[ لحظات انطلاق طائرات أمريكية لقصف اليمن - القيادة المركزية الأمريكية ]
تتسارع وتيرة الأحداث في اليمن أكثر من أي وقت مضى، منذرة بمزيد من التصعيد، على خلفية الملاحة الدولية، والهجمات المتكررة لجماعة الحوثي في البحرين الأحمر والعربي.
في أحدث موجة من التصعيد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ هجمات جديدة على مواقع لجماعة الحوثي في اليمن، وصفت بأنها الأعنف منذ بدء الصراع والمواجهات بين الطرفين.
طبيعة الغارات
الغارات الجديدة استهدفت ذات المناطق السابقة، التي قصفت مؤخرا، في محافظات العاصمة صنعاء، والبيضاء، وتعز، وركزت على المعسكرات ومخازن السلاح والصواريخ، ونفذتها أمريكا، وبريطانيا، وبدعم من أستراليا، والبحرين، وكندا، وهولندا، وهي الدول التي أيدت العمل العسكري لواشنطن، والتي سارعت لاعتبارها عملا منفصلا عن إجراءات حرية الملاحة متعددة الجنسيات التي يتم تنفيذها في إطار عملية حارس الازدهار.
بررت القيادة المركزية الأمريكية الهجمات بأنها جاءت كجزء من الجهود المستمرة متعددة الجنسيات للرد على تزايد أنشطة الحوثيين، التي قالت بأنها مزعزعة للاستقرار والانشطة غير القانونية في المنطقة.
وذكرت في بيان لها إنها استهدفت ثمانية اهداف في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، والتي تستخدم لمهاجمة السفن التجارية الدولية والسفن البحرية الأمريكية في المنطقة، وشملت أنظمة صواريخ وقاذفات وأنظمة دفاع جوي، وأجهزة رادار ومنشأة تخزين، معتبرة أنها تهدف لإضعاف قدرة الحوثيين على مواصلة هجماتهم المتهورة وغير القانونية على ممرات الشحن التجاري الدولي والسفن الامريكية والبريطانية في البحر الاحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.
لم يصدر بعد عن جماعة الحوثي أي تقرير عن حجم الخسائر التي تسببت بها هذه الضربات، واكتفت وسائل الإعلام التابعة لها بنشر تفاصيل المناطق المستهدفة في المحافظات فقط، وهي استمرار لحالة التكتم التي تفرضها الجماعة عند حدوث مثل هذه الأعمال العسكرية.
يأتي هذا القصف بعد ساعات من إعلان جماعة الحوثي استهداف سفينة عسكرية أمريكية في خليج عدن، وتوعدهم بالاستمرار في الهجمات، وفقا لما أعلنه الناطق العسكري للجماعة يحيى سريع في بيان عن الحادثة، التي كذبتها واشنطن، واعتبرتها عارية من الصحة.
ويعد هذا القصف الذي وصف بالضربات الإضافية أول عمل عسكري تنفذه الولايات المتحدة وحلفائها بعد تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية دولية، والذي جاء كوسيلة ضغط على الجماعة، ومن المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ رسميا بعد ثلاثين يوما على صدوره.
تعقيد جديد
تمثل الغارات الجديد تعقيدا جديدا للعلاقة بين أمريكا والحوثيين، وفتيل نار يشعل المنطقة برمتها من جديد، وتتزامن مع وضع مضطرب يشهده البحر الأحمر، الذي تحول لمنطقة ملتهبة بالصراع، فمن جهة هناك الوضع بإسرائيل، وعدم قدرتها على تشغيل ميناء إيلات المطل على البحر الأحمر، ومن جهة الاضطرابات في السودان، ثم تأثر مصر بما يجري، وكذلك الأزمة بين الصومال وأثيوبيا.
تشير هذه التطورات إلى أن الأحداث تسير بشكل تصاعدي، ومرشحة للانفجار والمواجهة أكثر من أي وقت مضى، فأمريكا تعمل في هذا المضمار، من خلال واجهة التحالف الدولي، الذي تقوده، ولم تخض المواجهة منفردة، وتمسكت بمواصلة أعمالها العسكرية، بتحالف أساسي مع بريطانيا، التي أصدرت لوحدها بيانا عن قواتها المنفذة للهجوم، بالإضافة لبيان مشترك صدر عن مجمل الدول المشاركة.
الولايات المتحدة تبدو عازمة على السير في اتجاه الحرب، والتصعيد في المنطقة، وحددت أهدافها بالقضاء على كل التهديدات التي تمثلها جماعة الحوثي على خطوط الملاحة الدولية في اليمن.
ويظهر الاختلاف في الغارات الجديدة التي تقودها واشنطن مع تلك التي نفذتها السعودية سابقا في عدم سقوط ضحايا مدنيين، ما يعني أنها هجمات دقيقة، ولكنها تعيد تكرار ذات الخطأ الذي اقترفته السعودية سابقا في حربها مع الحوثيين، والتي ركزت على العمل العسكري الجوي، واستهداف مواقع عسكرية، فقط، ولم تدخل حتى اللحظة في تنفيذ أهداف نوعية، كاستهداف قيادات في جماعة الحوثي، وهي الإشارة التي ألمحت لها وسائل إعلام سعودية في أن الغارات الجديدة استهدفت إحدى قيادات جماعة الحوثي في صنعاء.
لكن الهجمات الجديدة لواشنطن تواجه انتقادات في الداخل الأمريكي، خاصة لدى الرئيس جو بايدن الذي أعلن استمرار الغارات على اليمن، رغم الأصوات المرتفعة في وجهه، والتي تتهمه بالتورط في الحرب، دون الرجوع للكونجرس، أو ما يعرف بصلاحيات الحرب.
غير أن الأمر لا يبدو منحصرا في جهد واشنطن العسكري وحلفائها، فالاتحاد الأوروبي وافق مبدئيا على ارسال قوة عسكرية بحرية إلى البحر الأحمر، بعد حالة انقسام سادت بين الدول الأعضاء، بين ممتنع ومتحفظ، وهو ما يشير ربما لتشكل تحالف أوسع للحرب في اليمن، إذا ما انضم الاتحاد الأوروبي لها، رغم بعض الاعتراضات التي بدأت ترتفع في أكثر من مكان، ومنها ما تتعرض له قبرص من انتقادات على خلفية سماحها لتحرك الطائرات من أراضيها لمهاجمة اليمن.
التفسير الأمريكي يكرر هذه المرة أيضا الربط بين جماعة الحوثي، وإيران، في عامل مشترك هو السلاح، وهي تهمة نفتها قيادات حوثية، معتبرة أنها تستفيد فقط من الخبرة الإيرانية، مثلما جاء في تصريحات الناطق الرسمي للجماعة محمد عبدالسلام لوكالة رويترز.
وربما كان لفقدان إثنين من جنود البحرية الأمريكية في خليج عدن، دافعا آخر لواشنطن في تكثيف عملياتها باليمن، خاصة أن حادثة الفقدان وقعت خلال مهمة تفتيش لقارب يحمل أسلحة إيرانية، وهو ما يعد الخسارة البشرية الأولى لها في هذه المواجهات.
تعكس هذه الغارات أن واشنطن تسير في خط الحسم العسكري الرادع للحوثيين، ولاتزال الأهداف المعلنة من الحملة هي استهداف قدرات الحوثيين الصاروخية، وتدميرها، وهي عملية تبدو معقدة وصعبة، فالهجمات الأولى لم تنجح في وقف الحوثيين من استهداف السفن الأمريكية، رغم كثافتها، وتعدد المناطق التي جرى استهدافها.
الرد الحوثي
بالنسبة للرد الحوثي، فيستند إلى ما أعلنته قيادات في الجماعة، والتي تصف ما يجري بالعدوان، وتؤكد أن الهجمات غير مبررة، وأنها ماضية في وجهة نظرها المتمثلة باستهداف سفن أمريكا وبريطانيا نصرة لغزة، ومن الواضح أن ردود الجماعة المباشرة لن تتوقف في بحار اليمن، بسبب الغارات المكثفة على مواقعها في الداخل من قبل واشنطن وحلفائها.
وتظهر جماعة الحوثي وحيدة في مواجهة هذه الموجة العنيفة من الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تُسجل أي مواقف رسمية متضامنة معها، وانحصرت تلك المواقف على بيانات متباينة من دول الخليج القريبة من اليمن، كسلطنة عمان التي أعلنت عن رفضها لتلك الهجمات، وقلقها من التصعيد، وكذلك السعودية وقطر والكويت والإمارات، باستثناء البحرين التي تنخرط بشكل مباشر مع الجانب الأمريكي.
وعلى ضوء المواقف السابقة فمن المتوقع أن يستمر التصعيد من قبل الحوثيين، فلديهم الخبرة الكافية في إعادة تشكيل أنفسهم من جديد، رغم أن من الملاحظ وجود توقف نسبي بين الهجمة الأولى لواشنطن، ومهاجمة السفينة الأمريكية من قبل الجماعة، ما يشير ربما إلى تأثر مخزونهم من الصواريخ للاستهداف، واستدعى الأمر ترتيبا إضافيا لإعادة تشغيل أو استبدال المنظومة الصاروخية المتضررة.
تنسيق مع الرئاسي
على الضفة الأخرى كثفت واشنطن وأطراف في تحالفها من لقاءاتهم برئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والتقى رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي على حدة سفراء أمريكا وبريطانيا استراليا ونيوزلندا، وهي الدول المنخرطة في التحالف العسكري المهاجم في اليمن، بالإضافة للقائه السفير المصري لدى اليمن، كما ناقش طارق صالح، الذي يقيم في الساحل الغربي القريب من خط المواجهة مع السفير الأمريكي باتصال مرئي الوضع في باب المندب، وتكررت اللقاءات مع وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، الذي أوضح موقف اليمن مما يجري في باب المندب خلال مشاركته في قمة الجنوب الثالثة لمجموعة السبعة والسبعين والصين المنعقدة في العاصمة الاوغندية كامبالا، بالإضافة للقاء رئيس الحكومة للسفيرة البريطانية التي نشطت مؤخرا في لقاءاتها مع الجانب الحكومي.
الموقف الحكومي لم ينحصر فقط في تلك اللقاءات، بل إنه ذهب لاعتبار ما يجري مغامرة إيرانية، واتهم الحوثيين بتهديد الملاحة الدولية وجر البلاد لصراع عسكري، وفقا لما جاء في بيان للحكومة اليمنية، ومضاعفة الأعباء على الحكومة، فيما اعتبر عضو المجلس عيدروس الزبيدي ما يجري في البحر الأحمر مهمة دولية، وخرج مجلس القيادة الرئاسي في أحد اجتماعاته للتأكيد على حماية الملاحة الدولية، وتحميل الحوثي المسؤولية، وهي إشارة ضمنية لموافقة المجلس على التصعيد العسكري لواشنطن ضد جماعة الحوثي.
وبدت العلاقة بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في حالة انسجام مؤخرا، وتوارت لهجة المجلس الانتقالي الانفصالية، وتحديدا منذ اشتعال المواجهة في بحار اليمن، رغم عدم قدرة رئيس المجلس وأعضاء آخرين من العودة إلى عدن، وبقائهم في الرياض، ما يشير ربما لرغبة سعودية في توحيد المجلس، لترتيبات قادمة.
لكن الملاحظ عدم انخراط أيا من التشكيلات العسكرية التابعة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، سواء قوات طارق صالح، أو الانتقالي، أو التابعة لوزارة الدفاع في أي مواجهة عسكرية مع جماعة الحوثي، أو لوحت بأي ردة فعل، رغم درجة الخصومة بين الطرفين، ويبدو من الصعوبة دخول تلك التشكيلات في مواجهة الحوثيين، لأسباب عديدة، لعل أبرزها تدثر الحوثي بالدفاع عن فلسطين، وهو ما سيجعلها تفتقر للدعم الشعبي، والحافز الكامل لخوض مواجهات مباشرة.
لكن التساؤلات هنا تبرز عن دور القوات التابعة لمجلس القيادة الرئاسي أو التحالف السعودي الإماراتي وغيابها بالكامل، رغم قربها من مناطق الصراع الملتهب حاليا في بحار اليمن، كقوات طارق صالح في المخا، والقوات المتواجدة في جزيرة ميون، المطلة على باب المندب، والتي تتشكل من قوات تابعة للتحالف، ويشرف عليها، وفقا لتصريحه قبل سنوات، وكذلك قوات خفر السواحل في عدن.