[ حققت السعودية في بداية العاصفة مكاسب مؤقتة - أرشيفية ]
قبل أربع سنوات، كانت عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في اليمن، بقيادة السعودية، أكبر محطة تحول نوعي، ليس في تاريخ مملكة آل سعود فحسب، ولكن في تاريخ العرب المعاصر بشكل عام، خاصة أنها تمكنت من حشد تحالف عربي من عشر دول في وقت بلغت فيه الانقسامات العربية البينية ذروتها، وكان ذلك التحالف وعملية "عاصفة الحزم" أول تحرك عسكري عربي موجه ضد عدو مشترك، يتمثل في إيران والمليشيات الشيعية الموالية لها في عدة بلدان عربية، فضلا عن الدعم الإعلامي والدبلوماسي للتحالف من قبل بلدان عربية وإسلامية لم تشارك فيه عسكريا.
وبما أن السعودية تعد الدولة المحورية في التحالف، كونها هي من تقوده، والفاعل الرئيسي فيه، وهي من تتحمل معظم تكاليف الحرب، فإن ذلك جعلها تتصدر واجهة الأحداث والحرب في اليمن وتبعاتها وتداعياتها على مختلف الأصعدة سلبا وإيجابا، بل وتتحمل مسؤولية كل ما ترتب على ذلك من قتل للأبرياء وهدم للبنية التحتية وانتشار المجاعة والأمراض والأوبئة وطول أمد الحرب. فيا ترى، ما الذي ربحته السعودية من الحرب وما الذي خسرته؟
- مكاسب مؤقتة
حققت السعودية العديد من المكاسب، في بداية اندلاع "عاصفة الحزم"، بذريعة مساندة السلطة اليمنية الشرعية ضد انقلاب تحالف الحوثيين وعلي صالح عليها، غير أن تلك المكاسب كانت مؤقتة، وسرعان ما تحولت إلى خسائر، بعد انحراف التدخل العسكري عن الهدف الرئيسي المعلن عنه، ولم تستطع السعودية الحفاظ على تلك المكاسب جراء عبثها بالملف اليمني مع شريكتها دولة الإمارات.
كان من أهم مكاسب السعودية صعودها العسكري الغير متوقع، وبروز نفوذها السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، فبعض الدول العربية والأجنبية أيدت السعودية في حربها على الانقلابيين في اليمن، بذريعة أن ذلك دفاعا مشروعا عن النفس بعد تصاعد التهديدات الحوثية لها وكذا الاستفزازات الإيرانية قبل أن يكون مساندة للسلطة الشرعية والشعب اليمني، بينما البعض الآخر التزمت الصمت أو الحياد، ولم يعترض على "عاصفة الحزم" سوى إيران ونظام بشار الأسد في سوريا والمليشيات الشيعية الموالية لإيران في عدة بلدان عربية.
وبعد شهور قليلة من اندلاع "عاصفة الحزم"، شكلت السعودية "التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب"، مستغلة صعودها العسكري ونفوذها السياسي والدبلوماسي بعد "عاصفة الحزم" التي أظهرتها كقائدة للعالم العربي ضد الأخطار الأجنبية، وبدا كأن التحالف موجه ضد إيران، خاصة أن كل ذلك يأتي في وقت كان فيه الدعم السعودي والخليجي للمعارضة السورية دوره الكبير والمؤثر في الأزمة هناك، ورجحان كفة المعارك لصالح المعارضة المسلحة، لولا التدخل العسكري الروسي الذي أنقذ نظام بشار الأسد من سقوط محقق في اللحظات الأخيرة.
حينها كان يبدو للمراقبين أن "زمن السعودية" قد بدأ، وأنها على وشك تغيير معادلة الصراع الطائفي في المنطقة لصالحها، ذلك لأن دعمها للمعارضة السورية المسلحة التي حققت انتصارات نوعية على جيش نظام الأسد، وتدخلها العسكري في اليمن الذي شل القدرات العسكرية للانقلابيين وكبح جماحهم، وحشدها للعديد من الدول العربية تحت عباءتها، كل ذلك جعلها تعزز مكانتها العسكرية والسياسية في المنطقة، خاصة في ظل فراغ القوة الذي خلفه انهيار عراق صدام حسين وتراجع دور مصر وسوريا بعد ثورات الربيع العربي، وانكفاء الجزائر على نفسها ومشاكلها الداخلية.
- خسائر دائمة
لم يستمر "زمن السعودية" كثيرا، بل فقد انتهى قبل أن يبدأ، إن جاز التعبير، ذلك أن تراكم الأخطاء، وعدم الجدية في القضاء على الحوثيين في اليمن، والتخلي عن سوريا لعدة لاعبين إقليميين ودوليين، وافتعال أزمة مع دولة قطر، ثم افتعال أزمات داخلية من العدم ولم يكن لها أي وجود، وضعف الحضور الدبلوماسي الفعال والنشط في المحافل الدولية، ثم تداعيات أزمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول وإخفاء جثته، كل ذلك جعل "زمن السعودية" ينتهي قبل أن يبدأ.
وإذا كانت عملية "عاصفة الحزم" في اليمن هي التي دشنت "زمن السعودية"، فإن طول أمد الحرب في اليمن وعدم حسمها وتداعياتها الإنسانية، فقد مثّل ذلك السبب الرئيسي في نهاية "زمن السعودية" قبل أن يبدأ، وتحولت المكاسب (المؤقتة) إلى خسائر دائمة، فالتحالف العربي انفرط عقده تدريجيا، ولم يتبق إلى جانب السعودية والإمارات سوى مشاركة محدودة من قبل السودان، وتوقفت الكثير من الحكومات الغربية عن تصدير السلاح للسعودية، وتلطخت سمعتها الأخلاقية جراء ارتكابها مجازر بشعة في حق المدنيين باليمن وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.
يضاف إلى ذلك، توقف الولايات المتحدة عن تزويد الطائرات السعودية بالوقود في الجو، وأدرجتها عدة منظمات دولية في القائمة السوداء لانتهاكها حقوق الإنسان، كما بات ينظر كثيرون لها كدولة فاشلة عسكريا بسبب عجزها عن هزيمة أصغر جماعة شيعية موالية لإيران في المنطقة، وهي جماعة الحوثيين، فكيف ستواجه إيران بذاتها وبقية الجماعات والمليشيات الشيعية الموالية لها، والتي تعد أكثر خبرة عسكرية وأقوى بكثير من جماعة الحوثيين؟!