، (ومن ثم) النقل البري بالشاحنات إلى لبنان.

 

النقل الجوي إلى سوريا، (ومن ثم) النقل البري بالشاحنات إلى لبنان.

 

مع إعادة فتح سوريا بعد الأسد كما هو مُفترض، ستشهد البلاد تدفقاً للأشخاص والمركبات والأموال والمساعدات الإنسانية ومواد إعادة الإعمار والسلع الاستهلاكية، ومعظمها عن طريق الشاحنات من الدول المجاورة. ويمكن لإيران بسهولة استغلال هذا التدفق لإعادة تشكيل "حزب الله" وفصائلها الوكيلة في سوريا. فالعراق تحكمه حفنة من الميليشيات الموالية لإيران التي تتحكم بالكامل في المنافذ الحدودية والطرق السريعة والمطارات. وفي الأردن، تسعى إيران منذ فترة طويلة إلى إضعاف سيطرة الحكومة وتحويل المملكة إلى قاعدة أكثر تقبلاً للأنشطة المعادية لإسرائيل والمعادية للغرب عبر التلاعب بعناصر أردنية/فلسطينية متعاطفة وعناصر أجنبية. وفي سوريا، قد لا يكون الوضع ما بعد الأسد مقاوماً بشكل خاص لشبكات التهريب الإيرانية، التي تتمتع بتمويل جيد وتتداخل مع العصابات الحالية للمخدرات. كما يمكن أن تعمل المناطق الساحلية ذات الأغلبية العلوية، التي كانت تشكل نواة النظام السابق، كخط إمداد أقصر إلى "حزب الله"، حيث يتم إخفاء البضائع المهربة ضمن شحنات المساعدات ومواد إعادة الإعمار المرسلة إلى لبنان بعد وقف إطلاق النار.

 

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت إيران أنها لا تتردد في إجراء ترتيبات تكتيكية مع الجماعات الجهادية السنية في الماضي (على سبيل المثال، تنظيم "القاعدة" وحركة طالبان)، لذلك قد تختار تبني هذه التكتيكات في سوريا ما بعد الأسد، حيث أصبحت معدات النظام عرضة بشكل متزايد لخطر الاستيلاء عليها من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش"). لقد تفكك الجيش التابع للأسد ولا يعرف أحد حجم ترسانته التي يجمعها تنظيم "الدولة الإسلامية". وحتى لو استولت فصائل أخرى على الجزء الأكبر منها، فقد تحاول عناصر تنظيم "داعش" شراءها منها في الأشهر المقبلة. وتشمل القوات المتمردة الشمالية والجنوبية التي تجمعت باتجاه دمشق خلال الأسبوعين الماضيين - وأبرزها "هيئة تحرير الشام" - عدداً غير معروف ولكنه مهم من العناصر المصنفة من قبل الولايات المتحدة كإرهابية، والتي سبق أن تنقلت بين قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" وتقاسم الموارد معه.

 

توسيع الوجود الأمريكي

 

نظراً لتعدد هذه المخاطر، ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى بنشاط لاتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية بمساعدة أطراف أخرى معنية - وهي الدول التي ترغب في تقليل تأثير الإرهاب في سوريا وبالتالي توسيع أنشطتها هناك. وقبل كل شيء، يجب على المسؤولين في إدارة بايدن أو الإدارة الأمريكية المقبلة بقيادة ترامب إعادة تقييم الحكمة من الانسحاب المبكر للعناصر الأساسية من الوجود العسكري الأمريكي المحلي.

 

وفي العراق، تُعد "قاعدة عين الأسد الجوية" موقعاً مثالياً لمراقبة عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" وتقديم دعم أساسي للجهود الأوسع نطاقاً لمكافحة الإرهاب والتهريب. لدى بغداد أسباب كافية لتمديد بقاء القوات الأمريكية في "قاعدة عين الأسد"، حيث تواجه مخاوف تتعلق بعودة ظهور تنظيم "داعش" وارتفاع نشاط الفصائل الجهادية السنية الأخرى في سوريا ما بعد الأسد. وعلى الرغم من أن "اللجنة العسكرية العليا الأمريكية العراقية" كانت قد خططت سابقاً لإغلاق هذه القاعدة في أواخر عام 2025، إلّا أن الوضع الجديد في البلد المجاور يستدعي إعادة النظر في هذا القرار.

 

كما أثبتت قاعدة "التنف" في سوريا، التي يتم إعادة إمدادها عبر الأردن، أنها نقطة وصول منخفضة التكلفة وفعالة للغاية لمراقبة جنوب ووسط سوريا. وبالمثل، فإن المواقع الحالية لـ "قوات العمليات الخاصة الأمريكية" على طول نهر الفرات تتمتع بموقع مثالي ليس فقط لدعم مختلف عمليات مكافحة الإرهاب في سوريا، بل أيضاً لمراقبة أنشطة الميليشيات الإيرانية والميليشيات الوكيلة في ذلك الممر. وفي النهاية، قد يكون من الضروري منع الفصائل السنية العربية المتطرفة العنيفة من اجتياح العناصر الكردية التي كانت أساسية لمهمة مكافحة الإرهاب الأمريكية على الأرض.

 

الصلاحيات، الوصول، والشراكات

 

بطبيعة الحال، لا تقتصر مراقبة ومنع واستهداف عمليات التهريب التي تقودها إيران لـ "حزب الله" على الوجود العسكري فقط، بل تتطلب أيضاً بنية قانونية وسياسية مدروسة لدعم هذه الجهود. وفي سوريا، تحظى مهمة مكافحة تنظيم "داعش" بدعم قوي من خلال تدابير الأمم المتحدة مثل "قرار مجلس الأمن رقم 2249" (2015)، الذي خوّل الدول "اتخاذ جميع التدابير الضرورية" لتقليل تهديد تنظيم «داعش». ومع ذلك، فإن الآلية الرئيسية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة - وهي "تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2001" (AUMF) - تشكل مصدراً محدوداً ومتدهوراً بسرعة للسلطة في استهداف تنظيم «القاعدة» و"القوات المرتبطة به". وقد تظل "هيئة تحرير الشام" مؤهلة لهذا التصنيف على الرغم من تخليها عن جذورها المرتبطة بتنظيم "القاعدة" - وخاصة إذا حاولت بعض عناصرها نقل أسلحة إلى كيانات إرهابية عالمية مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" و/أو "حزب الله". (إن تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية لـ "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية أجنبية هو موضوع منفصل عن قضية تفويض العمل العسكري في سوريا وسوف تتم مناقشته بالكامل في "مرصد سياسي" قادم).

 

وفي ضوء هذه التعقيدات والبيئة المتغيرة في سوريا، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين والكونغرس البدء بمشاورات لتوسيع نطاق "التفويض الحالي لاستخدام القوة العسكرية" أو إصدار تفويض جديد في عام 2025. يجب أن يكون الهدف هو تفويض محدود لاستخدام القوة ضد أي جماعة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إذا قرر الرئيس الأمريكي أن هناك حاجة للتحرك، بما في ذلك خارج الحدود الضيقة للدفاع الذاتي الوشيك. ومن شأن هذه الآلية أن تسهل حرية الولايات المتحدة في التصرف ليس فقط ضد جماعات مثل تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، وحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي الفلسطيني"، والحوثيين، بل أيضاً ضد الجهات الفاعلة التي قد تدعم جهود إيران لإعادة تسليح "حزب الله" (على سبيل المثال، الميليشيات العراقية المصنفة كإرهابية). وقد يكون "تفويض استخدام القوة العسكرية 2.0" مفيداً بشكل خاص إذا ألغت الحكومة السورية المقبلة موافقتها على السماح لدول أخرى باستخدام القوة داخل أراضيها - وهو الخيار الذي حرمه الغرب من نظام الأسد بسبب سلوكه القاتل طوال الحرب الأهلية.

 

ينبغي على واشنطن أيضاً النظر في اتخاذ الخطوات التالية، مع تحمّل حلف شمال الأطلسي والشركاء الإقليميين جزءاً كبيراً من العبء:

 

• توسيع نطاق "قوة المهام المشتركة للعمليات الخاصة في بلاد الشام (المشرق)" وتوسيع مهمتها، لتشمل عناصر تركز على التهديدات غير المتعلقة بتنظيم "الدولة الإسلامية"، ودعم قيادة الولايات المتحدة لجهود مراقبة (اتفاق) وقف إطلاق النار الجديد في لبنان، والذي يشمل جزءاً منه منع إعادة تشكيل "حزب الله" عسكرياً. كما تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز أصولها الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع المخصصة لهذه المهام في سوريا.

 

• تعزيز "قوة المهام المشتركة للعمليات الخاصة في بلاد الشام" في نقاط وجودها داخل سوريا. وقد يشمل ذلك قواعد دوريات مؤقتة جديدة بين قاعدة "التنف" والقواعد التي أنشأتها "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد في البوكمال ومدينة دير الزور. وقد تكون قواعد الدوريات هذه أمريكية أو متعددة الجنسيات - على سبيل المثال، قد تكون بريطانيا وفرنسا والأردن والإمارات العربية المتحدة على استعداد لتقديم وحدات عمليات خاصة لهذه المهمة بشكل سري. وللحفاظ على شريكهما الرئيسي على الأرض، بإمكان الولايات المتحدة وفرنسا أيضاً مساعدة "قوات سوريا الديمقراطية" عن طريق وضع دوريات برية وجوية بين هذه القوات والقوات المدعومة من تركيا، وبالتالي الحفاظ على سلام غير مستقر في المنطقة. (سوف تتم مناقشة الخيارات الأمريكية بشأن "قوات سوريا الديمقراطية" بشكل أوسع في "مرصد سياسي" قادم).

 

• تعزيز التعاون الأردني في مكافحة المخدرات. سوف يؤتي هذا ثماره بسبب التداخل الكبير بين تهريب المخدرات الذي تدعمه إيران وتهريب الأسلحة عبر سوريا، وكلاهما يمثل تهديدات كبيرة للأردن ودول الخليج.

 

• إنشاء خط إمداد أمريكي جديد إلى سوريا. قد يصبح خط الإمداد الرئيسي الحالي - من إقليم "كردستان العراق" - أكثر عرضة للخطر، لذا ينبغي إنشاء خط ثانوي واختباره بين الأردن و"التنف" و"الإدارة الذاتية الديمقراطية التابعة لـ «قوات سوريا الديمقراطية» في شمال وشرق سوريا". وسيوفر هذا الخط الثانوي مرونة إضافية مع الاحتفاظ بـ "إقليم كردستان العراق" كخط إمداد رئيسي.

 

• تضمين حركة المرور الجوية والساحلية في نظام مراقبة جديد. في ظل نظام الأسد، كان هناك "عنوان" واضح عندما كانت السلطات الدولية بحاجة لاستخدام الموانئ والمطارات السورية لتوصيل المساعدات أو لأغراض غير عسكرية أخرى، لكن هذا أقل وضوحاً الآن. وبناءً على ذلك، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل إعادة النظر بعناية في كيفية مراقبة وتقييد الجسور الجوية والبحرية التي تستخدمها إيران إلى سوريا ولبنان. وكجزء من هذه العملية، يمكنهما تشجيع الدول العربية على ممارسة ضغط قوي على الحكومة الانتقالية في سوريا لحظر الوصول إلى المجال الجوي للرحلات الجوية الإيرانية المتجهة إلى سوريا أو لبنان.


التعليقات